الكتاب: فقه السنة المؤلف: سيد سابق (المتوفى: 1420هـ)
الاحداد على الميت:
يجوز للمرأة أن تحد (5) على قريبها الميت ثلاثة أيام ما لم يمنعها زوجها، ويحرم عليها أن تحد عليه فوق ذلك، إلا إذا كان الميت زوجها، فيجب عليها أن تحد عليه مدة العدة. وهي أربعة أشهر وعشر.
لما رواه الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لاتحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا.
ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب (6) ، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا، ولا تختضب، ولا تمتشط
__________
(1) الفخر في الاحساب: التعاظم بمناقب الآباء. ” الطعن في الانساب ” نسبة الرجل المرء لغير أبيه. ” الاستسقاء بالنجوم “: اعتقاد أنها المؤثرة في نزول المطر.
(2) السربال: القميص. والجرب: تقرح الجلد، والقطران: يقوي شعلة النار، فيكون عذاب النائحة بالنار بسبب هذين القميصين أشد عذاب.
(3) الصالقة: التي ترفع صوتها بالندب والنياحة – الحالقة: التي تحلق رأسها عند المصيبة – الشاقة: أي التي تشق.
(4) الاسعاد: المساعدة في النياحة.
(5) تحد: من باب نصر وضرب.
(6) عصب: برود يمانية.
إلا إذا ظهرت، تمس نبذة من قسط، أو اظفار (1) “.
والاحداد ترك ما تتزين به المرأة من الحلي والكحل والحرير والطيب والخضاب.
وإنما وجب على الزوجة ذلك مدة العدة، من أجل الوفاء للزوج، ومراعاة لحقه.
استحباب صنع الطعام لأهل الميت:
عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اصنعوا
لآل جعفر طعاما، فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم ” رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي.
وقال: حسن صحيح.
واستحب الشارع هذا العمل، لانه من البر والتقرب إلى الاهل والجيران.
قال الشافعي: وأحب لقرابة الميت أن يعملوا لاهل الميت في يومهم وليلتهم طعاما يشبعهم، فإنه سنة وفعل أهل الخير.
واستحب العلماء الالحاح عليهم ليأكلوا، لئلا يضعفوا بتركه استحياء أو لفرط جزع.
وقالوا: لا يجوز اتخاذ الطعام للنساء إذا كن ينحن لانه إعانة لهن على معصية.
واتفق الائمة على كراهة صنع أهل الميت طعاما للناس يجتمعون عليه، لما في ذلك من زيادة المصيبة عليهم وشغلا لهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية لحديث جرير قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة.
وذهب بعض العلماء إلى التحريم.
قال ابن قدامه: فإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والاماكن البعيدة.
ويبيت عندهم، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه “.
__________
(1) القسط والاظفار: نوعان من العود الذي يتطيب به.
و” النبذة ” القطعة: أي يجوز لها وضع الطيب عند الغسل من الحيض لازالة الرائحة الكريهة.
جواز اعداد الكفن والقبر قبل الموت قال البخاري: باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه، وروى عن سهل رضي الله عنه أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة، فيها حاشيتها (1) أتدرون ما البردة (2) ؟ قالوا: الشملة.
قال: نعم.
قالت: نسجتها بيدي، فجئت لاكسوها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا، وإنها إزارة، فحسنها فلان فقال: اكسنيها.
ما أحسنها.
قال القوم: ما أحسنت، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، ثم سألته، وعلمت أنه لايرد، قال: إني والله ما سألته لالبسها، إنما سألته لتكون كفني، قال سهل فكانت كفنه.
قال الحافظ معلقا على الترجمة: وإنما قيد ” أي البخاري ” الترجمة بذلك.
أي بقوله: ” فلم ينكر ليشير إلى أن الانكار وقع من الصحابة، كان على الصحابي في طلب البردة، فلما أخبرهم بعذره لم ينكروا ذلك عليه، فيستفاد منه جواز تحصيل ما لابد منه للميت من كفن ونحوه في حال حياته، وهل يلتحق بذلك حفر القبر؟ ثم قال: قال ابن بطال: فيه جواز إعداد الشئ قبل وقت الحاجة إليه.
قال: وقد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت، وتعقبه الزين بن المنير: بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة، قال: ولو كان مستحبا لكثر فيهم.
وقال العيني: لا يلزم من عدم وقوعه من أحد من الصحابة عدم جوازه.
لان ما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، ولاسيما إذا فعله قوم من العلماء الاخيار.
قال أحمد: لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره، ويوصي أن يدفن فيه.
وروي عن عثمان وعائشة وعمر بن عبد العزيز رضيا لله عنهم أنهم فعلوا ذلك.
__________
(1) حاشيتا الثوب: ناحيتاه اللتان في طرفهما الهدب.
(2) مقول سهل.
استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:
يستحب طلب الموت في أحد الحرمين: الحرم المكي، والحرم المدني، لما رواه البخاري عن حفصة رضي الله عنها أن عمر رضي الله عنه قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم.
فقلت: أنى هذا؟ فقال: يأتيني به الله إن شاء الله.
وروى الطبراني عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من مات في أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة ” وفيه موسى بن عبد الرحمن، ذكره ابن حبان في الثقات وعبد الله ابن المؤمل ضعفه أحمد ووثقه ابن حبان.
موت الفجأة (1) روى أبو داود عن عبيد بن خالد السلمي – رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – قال مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال مرة: عن عبيد.
قال: ” موت الفجأة أخذة آسف (2) “.
وقد روي هذا الحديث من حديث عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة، وفي كل منها مقال.
وقال الازدي: ولهذا الحديث طرق، وليس فيها صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث عبيد هذا الذي أخرجه أبوداود، رجال إسناده ثقات.
والوقف فيه لا يؤثر، فإن مثله لا يؤخذ بالرأي، فكيف وقد أسنده الراوي مرة.
ثواب من مات له ولد:
1 – روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” مامن الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث (3) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم “.
__________
(1) أي الموت بغتة.
(2) آسف: غضبان وإنما كان موت الفجأة يكرهه الناس لانه يفوت ثواب المرض الذي يكفر الذنوب والاستعداد بالتوبة والعمل الصالح.
(3) الحنث: الاثم: أي لم يبلغوا سن التكليف فيكتب عليهم الاثم.
2 – وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا يوما.
فوعظهن وقال: ” أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار “، قالت امرأة: واثنان قال: ” واثنان “.
أعمار هذه الامة روى الترمذي عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين (1) وأقلهم من يجوز (2) ذلك “.
الموت راحة:
روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة، فقال: ” مستريح ومستراح منه (3) “، فقالوا: يا رسول الله، ما المستريح وما المستراح منه؟ فقال: ” العبد المؤمن يستريح من نصب (4) الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد (5) والبلاد والشجر والدواب “.