كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين
المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)
المعتزلة
220 – هل العوض الذي للأطفال دائم أم لا؟
واختلفوا في العوض الذي يستحقه الأطفال هل هو عوض دائم أم لا؟ على مقالتين:
1 – فقال قائلون: الذي يستحقونه من العوض الدائم.
2 – وقال قائلون: إدامة العوض تفضل وليس باستحقاق.
221 – لا يؤلم الله الأطفال في الآخرة
وأجمعت المعتزلة على أنه لا يجوز أن يؤلم الله – سبحانه! – الأطفال في الآخرة ولا يجوز أن يعذبهم.
222 – اختلافهم في عوض البهائم
واختلفوا في عوض البهائم على خمسة أقاويل:
1 – فقال قوم: إن الله – سبحانه! – يعوضها في المعاد وأنها تنعم في الجنة
وتصور في أحسن الصور فيكون نعيمها لا انقطاع له.
2 – وقال قوم: يجوز أن يعوضها الله – سبحانه! – في دار الدنيا ويجوز أن يعوضها في الموقف ويجوز أن يكون في الجنة على ما حكينا عن المتقدمين.
3 – وقال جعفر بن حرب والإسكافي: قد يجوز أن تكون الحيات والعقارب وما أشبهها من الهوام والسباع تعوض في الدنيا أو في الموقف ثم تدخل جهنم فتكون عذاباً على الكافرين والفجار ولا ينالهم من ألم جهنم شيء كما لا ينال خزنة جهنم.
4 – وقال قوم: قد نعلم أن لهم عوضاً ولا ندري كيف هو.
5 – وقال عباد: إنها تحشر وتبطل.
223 – هل يمكن الله عقولها أم تبقى على حالها في الدنيا؟
واختلف الذين قالوا بإدامة عوضها على مقالتين:
1 – فقال قوم: إن الله يكمل عقولهم حتى يعطوا دوام عوضهم لا يؤلم بعضهم بعضاً.
2 – وقال قوم: بل تكون على حالها في الدنيا.
224 – هل يقتص من بعضها من لبعض؟
1 – فقال قائلون: يقتص لبعضها من بعض في الموقف وأنه لا يجوز إلا ذلك وليس يجوز الاقتصاص والعقوبة بالنار ولا بالتخليد في العذاب لأنهم ليسوا بمكلفين.
2 – وقال قوم: لا قصاص بينهم.
3 – وقال قوم: إن الله – سبحانه! – يعوض البهيمة لتمكينه البهيمة التي جنت عليها ليكون ذلك العوض عوضاً لتمكينه إياها منها هذا قول الجبائي.
225 – اختلافهم في من دخل زرعا لغيره
واختلفوا فيمن دخل زرعاً لغيره على مقالتين:
1 – فقال أبو شمر وهو يوافقهم في التوحيد والقدر: إذا دخل الرجل زرعاً لغيره فحرام عليه أن يقف فيه أو يتقدم أو يتأخر فإن تاب وندم فليس يمكنه إلا أن يكون عاصياً لله -عز وجل- وأنه ملوم على ذلك.
2 – وقال غيره: الواجب عليه إذا ندم أن يخرج منه ويضمن جميع ما استهلك.
226 – نعيم الجنة تفضل أو ثواب؟
واختلفوا في نعيم الجنة هل هو تفضل أو ثواب؟ على مقالتين:
1 – فقال قائلون: كل ما في الجنة ثواب ليس بتفضل.
2 – وقال بعضهم: بل ما فيها تفضل ليس بثواب.
القول في الآجال:
227 – اختلافهم في الأجل
اختلفت المعتزلة في ذلك على قولين:
1 – فقال أكثر المعتزلة: الأجل هو الوقت الذي في معلوم الله – سبحانه! – أن الإنسان يموت فيه أو يقتل فإذا قتل قتل بأجله وإذا مات مات بأجله.
2 – وشذ قوم من جهالهم فزعموا أن الوقت الذي في معلوم الله – سبحانه! – أن الإنسان لو لم يقتل لبقي إليه هو أجله دون الوقت الذي قتل فيه.
228 – لو لم يقتل المقتول هل كان يموت؟
واختلف الذين زعموا أن الأجل هو الوقت الذي في معلوم الله – سبحانه! – أن الإنسان يموت فيه أو يقتل في المقتول الذي لو لم يقتل هل كان يموت أم لا؟ على ثلاثة أقاويل:
1 – فقال بعضهم: إن الرجل لو لم يقتل مات في ذلك الوقت وهذا قول أبي الهذيل.
2 – وقال بعضهم: يجوز لو لم يقتله القاتل أن يموت ويجوز أن يعيش.
3 – وأحال منهم محيلون هذا القول.
مسائل متفرقة
القول في الأرزاق
229 – الرزق، وهل الحرام رزق؟
قالت المعتزلة: إن الأجسام الله خالقها وكذلك الأرزاق وهي أرزاق الله – سبحانه! – فمن غصب إنساناً مالاً أو طعاماً فأكله أكل ما رزق الله غيره ولم يرزقه إياه.
وزعموا بأجمعهم أن الله – سبحانه! – لا يرزق الحرام كما لا يملك الله الحرام وأن الله – سبحانه! – إنما رزق الذي ملكه إياهم دون الذي غصبه.
وقال أهل الإثبات: الأرزاق على ضربين: منها ما ملكه الله الإنسان ومنها ما جعله غذاءً له وقواماً لجسمه وإن كان حراماً عليه فهو رزقه إذ جعله الله – سبحانه! – غذاءً له لأنه قوام لجسمه.
القول في الشهادة:
230 – المراد بالشهادة
اختلفت المعتزلة في ذلك على أربعة أقاويل:
1 – فقال قائلون: هو الصبر على ما ينال الإنسان من ألم الجراح المؤدي إلى القتل والعزم على ذلك وعلى التقدم إلى الحرب وعلى الصبر على ما يصيبه وكذلك.
قالوا: في المبطون1 والغريق ومن مات تحت الهدم. قالوا: وإن غوفص2 إنسان من المسلمين بشيء مما ذكرنا فكان عزمه على التسليم والصبر قد كان تقدم ودخل في جملة اعتقاده.
__________
1 المبطون: العليل البطن الذي أصابه إسهال امتد أشهرا بسبب ضعف المعدة.
2 غومض: أخذ على حين غرة فركبه بمساءة وفي نوادر العرب: أخذته مغافصة ومغايصة ومرافصة: أي أخذته مغارة. والغوافص: من أوازم الدهر وأنشد:
“إذا نزلت إحدى الأمور الغوافص”
2 – وقال قائلون: الشهادة هي الحكم من الله – سبحانه! – لمن قتل من المؤمنين في المعركة بأنه شهيد وتسميته بذلك.
3 – وقال قائلون: الشهادة هم الحضور لقتال العدو إذا قتل سمي شهادة.
4 – وقال قائلون: الشهداء هم العدول قتلوا أو لم يقتلوا.
وزعموا أن الله – سبحانه! – قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] فالشهداء هو المشاهدون لهم ولأعمالهم وهم العدول المرضيون.
القول في الختم والطبع
231 – المراد بالختم والطبع
اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين:
1 – فزعم بعضهم أن الختم من الله – سبحانه! – والطبع على قلوب الكفار هو الشهادة والحكم أنهم لا يؤمنون وليس ذلك بمانع لهم من الإيمان.
2 – وقال قائلون: الختم والطبع هو السواد في القلب كما يقال طبع السيف إذا صدئ من غير أن يكون ذلك مانعاً لهم عما أمرهم به.
وقالوا: جعل الله ذلك سمة1 لهم تعرف الملائكة بتلك السمة في القلب أهل ولاية الله – سبحانه – من أهل عداوته.
وقال أهل الإثبات: قوة الكفر طبع.
وقال بعضهم: معنى أن الله طبع على قلوب الكافرين أي خلق فيها الكفر.
وقالت البكرية ما سنذكره بعد هذا الموضع إن شاء الله.
__________
1 السمة: بكسر السين المشددة- العلامة ومثله: الرسم. وهي من أثر الكي.