كتاب: التبيان في آداب حملة القرآن
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
الباب السادس في آداب القرآن
[فصل] في الأوقات المختارة للقراءة
اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة ومذهب الشافعي وغيره أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود وغيره
وأما القراءة في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة وأما القراءة في النهار فأفضلها بعد صلاة الصبح ولا كراهية في القراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه وأما ما رواه ابن أبي داود عن معاذ بن رفاعة عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر وقالوا هي دراسة اليهود فغير مقبول ولا أصل له ويختار من الأيام الجمعة والاثنين والخميس ويوم عرفة ومن الأعشار العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة ومن الشهور رمضان
أدب دقيق
[فصل] إذا أرتج على القارئ ولم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه
فسأل عنه غيره فينبغي أن يتأدب بما جاء عن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وبشير بن أبي مسعود رضي الله عنهم قالوا إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت ولا يقول كيف كذا وكذا فإنه يلبس عليه
[فصل] إذا اراد أن يستدل بآية فله أن يقول قال الله تعالى كذا
وله أن يقول الله تعالى يقول كذا ولا كراهة في شئ من هذا هذا هو الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف ورى ابن أبي داود عن مطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي المشهور قال لا تقولوا إن الله تعالى يقول ولكن قولوا إن الله تعالى قال
وهذا الذي أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما جاء به القرآن والسنة وفعلته الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم فقد قال الله تعالى (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله سبحانه وتعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وفي صحيح البخاري في باب تفسير (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فقال أبو طلحة يا رسول الله إن الله تعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) فهذا كلام أبي طلحة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم: وفي الصحيح عن مسروق رحمه الله قال قلت لعائشة رضي الله عنها ألم يقل الله تعالى ولقد رآه بالأفق المبين) فقالت ألم تسمع أن الله تعالى يقول لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) أو لم تسمع أن الله تعالى يقول (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب الآية ثم
قالت في هذا الحديث والله تعالى يقول يا أيها الرسول بلغ ثم قالت والله تعالى يقول قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ونظائر هذا في كلام السلف والخلف أكثر من أن تحصر والله أعلم
[فصل] في آداب الختم وما يتعلق به
فيه مسائل
1 – الأولى في وقته قد تقدم أن الختم للقارئ وحده يستحب أن يكون في الصلاة وأنه قيل يستحب أن يكون في ركعتي سنة الفجر وركعتي سنة المغرب وفي ركعتي الفجر أفضل وأنه يستحب أن يختم ختمة في أول النهار في دور ويختم ختمة أخرى في آخر النهار في دور آخر وأما من يختم في غير الصلاة والجماعة الذين يختمون مجتمعين فيستحب أن تكون ختمتهم يقول أول النهار أو في أول الليل كما تقدم وأول النهار أفضل عند بعض العلماء
2 – المسألة الثانية يستحب صيام يوم الختم إلا أن يصادف يوما نهى الشرع عن صيامه وقد روى ابن أبي داود باسناده الصحيح أن طلحة بن مطرف وحبيب بن أبي ثابت والمسيب بن رافع التابعيين الكوفيين رضي الله عنهم أجمعين كانوا يصبحون في اليوم الذي يختمون فيه القرآن صياما
3 – المسألة الثالثة يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر الحيض بالخروج يوم العيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين
وروى الدارمي وابن أبي داود بإسنادهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن فاذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس فيشهد ذلك وروى ابن أبي داود باسنادين صحيحين عن قتادة التابعي الجليل صاحب أنس رضي الله عنه قال كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا وروى بأسانيده الصحيحة عن الحكم بن عيينة التابعي الجليل قال قال أرسل إلى مجاهد وعتبة بن لبابة فقالا إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن والدعاء يستجاب عند ختم القرآن وفي بعض الروايات الصحيحة وأنه كان يقال أن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن وروى باسناده الصحيح عن مجاهد قال
كانوا يجتمعون عند ختم القرآن يقولون تنزل الرحمة *
4 – المسألة الرابعة الدعاء مستحب عقيب الختم استحبابا متأكدا لما ذكرناه في المسألة التي قبلها
وروى الدارمي بإسناده عن حميد الأعرج قال من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك وينبغي أن يلح في الدعاء وأن يدعو بالأمور المهمة وأن يكثر في ذلك في صلاح المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم
وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري باسناده أن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن كان أكثر دعائه للمسلمين والمؤمنين والمؤمنات وقد قال نحو ذلك غيره فيختار الداعي الدعوات الجامعة كقوله
* اللهم أصلح قلوبنا وأزل عيوبنا وتولنا بالحسنى وزينا بالتقوى واجمع لنا خير الآخرة والأولى وارزقنا طاعتك ما أبقيتنا
* اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأعذنا من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال
* اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى * اللهم إنا نستودعك أدياننا وأبداننا وخواتيم أعمالنا وأنفسنا وأهلينا وأحبابنا وسائر المسلمين وجميع ما انعمت علينا وعليهم من أمور الآخرة والدنيا
* اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة واجمع بيننا وبين احبابنا في دار كرامتك بفضلك ورحمتك
* اللهم أصلح ولاة المسلمين ووفقهم للعدل في رعاياهم والاحسان إليهم والشفقة عليهم والرفق بهم والاعتناء بمصالحهم وحببهم إلى الرعية وحبب الرعية إليهم ووفقهم لصراطك الذي المستقيم والعمل بوظائف دينك القويم
* اللهم الطف بعبدك سلطاننا ووفقه لمصالح الدنيا والآخرة وحببة ألى رعيته وحبب الرعية إليه ويقول باقي الدعوات المذكورة في جملة الولاة ويزيد
* اللهم ارحم نفسه وبلاده وصن أتباعه وأجناده وانصره على أعداء الدين وسائر المخالفين ووفقه لإزالة المنكرات وإظهار المحاسن وأنواع الخيرات وزد الاسلام بسببه ظهورا وأعزه ورعيته إعزازا باهرا
* اللهم أصلح أحوال المسلمين وأرخص أسعارهم وأمنهم في أوطانهم واقض ديونهم وعاف مرضاهم وانصر جيوشهم وسلم غيابهم وفك أسراهم وأشف صدورهم وأذهب غيظ قلوبهم وألف بينهم واجعل في قلوبهم الايمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك صلى الله عليه وسلم: وأوزعهم ن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم
* اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين به ناهين عن المنكر مجتنبين له محافظين على حدودك قائمين على طاعتك متناصفين متناصحين
* اللهم صنهم لأن في أقوالهم وأفعالهم وبارك لهم في جميع أحوالهم ويفتح دعاءه ويختمه بقوله الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده
* اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
5 – المسألة الخامسة يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة فقد استحبه السلف واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال خير الأعمال الحل والرحلة قيل وما هما قال افتتاح القرآن وختمه