المنتديات
منتديات المكتبة العربية الكبرى

الأمومة والطفولة في الإسلام 5\7
أمين المكتبةفي 2020-10-11 19:23:44
عدد الردود : 0 عدد المشاهدات : 151
محمد أحمد العزب
الأمومة والطفولة في الإسلام
الأمومة في القرآن
أم موسى (1) .
ومع الأصداء الأخيرة الحلوة لهذا الترتيل . . نصعد معا إلى جبل آخر من جبال النور . . لنعانق أبعاد ملحمة أبطالها . . أم . . . ونبي . . وشخوص أشتات متباينة من البشر المتباينين .
نحن مع موسى وأمه . . مع الأمومة البطلة الفدائية ، التي صممت على أن تهدي الحياة ربيعها الأخضر متمثلا في بشر رسول . .
فعاشت من خلال هذا العمل العملاق . . صورة حية وامضة لكل ما في الأمومة من نداوة الحب . . وخصب العاطفة . . وإثراء الوجدان . . وبسالة الإصرار . .
نحن مع موسى وأمه إذن من خلال ما يحدثنا به القرآن (2) .
وما أصدق حديثه وأعذبه وما أخلد آياته وأروعها . . والقرآن هنا لا يحدثنا عن والد موسى (3) . .
وإنما يخص بالذكر أمه . . لأنها كانت بطلة الموقف . . وحاملة عبئه . . والمناضلة بعواطفها الأصلية عن وليدها الأثير . .
وتبدأ القصة بداية راعبة . . وشاحبة . . تبدأ برؤيا يراها فرعون . . تؤرق ليله ، وترتق نهاره . .
وتتركه في خضم متلاطم من الهواجس السافكة . . والوساوس الخانقة ، والرؤى الشرهاء فيجمع في ذهول كهنته وسحرته ،
وكل المعبرين والمنجمين . . ويسألهم تأويل رؤياه . .
فيقولون : يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك الملك ، ويغلبك على سلطانك ، ويخرجك وقومك من أرضك ، ويبدل دينك وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه! " .
وهنا يجن جنون فرعون . . وينفجر في حناياه طوفان من الغضب العارم . . فيأمر في لوثة حمقاء بقتل كل غلام وليد ، حتى لا يعانق الحياة هذا البازغ المنتظر الرهيب!
وبين هذه السحب المتراكمة المخيفة ولد موسى الكليم . . ويا له من ميلاد مفزع . .
ذلك الذي يجيء عبر أنهار من دماء سبعين ألف شهيد وليد . . وكأنما أفزع أمه أن يولد لها غلام . .
لأنها تعلم مصيره المحتوم . . ونهايته الأكيدة . . إلا أنها بحافز الحب الخلاق الذي يفرش دروبها المؤمنة . . تخبئ وليدها وراء أهداب العين . . وخلف أحناء الضلوع . .
ولكن . . إلى متى يا أم موسى ؟ وتصيخ في أمومة حادية معذبة . .
فإذا بوحي هادئ منغوم يتردد في خلدها المرهف : { أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ } (4)
وتفعل الأم ما أمر به الله . . وتلقي وليدها . . في النيل . . ! وكأنما جاشت نفسها حسرات بعد أن رأت الأمواج الغاضبة تتدافع في جنون حاملة تابوت وليدها الغض ، تتأرجح به يمنة ويسرة . . وتغوص به مرة ، وتطفو به أخرى .
فهمست وهي تتراجع قافلة إلى دارها في ذهول : أليس كان في قتله راحة أندى من أن أطوح به هكذا في ضباب الضياع ؟ . .
وكادت تتهالك من الأسى . . { لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (5) .
* * *
ويمضي الموج . . أو يمضي التابوت بالموج . . ليرسو أمام قصر الطاغية . . ويلمحه الجواري إلى جانب الشاطئ يترجرج . . ويتأرجح . . فيلتقطنه . .
ويذهبن به إلى آسية امرأة فرعون وتفتح آسية التابوت . . وتعانق صباحها ابتسامة " طفلة " بيضاء ترسم على أعماقها الجديبة صورة الأمل المرتجى . .
وبراعم الحب الظامئ اللهيف! وتذهب به إلى فرعون في لهفة ظمأى مستوهبة إياه . . قائلة في ارتعاش أنثوي صارخ :
فرعون . . { قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } (6)
وتتنزى انتفاضة الغضب في عيني الطاغية . . مصرا على أن يعانق الطفل مصير آلاف من الأطفال سبقوه . . ولكن آسية اللهيفة ما تزال به - تهدهد ثورته - وتتسرب من نوافذ العاطفة إلى قلبه الصلد . . حتى يتلاشى أو ينهار . . ويأمر فرعون أن يستبقى الغلام . .
ولكن . . ما بالنا قد تركنا أمه هناك ؟ . . لنرجع إليها على وشك . . فإنها ما زالت لهيفة عبرى . . تتحس أخباره ولا صدى . . وتقتفي آثاره ولا شبح . .
إنها ما زالت كالطائر المجروح ، الذي فقد أفراخه الصغار! . .
إنها ما زالت تلوب ظامئة حول أبعاد رحلته تريد أن تعرف ما مصيره . . تهتف بأخته مريم : ( قصيه ) . .
وتمضي الفتاة جانب النهر . . تتسمع حتى خففات الصدور ، وهمسات الجفون ، حتى تقف أخيرا على طرف من الخيط الذاهب هناك . . في قصر فرعون . .
إن شقيقها الطفل وراء هذه الجدران . . إنه مصر بكل ما في طفولته البريئة من تشامخ عنيد ألهمه الله إياه ألا يقرب من هذه الأثداء المأجورة ثديا واحدا يرضعه . . .
وحين ترى الفتاة اللهفانة جارية من جواري القصر . . تدنو منها في جلد محاذر مشبوب وتهمس في أذنها :
{ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } (7)
فترقص ابتسامة جذلى في عيني الجارية ، وتقول : أجل . . أجل . . من هؤلاء يا أختاه ؟ وتمضي بها عجلانة إلى سيدتها آسية ،
فتسر الفتاة إليها - في حذر - بخبر المرضع التي ليست سوى أم الوليد . . وحين يؤتى إلى أمه الوالهة . . تتطلع إليه في تشوف مبهور . .
وتضمه في جذل خائف إلى صدرها الحاني . . فيرضع الطفل حتى يروى . . بين ذهول الجواري وتوثب مريم في حذر بهيج .
وتستدعي ربة القصر أمه إلى قصرها . . تريد أن ترضع الغلام هناك . .
فتتأبى هذه وتتمنع حتى تنزل السيدة على إرادتها . . على إرادة الإصرار في موقف الأم . . التي ما زالت تحيا وراء ستار المرضع الحانية الرؤوم . . .
وحين تشارف هذه المرحلة . . نتسمع من بعيد . . وعن كثب إلى قول الحق سبحانه :
{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } (8)
{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } (9)
{ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } (10)
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } (11)
{ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } (12)
{ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } (13)
{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (14)
{ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } (15)
{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } (16)
{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } (17)
{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } (18)
__________
(1) المراجع السابقة . . وقصص الأنبياء للإمام الثعلبي .
(2) ملحوظة : يلاحظ أنه ينسب إلى القرآن أشياء ليست فيه وإنما وردت في الآثار .
(3) ملحوظة : يلاحظ أنه ينسب إلى القرآن أشياء ليست فيه وإنما وردت في الآثار .
(4) سورة طه الآية 39
(5) سورة القصص الآية 10
(6) سورة القصص الآية 9
(7) سورة القصص الآية 12
(8) سورة القصص الآية 4
(9) سورة القصص الآية 5
(10) سورة القصص الآية 6
(11) سورة القصص الآية 7
(12) سورة القصص الآية 8
(13) سورة القصص الآية 9
(14) سورة القصص الآية 10
(15) سورة القصص الآية 11
(16) سورة القصص الآية 12
(17) سورة القصص الآية 13
(18) سورة القصص الآية 14