تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » أوصيكُم بتقوى الله ، والسمع والطَّاعة ..

أوصيكُم بتقوى الله ، والسمع والطَّاعة ..

  • بواسطة

 

جامع العلوم والحكم

في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

ابن رجب الحنبلي


الحديث الثامن والعشرون

 
عَن العِرْبَاض بنِ ساريةَ رضي الله عنه  قالَ : وَعَظَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  مَوعِظَةً ، وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ ، وذَرَفَتْ منها العُيونُ ، فَقُلْنا : يَا رَسول الله ، كأنَّها مَوعِظَةُ مُودِّعٍ، فأوْصِنا ، قال : (( أوصيكُمْ بتَقوى الله ، والسَّمْعِ والطَّاعةِ ، وإنْ تَأَمَّرَ عَليكُم عَبْدٌ ، وإنَّه من يَعِشْ مِنْكُم بعدي فَسَيرى اختلافاً كَثيراً ، فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلفاء الرَّاشدينَ المهديِّينَ ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ ، وإيَّاكُم ومُحْدَثاتِ الأمور ، فإنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ )) رواه أبو داود والتِّرمذيُّ ([1]) ، وقال : حديثٌ حَسَنٌ
صَحيحٌ .
 
هذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد ([2]) ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ([3]) من رواية ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الرحمان بن عمرو السُّلمي ، زاد أحمد في روايةٍ له ، وأبو داود : وحُجْر بن حجر الكلاعي ، كلاهما عن العِرباض ابن سارية ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وقال الحافظ أبو نعيم : هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين ([4]) ، قال : ولم يتركه البخاري ومسلمٌ من جهة إنكارٍ منهما له ، وزعم الحاكمُ ([5]) أنَّ سببَ تركهما له أنَّهما توهّما أنَّه ليس له راوٍ عن خالد بن معدان غيرَ ثور بن يزيد ، وقد رواه عنه أيضاً بحير بن سعد ومحمد بن إبراهيم التيمي وغيرهما .
 
قلتُ : ليس الأمرُ كما ظنَّه ، وليس الحديثُ على شرطهما ، فإنَّهما لم يخرِّجا
لعبد الرحمان بن عمرو السُّلمي ، ولا لحُجْرٍ الكلاعي شيئاً ، وليسا ممَّن اشتهر بالعلم والرواية .
 
وأيضاً ، فقد اختُلِفَ فيه على خالد بن معدان ، فروي عنه كما تقدَّم ، وروي عنه عن ابن أبي بلال ، عن العِرباض ، وخرَّجه الإمام أحمد ([6]) مِنْ هذا الوجه أيضاً ، وروي أيضاً عن ضمرة بن حبيب ، عن عبد الرحمان بن عمرو السُّلمي ، عن العِرباض ، خرَّجه من طريقه الإمام أحمد وابن ماجه ([7]) ، وزاد في حديثه : (( فقد تركتُكم على البيضاءِ ، ليلُها كنهارها ، لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالكٌ )) ، وزاد في آخر الحديث : (( فإنَّما المؤمن كالجمل الأنِفِ ، حيثما قيدَ انقاد )) .
 
وقد أنكر طائفةٌ مِنَ الحُفَّاظ هذه الزيادة في آخر الحديث ، وقالوا : هي مدرجةٌ فيه ، وليست منه ، قاله أحمد بن صالح المصري وغيره ، وقد خرَّجه
الحاكم ([8]) ، وقال في حديثه : وكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث : (( فإنَّ المؤمن كالجملِ الأنِفِ ، حيثما قيد انقاد )) .
 
وخرَّجه ابن ماجه ([9]) أيضاً من رواية عبد الله بن العلاء بن زبر ، حدثني يحيى ابن أبي المطاع ، سمعتُ العرباض فذكره ، وهذا في الظاهر إسناد جيد متَّصلٌ ، ورواته ثقات مشهورون ، وقد صرَّح فيه بالسَّماع ، وقد ذكر البخاري في
” تاريخه ” ([10]) : أنَّ يحيى بن أبي المطاع سمع من العِرباض اعتماداً على هذه الرواية ، إلاَّ أنَّ حفَّاظ أهلِ الشَّام أنكروا ذلك ، وقالوا : يحيى بن أبي المطاع لم يسمع من العرباض ، ولم يلقه ، وهذه الرواية غلطٌ ، وممَّن ذكر ذلك أبو زرعة الدِّمشقي ، وحكاه عن دُحيم ([11]) ، وهؤلاء أعرفُ بشيوخهم من غيرهم([12]) ، والبخاري – رحمه الله – يقع له في تاريخه أوهام في أخبار أهل الشام ، وقد رُوي عن العِرباض من وجوه أخر ، ورُوي من حديث بُريدة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  ، إلاَّ أنَّ إسنادَ حديثِ بُريدة لا يثبت، والله أعلم .
 
فقولُ العِرباض : وعظنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  موعظة ، وفي رواية أحمد وأبي داود والترمذي : (( بليغة )) ، وفي روايتهم أنَّ ذلك كانَ بعد صلاةِ الصُّبح ، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  كثيراً ما يَعِظُ أصحابَه في غير الخُطَبِ الرَّاتبة ، كخطب الجمع والأعياد ، وقد أمره الله تعالى بذلك ، فقال : } وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً { ([13]) ، وقال : } ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ { ([14]) ، ولكنَّه كان لا يُديم وعظهم ، بل يتخوّلُهُم به أحياناً ، كما في ” الصحيحين ” ([15]) عن أبي وائل ، قال : كان عبدُ الله بنُ مسعودٍ يذكِّرنا كلَّ يوم خميسٍ ، فقال له رجل : يا أبا
عبد الرحمان ، إنَّا نحبُّ حديثَك ونشتهيه ، ولَودِدْنا أنَّك حدَّثتنا كلَّ يومٍ ، فقال : ما يمنعني أنْ أحدِّثكم إلا كراهةَ أنْ أُمِلَّكم ، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان يتخوَّلنا بالموعظة كراهة السآمة علينا .
 
والبلاغةُ في الموعظة مستحسنةٌ ؛ لأنَّها أقربُ إلى قَبولِ القلوب واستجلابها ، والبلاغةُ : هي التَّوصُّل إلى إفهام المعاني المقصودة ، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسنِ صُورةٍ مِنَ الألفاظ الدَّالَّة عليها ، وأفصحها وأحلاها للأسماع ، وأوقعها في القلوب . وكان صلى الله عليه وسلم  يقصر خطبتها ، ولا يُطيلُها ، بل كان يُبلِغُ ويُوجِزُ .
 
وفي ” صحيح مسلم “([16]) عن جابر بنِ سمُرة قال : كنتُ أُصلِّي معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  ، فكانت صلاتُه قصداً ، وخطبته قصداً .
 
وخرَّجه أبو داود ([17]) ولفظه : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  لا يُطيلُ الموعظةَ يومَ الجمعة ، إنَّما هو كلمات يسيرات .
 
وخرَّج مسلم ([18]) من حديث أبي وائل قال : خطبنا عمارٌ فأَوْجَزَ وأَبْلغَ ، فلما
نزل ، قلنا : يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت ، فلو كنت تنفَّستَ ، فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : (( إنَّ طُولَ صلاةِ الرَّجُلِ ، وقِصَر خُطبتِهِ ، مَئِنَّةٌ ([19]) من فقهه ، فأطيلوا الصَّلاة ، وأقصروا الخطبة ، فإنَّ من البيان سحراً )) .
 
وخرَّج الإمام أحمد ([20]) وأبو داود ([21]) من حديث الحكم بن حزن ، قال :
 
شهدتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم  الجمعة فقام متوكئاً على عصا أو قوسٍ ، فحمِدَ الله ، وأثنى عليه كلماتٍ خفيفاتٍ طيِّباتٍ مباركاتٍ .
 
وخرَّج أبو داود ([22]) عن عمرو بنِ العاص : أنَّ رجلاً قام يوماً ، فأكثر القولَ ، فقال عمرٌو : لو قَصَد في قوله ، لكان خيراً له ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : (( لقد رأيتُ – أو أمرتُ – أنْ أتجوَّزَ في القول ، فإنَّ الجواز هو خير )) .
 
وقوله : (( ذرفت منها العيونُ ووَجِلت منها القلوب )) هذان الوصفان بهما مدح الله المؤمنين عندَ سماع الذكر كما قال تعالى : } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ { ([23]) ، وقال : } وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ { ([24]) ، وقال : } أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ { ([25]) ، وقال : } اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ
اللهِ { ([26]) ، وقال تعالى : } وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ { ([27]) .
 
وكان صلى الله عليه وسلم  يتغيَّرُ حالُه عند الموعظة ، كما قال جابر : كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  إذا
خطبَ ، وذكر الساعةَ ، اشتدَّ غضبه ، وعلا صوتُه ، واحمرَّت عيناه ، كأنَّه منذرُ جيش يقول : صبَّحَكم ومسَّاكم . خرَّجه مسلم بمعناه ([28]) .
 
وفي ” الصحيحين “([29]) عن أنس : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  خرج حين زاغت الشمسُ ، فصلى الظُّهرَ ، فلمَّا سلم ، قام على المنبر ، فذكر السَّاعة ، وذكر أنَّ بَيْنَ يديها أموراً عظاماً ، ثم قال : (( من أحبَّ أنْ يسألَ عن شيءٍ فليسأل عنه ، فوالله لا تسألوني عن شيءٍ إلاَّ أخبرتُكم به في مقامي هذا )) ، قال أنس : فأكثر النَّاسُ البكاءَ ، وأكثر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  أنْ يقول : (( سلوني )) ، فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي
يا رسول الله ، قال : (( النار )) ، وذكر الحديث .
 
وفي ” مسند الإمام أحمد “([30]) عن النُّعمان بن بشير : أنَّه خطب ، فقال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم  يَخْطُبُ يقول : (( أنذرتكم النَّار ، أنذرتكم النَّار )) حتّى لو أنَّ رجلاً كان بالسُّوق لسمعه من مقامي هذا ، قال : حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه .
 
وفي ” الصحيحين “([31]) عن عدي بن حاتمٍ ، قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  :
(( اتقوا النَّار )) ، قال : وأشاح ، ثم قال : (( اتقوا النَّار )) ، ثم أعرض وأشاح ثلاثاً حتى ظننا أنَّه ينظر إليها ، ثم قال : (( اتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرةٍ ، فمن لم يجد فبكلمة طيِّبةٍ )) .
 
وخرَّج الإمام أحمد ([32]) من حديث عبد الله بن سلمة ، عن عليٍّ ، أو عنِ الزُّبير
ابن العوّام ، قال : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  يخطُبنا ، فيذكِّرُنا بأيَّامِ الله ، حتّى يُعرَف ذلك في وجهه ، وكأنه نذيرُ قوم يُصبِّحهم الأمرُ غُدوةً ، وكان إذا كان حديثَ عهدٍ بجبريلَ لم يتبسَّمْ ضاحكاً حتَّى يرتفع عنه .
 
وخرَّجه الطبراني والبزارُ ([33]) من حديث جابر ، قال : كان النَّبيُّ  صلى الله عليه وسلم  إذا أتاه الوحيُّ ، أو وعظَ ، قلت : نذير قوم أتاهُم العذابُ ، فإذا ذهبَ عنه ذلك ، رأيت أطلقَ الناس وجهاً ، وأكثَرهم ضَحِكاً ، وأحسنهم بِشراً صلى الله عليه وسلم  .
 
وقولهم : (( يا رسول الله كأنَّها موعظةُ مودِّع ، فأوصنا )) يدلُّ على أنَّه كان صلى الله عليه وسلم  قد أبلغَ في تلك الموعظة ما لم يبلغ في غيرها ، فلذلك فَهِموا أنَّها موعظةُ مودِّعٍ ، فإنَّ المودِّع يستقصي ما لا يستقصي غيرُه في القول والفعل ، ولذلك أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  أنْ يُصلي صلاة مودِّعٍ ([34]) ؛ لأنَّه مَنِ استشعر أنَّه مودِّع بصلاته ، أتقنها على أكمل وجوهها . ولرُبما كان قد وقع منه صلى الله عليه وسلم  تعريضٌ في تلك الخطبة بالتَّوديع ، كما عرَّض بذلك في خطبته في حجة الوداع ، وقال : (( لا أدري ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )) ([35]) ، وطفق يودِّعُ الناس ، فقالوا : هذه حجة الوداع ، ولمّا رجع من حجِّه إلى المدينة ، جمع الناس بماءٍ بين مكة والمدينة يُسمى خُمَّاً([36]) ، وخطبهم ، فقال : (( يا أيُّها النّاس ، إنّما أنَا بَشرٌ يوشِكُ أنْ يأتيني رسولُ ربِّي فأجيب )) ثم حضَّ على التمسُّك بكتابِ الله ، ووصَّى بأهل بيته ، خرَّجه مسلم ([37]) .
 
وفي ” الصحيحين ” ([38]) ولفظه لمسلم عن عقبةَ بنِ عامرٍ ، قال : صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم  على قتلى أحدٍ ، ثم صَعِدَ المنبر كالمودِّع للأحياء والأموات ، فقال
: (( إنِّي فَرَطُكُم على الحوض ، فإنَّ عَرْضَهُ ، كما بين أيلةَ إلى الجُحفةِ ، وإنِّي لست أخشى عليكم أنْ تُشركوا بعدي ، ولكن أخشى عليكُم الدُّنيا أنْ تنافسوا فيها ، وتقتتلوا ، فتهلكوا كما هلك مَنْ كان قبلكم )) . قال عقبة : فكانت آخرَ ما رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  على المنبر .
 
وخرَّجه الإمام أحمد ([39]) ولفظه : صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  على قتلى أُحُدٍ بعد ثمانِ سنين كالمودِّع للأحياء والأموات ، ثم طلَعَ المنبرَ ، فقال : (( إنِّي فرطُكم ، وأنا عليكم شهيد ، وإنَّ موعدَكم الحوضُ ، وإنِّي لأنظرُ إليه ، ولستُ أخشى عليكم الكُفر ، ولكن الدُّنيا أنْ تنافسوها )) .
 
وخرَّج الإمام أحمد ([40]) أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال : خرج علينا
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  يوماً كالمودِّع ، فقال : (( أنا محمد النَّبيُّ الأُميُّ – قال ذلك ثلاث مرَّات – ولا نبيَّ بعدي ، أُوتيتُ فواتِحَ الكَلِم وخواتمَه وجوامعه ، وعلمت كم خزنةُ النَّار ، وحملةُ العرش ، وتَجَوَّزَ لي ربِّي وعُوفيتُ وعُفِيَتْ أُمَّتي ، فاسمعوا وأطيعوا ما دمتُ فيكم ، فإذا ذُهِبَ بي ، فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلاله ، وحرِّموا
حرامه )) .
 
فلعلَّ الخطبة التي أشار إليها العرباضُ بنُ سارية في حديثه كانت بعضَ هذه
الخطب ، أو شبيهاً بها ممَّا يُشعر بالتوديع .
 
وقولهم : (( فأوصنا )) ، يعنون وصيةً جامعةً كافية، فإنَّهم لمَّا فهموا ([41]) أنَّه
مودِّعٌ ، استوصوهُ وصيَّةً ينفعهم التمسُّك بها بعدَه ، ويكون فيها كفايةٌ لمن تمسَّك
بها ، وسعادةٌ له في الدنيا والآخرة .
 
وقوله صلى الله عليه وسلم  : (( أوصيكم بتقوى الله ، والسَّمع والطَّاعة )) ، فهاتان الكلمتان تجمعان سعادةَ الدُّنيا والآخرة .
 
أمَّا التَّقوى ، فهي كافلةٌ بسعادة الآخرة لمن تمسَّك بها ، وهي وصيةُ الله للأوَّلين والآخرين ، كما قال تعالى : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ { ([42]) ، وقد سبق شرح التقوى بما فيه كفاية في شرح حديث وصية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  لمعاذ ([43]) .
 
وأمّا السَّمع والطاعة لوُلاة أُمور المسلمين ، ففيها سعادةُ الدُّنيا([44]) ، وبها تنتظِمُ مصالحُ العباد في معايشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعةِ ربِّهم ، كما قال عليٌّ رضي الله عنه  : إنَّ الناسَ لا يُصلحهم إلاَّ إمامٌ بَرٌّ أو فاجر ، إنْ كان فاجراً عبدَ
 
المؤمنُ فيه ربَّه ، وحمل الفاجر فيها إلى أجله ([45]) .
 
وقال الحسن في الأمراء : هم يلونَ من أمورنا خمساً : الجمعةَ والجماعة والعيد والثُّغور والحدود ، والله ما يستقيم الدِّين إلاَّ بهم ، وإنْ جاروا وظلموا ، والله لَمَا يُصْلحُ الله بهم أكثرُ ممَّا يُفسدون ، مع أنَّ – والله – إنَّ طاعتهم لغيظٌ ، وإنَّ فرقتهم لكفرٌ .
 
وخرّج الخلال في كتاب ” الإمارة ” من حديث أبي أمامة قال : أمرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  أصحابَه حينَ صلَّوا العشاء : (( أنِ احشُدوا ، فإنَّ لي إليكم حاجةً )) فلمّا فرغ مِنْ صلاةِ الصُّبح ، قال : (( هل حشدتم كما أمرتكم ؟ )) قالوا : نعم ، قال : (( اعبدوا الله، ولا تُشركوا به شيئاً، هل عقلتم هذه؟ )) ثلاثاً، قلنا: نعم، قال: (( أقيموا الصَّلاةَ، وآتوا الزَّكاة ، هل عقلتم هذه ؟ )) ثلاثاً . قلنا : نعم ، قال : (( اسمعوا وأطيعوا )) ثلاثاً ، (( هل عقلتم هذه ؟ )) ثلاثاً ، قلنا : نعم ، قال : فكنَّا نرى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  سيتكلَّم كلاماً طويلاً ، ثم نظرنا في كلامه ، فإذا هو قد جمع لنا الأمر كلَّه ([46]) .
 
وبهذين الأصلين وصَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  في خطبته في حجة الوداع أيضاً ، كما خرَّج الإمامُ أحمد والترمذي من رواية أمِّ الحصين الأحمسية ، قالت : سمعتُ رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يخطُبُ في حَجّةِ الوداع ، فسمعتُه يقول : (( يا أيُّها النَّاسُ ، اتَّقوا الله ، وإنْ أُمِّرَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ مجدَّعٌ ، فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله )) ([47]) .
وخرَّج مسلم منه ذكرَ السمعِ والطاعة ([48]) .
 
وخرَّج الإمام أحمد والترمذي أيضاً من حديث أبي أُمامة ، قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  يخطُبُ في حَجَّةِ الوداع ، يقول : (( اتَّقوا الله ، وصلُّوا خمسَكُم ، وصوموا شهركم ، وأدُّوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخُلُوا جنَّةَ
ربِّكم )) ([49]) ، وفي روايةٍ أخرى أنَّه قال : (( يا أيُّها النَّاس ، إنَّه لا نبيَّ بعدي ، ولا أمَّةَ بعدكم )) وذكر الحديث بمعناه ([50]) .
 
وفي ” المسند ” ([51]) عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  ، قال : (( من لقِيَ الله لا يشركُ به شيئاً ، وأدّى زكاةَ مالهِ طيِّبةً بها نفسُه محتسباً ، وسمع وأطاع ، فله الجنَّة ، أو دخل الجنَّة )) .
 
وقوله صلى الله عليه وسلم  : (( وإنْ تأمَّرَ عليكم عبدٌ )) ، وفي روايةٍ : (( حبشي )) هذا مما تكاثرت به الرِّوايات عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  ، وهو مما اطلع عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  من أمرِ أُمته بعده ، وولاية العبيد عليهم ، وفي ” صحيح البخاري ” ([52]) عن أنس ، عن النَّبيِّ  صلى الله عليه وسلم  ، قال : (( اسمعوا وأطيعوا ، وإنِ استُعمِلَ عَلَيكُمْ عبدٌ حبشيٌّ ، كأنَّ رأسه زبيبةٌ )) .
 
وفي ” صحيح مسلم ” ([53]) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه  قال : إنَّ خليلي صلى الله عليه وسلم  أوصاني أنْ أسمع وأطيع ، ولو كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف . والأحاديث في المعنى كثيرة جداً .
 
ولا يُنافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم  : (( لا يزالُ هذا الأمرُ في قريش ما بقي في النَّاس
اثنان )) ([54]) ، وقوله : (( النّاس تبعٌ لقريش )) ([55]) ، وقوله : (( الأئمة من قريش )) ([56]) ؛ لأنَّ ولاية العبيد قد تكون من جهة إمام قرشي ، ويشهد لذلك ما خَرَّجَه الحاكمُ ([57]) من حديث عليٍّ رضي الله عنه  ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  ، قال : (( الأئمة من قريش أبرارُها أمراءُ
أبرارها ، وفجارُها أمراءُ فجارها ، ولكلٍّ حقٌّ ، فآتوا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه ، وإنْ أمرت عليكم قريش عبداً حبشياً مجدعاً ، فاسمعوا له وأطيعوا )) وإسناده جيد ، ولكنَّه روي عن عليٍّ موقوفاً ([58]) ، وقال الدارقطني ([59]) : هو أشبه .
 
وقد قيل : إنَّ العبدَ الحبشيَّ إنَّما ذكر على وجه ضرب المثل وإنْ لم يصحَّ وقوعُه ، كما قال : (( مَن بنى مسجداً و لو كَمَفْحَصِ قطاة )) ([60]) .
 
وقوله صلى الله عليه وسلم  : (( فمن يعِشْ منكم بعدي ، فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاء الرَّاشدين المهديِّين من بعدي ، عَضُّوا عليها بالنواجذ )) . هذا إخبارٌ
منه  صلى الله عليه وسلم  بما وقع في أُمَّته بعدَه من كثرة الاختلاف في أصول الدِّين وفروعه ، وفي الأقوال والأعمال والاعتقادات ، وهذا موافقٌ لما روي عنه من افتراقِ أُمَّته على بضعٍ وسبعين فرقة ، وأنَّها كلَّها في النَّار إلاَّ فرقة واحدة، وهي من كان على ما هو عليه وأصحابُه ، وكذلك في هذا الحديث أمر عندَ الافتراق والاختلاف بالتمسُّك بسنَّته وسنَّةِ الخلفاء الرَّاشدين من بعده ، والسُّنة : هي الطريقة المسلوكةُ ، فيشمل ذلك التمسُّك بما كان عليه هو وخلفاؤه الرَّاشدونَ مِنَ الاعتقادات والأعمال والأقوال ، وهذه هي السُّنةُ الكاملةُ ، ولهذا كان السلف قديماً لا يُطلقون اسم السُّنَّةِ إلا على ما يشمل ذلك كلَّه ، ورُوي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفُضيل بن عياض .
 
وكثيرٌ من العُلماء المتأخرين يخصُّ اسم السُّنة بما يتعلق بالاعتقادات ؛ لأنَّها أصلُ الدِّين ، والمخالفُ فيها على خطرٍ عظيم ، وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسَّمع والطَّاعة لأُولي الأمر إشارةٌ إلى أنَّه لا طاعةَ لأولي الأمر إلاّ في طاعة اللهِ ، كما صحَّ عنه أنَّه قال : (( إنَّما الطَّاعةُ في المعروف )) ([61]) .
 
وفي ” المسند ” ([62]) عن أنس : أنَّ معاذَ بن جبل قال : يا رسول الله ، أرأيتَ
إنْ كان علينا أمراءُ لا يستنُّون بسنَّتك ، ولا يأخذون بأمركَ ، فما تأمرُ في أمرهم ؟
 
فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم  : (( لا طاعة لمن لم يُطع الله U )) .
 
وخرَّج ابن ماجه ([63]) من حديث ابن مسعود : أنَّ النَّبيَّ  صلى الله عليه وسلم  قال : (( سيلي أمورَكم بعدي رجالٌ يطفئون من السنة ويعملون بالبدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها )) فقلت : يا رسول الله إنْ أدركتُهم ، كيف أفعلُ ؟ قال : (( لا طاعة لمن عصى الله )) .
 
وفي أمره صلى الله عليه وسلم  باتِّباع سنَّته ، وسنَّة خلفائه الراشدين بعد أمره بالسمع والطاعة لوُلاةِ الأُمور عموماً دليلٌ على أنَّ سنةَ الخلفاء الراشدين متَّبعة ، كاتِّباع سنته ، بخلاف غيرهم من وُلاة الأمور .
 
وفي ” مسند الإمام أحمد ” ([64]) و” جامع الترمذي ” ([65]) عن حُذيفة قال : كنَّا عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  جُلوساً ، فقال : (( إني لا أدري ما قَدْرُ بقائي فيكم ، فاقتدوا باللَّذيْنِ من بعدي – وأشار إلى أبي بكر وعمر – وتمسَّكوا بعهدِ عمَّار ، وما حدَّثكم ابنُ مسعودٍ ، فصدقوه )) ، وفي روايةٍ : (( تمسَّكوا بعهد ابنِ أم عبدٍ ، واهتدوا بهدي عمار )) . فنصَّ  صلى الله عليه وسلم  في آخر عمره على من يُقتدى به مِنْ بعده ، والخُلفاء الراشدون الذين أمر بالاقتداء بهم هم : أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ ، فإنَّ في حديث سفينة ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  : (( الخلافةُ بعدي ثلاثونَ سنة، ثم تكونُ ملكاً )) ([66]) ، وقد صححه الإمام أحمد ،
 
واحتجَّ به على خلافة الأئمة الأربعة ([67]) .
 
ونصَّ كثيرٌ من الأئمَّة على أنَّ عمر بنَ عبد العزيز خليفةٌ راشد أيضاً ، ويدلُّ عليه ما خرَّجه الإمام أحمد ([68]) من حديث حُذيفة ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  ، قال : (( تكونُ فيكم النبوَّةُ ما شاء الله أنْ تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أنْ يرفعها ، ثم تكون خلافةٌ على منهاج النبوَّة ، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ ، ثم يرفعُها الله إذا شاء أنْ يرفعها ، ثمَّ تكونُ مُلكاً عاضَّاً ما شاء الله أنْ تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أنْ يرفعها ، ثم تكونُ مُلكاً جبرية ، فتكون ما شاء الله أنْ تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أنْ يرفعها ، ثم تكون خلافةً على منهاج النبوَّة )) ثُمَّ سكت . فلما ولي عمر بن عبد العزيز ، دخل عليه رجلٌ ، فحدَّثه بهذا الحديث ، فسُرَّ به ، وأعجبه .
 
وكان محمد بن سيرين أحياناً يسأل عن شيءٍ مِنَ الأشربةِ ، فيقول : نهى عنه إمامُ هدى : عمرُ بن عبد العزيز ([69]) .
 
وقد اختلف العلماء في إجماع الخُلفاء الأربعة : هل هو إجماعٌ ، أو حُجَّةٌ ، مع مخالفة غيرهم مِنَ الصَّحابة أم لا ؟ وفيه روايتان عن الإمام أحمد ([70]) ، وحكم أبو خازم الحنفي في زمن المعتضد بتوريث ذوي الأرحام ، ولم يعتدَّ بمن خالف الخُلفاء ، ونفذ حكمه بذلك في الآفاق .
 
ولو قال بعضُ الخلفاء الأربعة قولاً ، ولم يُخالفه منهم أحدٌ ، بل خالفه غيرُه من الصَّحابة ، فهل يقدم قولُه على قول غيره ؟ فيه قولان أيضاً للعلماء ، والمنصوصُ عن أحمد أنَّه يُقدمُ قوله على قولِ غيره من الصَّحابة ، وكذا ذكره الخطابيُّ ([71]) وغيره ، وكلامُ أكثرِ السَّلفِ يدلُّ على ذلك ، خصوصاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه  ، فإنَّه روي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  من وجوه أنَّه قال : (( إنَّ الله جعل الحقَّ على لسان عمرَ وقلبِه )) ([72]) . وكان عمرُ بن عبد العزيز يتَّبع أحكامَه ، ويستدلُّ بقولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  : (( إنَّ الله جعلَ الحقَّ على لسان عمرَ وقلبه )) .
 
وقال مالكٌ : قال عمرُ بنُ عبد العزيز : سنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  وولاةُ الأمر من بعده سُنناً ، الأخذُ بها اعتصامٌ بكتابِ الله ، وقوَّةٌ على دين الله ، ليس لأحدٍ تبديلُها ، ولا تغييرُها ، ولا النظرُ في أمرٍ خالفَها ، مَنِ اهتدى بها ، فهو مهتدٍ ، ومن استنصر بها ، فهو منصور ، ومن تركها واتَّبع غيرَ سبيل المؤمنين ، ولاَّه اللهُ ما تولَّى ، وأصلاه جهنَّم ، وساءت مصيراً ([73]) . وحكى عبدُ الله بن عبد الحكم عن مالك : أنَّه قال : أعجبني عَزْمُ([74]) عمرَ على ذلك ، يعني : هذا الكلام . وروى عبدُ الرحمان بنُ مهدي هذا الكلام عن مالكٍ ، ولم يحكِه عن عمرَ .
 
وقال خلَفُ بنُ خليفة : شهدتُ عمر بن عبد العزيز يخطبُ النَّاس وهو خليفة ، فقال في خطبته : ألا إنَّ ما سنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  وصاحباه ، فهو وظيفةُ دينٍ ، نأخذ
به ، وننتهي إليه ([75]) . وروى أبو نعيم ([76]) من حديث عَرْزب الكندي : أنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : (( إنَّه سيحدث بعدي أشياء ، فأحبها إلي أنْ تلزموا ما أحدث عمر )) .
 
وكان عليٌّ يتبع أحكامه وقضاياه ، ويقول : إنَّ عمرَ كان رشيدَ الأمر ([77]) .
 
وروى أشعثُ ، عن الشَّعبيِّ ، قال : إذا اختلف الناسُ([78]) في شيءٍ ، فانظروا كيف قضى فيه عمرُ ، فإنَّه لم يكن يقضي في أمر لم يُقْضَ فيه قبلَه حتى
يُشاوِرَ ([79]) .
 
وقال مجاهد : إذا اختلف الناسُ في شيءٍ ، فانظروا ما صنع عمر ، فخُذُوا
به ([80]) . وقال أيوب ، عن الشعبيِّ : انظروا ما اجتمعت عليه أمَّةُ محمد ، فإنَّ الله لم يكن ليجمعها على ضلالةٍ ، فإذا اختلفت ، فانظروا ما صنعَ عُمَر بنُ الخطاب ، فخذوا به .
 
وسئل عكرمة عن أم الولد ، فقال : تعْتقُ بموت سيدها ، فقيل له : بأيِّ شيء تقولُ ؟ قال : بالقرآن ، قال : بأيِّ القرآن ؟ قال : } أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
 
وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ { ([81]) ، وعمرُ من أولي الأمر ([82]) .
 
وقال وكيع : إذا اجتمع عمرُ وعليٌّ على شيءٍ ، فهو الأمرُ .
 
وروي عن ابن مسعود أنَّه كان يحلف بالله : إنَّ الصِّراط المستقيم هو الذي ثبت عليه عمر حتى دخل الجنَّة([83]) .
 
وبكلِّ حالٍ ، فما جمع عمرُ عليه الصَّحابةَ ، فاجتمعوا عليه في عصره ، فلا شكَّ أنَّه الحقُّ ، ولو خالف فيه بعدَ ذلك مَنْ خالف ، كقضائه في مسائلَ مِنَ الفرائض كالعول ، وفي زوج وأبوين وزوجة وأبوين أنَّ للأمِّ ثلث الباقي ، وكقضائه فيمن جامعَ في إحرامه أنَّه يمضي في نسكه وعليه القضاءُ والهديُ ، ومثل ما قضى به في امرأةِ المفقودِ ، ووافقه غيره مِنَ الخُلفاء أيضاً ، ومثلُ ما جمع عليه النَّاسَ في الطَّلاق الثَّلاث ، وفي تحريم متعة النِّساء ، ومثل ما فعله من وضع الدِّيوان ، ووضع الخراج على أرض العنوة ، وعقد الذِّمة لأهل الذِّمة بالشُّروط التي شرطها عليهم ونحو ذلك .
 
ويشهد لصحة ما جمع عليه عمرُ الصحابة ، فاجتمعوا عليه ، ولم يُخالف في وقته قولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  : (( رأيتني في المنام أنزِعُ على قليبٍ ، فجاء أبو بكرٍ ، فنـزع ذَنُوباُ أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعفٌ ، والله يغفر له ، ثم جاء ابنُ الخطَّاب ، فاستحالت غَرْباً ، فلم أرَ أحداً يفري فَرْيَهُ حتَّى رَوِيَ النَّاس ، وضربوا بعَطَنٍ )) ، وفي روايةٍ : (( فلم أرَ عبقرياً من النَّاسِ يَنْزِعُ نزعَ ابنِ الخطاب )) وفي روايةٍ : (( حتى تولَّى والحوض يتفجَّرُ )) ([84]) .
 
وهذا إشارةٌ إلى أنَّ عمرَ لم يمت حتَّى وضع الأمورَ مواضعها ، واستقامت الأمورُ ، وذلك لِطول مدَّته ، وتفرُّغه للحوادث ، واهتمامه بها ، بخلاف مدَّةِ أبي بكر فإنَّها كانت قصيرةً ، وكان مشغولاً فيها بالفُتوح ، وبعث البُعوث للقتال ، فلم يتفرَّغ لكثيرٍ من الحوادث ، وربما كان يقع في زمنه ما لا يبلُغه ، ولا يُرفَعُ إليه ، حتَّى رفعت تلك الحوادثُ إلى عمرَ ، فردَّ النَّاس فيها إلى الحقِّ وحملهم على
الصَّواب .
 
وأمَّا ما لم يجمع عمرُ النَّاسَ عليه ، بل كان له فيه رأيٌ ، وهو يسوِّغ لغيره أنْ يرى رأياً يُخالف رأيه ، كمسائل الجَدِّ مع الإخوة ، ومسألة طلاق البتة ، فلا يكونُ قولُ عمر فيه حجَّةً على غيره مِنَ الصَّحابة ، والله أعلم .
 
وإنَّما وصف الخلفاء بالراشدين ؛ لأنَّهم عرفوا الحقَّ وقَضَوا به ، فالراشدُ ضدُّ الغاوي ، والغاوي مَنْ عَرَفَ الحقَّ ، وعمل بخلافه .
 
وفي رواية (( المهديين )) ، يعني : أنَّ الله يهديهم للحقِّ ، ولا يُضِلُّهم عنه ، فالأقسام ثلاثة : راشدٌ وغاوٍ وضالٌّ ، فالراشد عرف الحقَّ واتَّبعه ، والغاوي : عرفه ولم يتَّبعه ، والضالُّ : لم يعرفه بالكليَّة ، فكلُّ راشدٍ ، فهو مهتد ، وكل مهتدٍ هدايةً تامَّةً ، فهو راشد ؛ لأنَّ الهدايةَ إنَّما تتمُّ بمعرفة الحقِّ والعمل به أيضاً .
 
وقوله : (( عَضُّوا عليها بالنواجذ )) كناية عن شدَّةِ التَّمسُّك بها ، والنواجذ : الأضراس .
 
قوله : (( وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور ، فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة )) تحذيرٌ للأمة مِنَ اتِّباعِ الأمورِ المحدَثَةِ المبتدعَةِ ، وأكَّد ذلك بقوله : (( كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ )) ، والمراد بالبدعة : ما أُحْدِثَ ممَّا لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه ، فأمَّا ما كان له أصلٌ مِنَ الشَّرع يدلُّ عليه ، فليس ببدعةٍ شرعاً ، وإنْ كان بدعةً لغةً ، وفي ” صحيح
مسلم ” ([85]) عن جابر : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  كان يقول في خطبته : (( إنَّ خيرَ الحديثِ
كتابُ الله ، وخير الهدي هديُ محمد ، وشرُّ الأمور محدثاتها ، وكلُّ بدعة ضلالة )) .
 
وخرَّج الترمذي ([86]) وابن ماجه ([87]) من حديث كثير بن عبد الله المزني – وفيه ضعف ([88]) – عن أبيه ، عن جده ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم  ، قال : (( من ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسولُه ، كان عليه مثلُ آثام مَنْ عمل بها ، لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ أوزارهم شيئاً )) .
 
وخرَّج الإمام أحمد ([89]) من رواية غضيف بن الحارث الثُّمالي قال : بعث إليَّ عبدُ الملك بنُ مروان ، فقال : إنا قد جمعنا الناس على أمرين : رفع الأيدي على المنابر يومَ الجمعة ، والقصص بعد الصُّبح والعصر ، فقال : أما إنَّهما أمثلُ بدعتكم عندي ، ولست بمجيبكم إلى شيءٍ منها ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  ، قال : (( ما أحْدَثَ قومٌ بدعةً إلا رُفعَ مثلُها منَ السُّنَّة )) فتمسُّكٌ بسنَّةٍ خيرٌ من إحداث بدعةٍ . وقد رُوي عن ابن عمر من قوله نحو هذا .
 
فقوله صلى الله عليه وسلم  : (( كلُّ بدعة ضلالة )) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيءٌ ، وهو أصلٌ عظيمٌ من أصول الدِّين ، وهو شبيهٌ بقوله : (( مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا ما لَيسَ مِنهُ فَهو رَدٌّ )) ([90]) ، فكلُّ من أحدث شيئاً ، ونسبه إلى الدِّين ، ولم يكن له أصلٌ من الدِّين يرجع إليه ، فهو ضلالةٌ ، والدِّينُ بريءٌ منه ، وسواءٌ في ذلك مسائلُ الاعتقادات ، أو الأعمال ، أو الأقوال الظاهرة والباطنة .
 
وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنِ استحسان بعض البدع ، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية ، لا الشرعية ، فمِنْ ذلك قولُ عمر رضي الله عنه  لمَّا جمعَ الناسَ في قيامِ رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد ، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال : نعمت البدعةُ هذه . وروي عنه أنَّه قال : إنْ كانت هذه بدعة ، فنعمت البدعة ([91]) . وروي أنَّ أبيَّ بن كعب ، قال له : إنَّ هذا لم يكن ، فقال عمرُ : قد علمتُ ، ولكنَّه حسنٌ . ومرادُه أنَّ هذا الفعلَ لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت ، ولكن له أصولٌ منَ الشَّريعةِ يُرجع إليها، فمنها : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  كان يحُثُّ على قيام رمضان ، ويُرَغِّبُ فيه، وكان النَّاس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرِّقةً ووحداناً ، وهو صلى الله عليه وسلم  صلَّى بأصحابه في رمضانَ غيرَ ليلةٍ ، ثم امتنع مِنْ ذلك معلِّلاً بأنَّه خشي أنْ يُكتب عليهم ، فيعجزوا عن القيام به ، وهذا قد أُمِنَ بعده صلى الله عليه وسلم  ([92]) . ورُويَ عنه أنَّه كان يقومُ بأصحابه ليالي الأفراد في العشر الأواخر ([93]) .
 
ومنها : أنَّه صلى الله عليه وسلم  أمر باتِّباع سنة خلفائه الراشدين ، وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين ، فإنَّ النَّاس اجتمعوا عليه في زمن عمر وعثمانَ وعليٍّ .
 
ومن ذلك : أذانُ الجمعة الأوَّل ، زاده عثمانُ ([94]) لحاجةِ النَّاسِ إليه ، وأقرَّه عليٌّ ، واستمرَّ عملُ المسلمينَ عليه ، وروي عَن ابن عمر أنَّه قال : هو بدعة ([95]) ، ولعلَّه أرادَ ما أراد أبوه في قيام رمضان .
 
ومِنْ ذلك جمع المصحف في كتابٍ واحدٍ ، توقَّف فيه زيدُ بنُ ثابتٍ ، وقال لأبي بكر وعمر : كيف تفعلان ما لم يفعلْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  ؟ ثم علم أنَّه مصلحةٌ ، فوافق على جمعه ([96]) ، وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  يأمرُ بكتابة الوحي ، ولا فرق بَيْنَ أنْ يُكتب مفرقاً أو مجموعاً ، بل جمعُه صار أصلح .
 
وكذلك جمعُ عثمان الأمة على مصحف واحد وإعدامه لما خالفه خشيةَ تفرُّق الأمة ، وقد استحسنه عليٌّ وأكثرُ الصحابة ، وكان ذلك عينَ المصلحة .
 
وكذلك قتال من منع الزكاة : توقف فيه عمر وغيرُه حتى بيَّن له أبو بكر أصلَه الذي يرجعُ إليه مِنَ الشَّريعة ([97]) ، فوافقه الناسُ على ذلك .
 
ومِنْ ذلك القصص ، وقد سبق قولُ غضيف بن الحارث : إنَّه بدعةٌ ، وقال الحسن : القصص بدعةٌ ، ونعِمَت البدعةُ ، كم من دعوة مستجابة ، وحاجة مقضية ، وأخٍ مستفاد ([98]) . وإنَّما عني هؤلاء بأنَّه بدعة الهيئة الاجتماعية عليه في وقت معين ، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  لم يكن له وقت معيَّن يقصُّ على أصحابه فيهِ غير خطبه الراتبة في الجُمَعِ والأعياد ، وإنَّما كان يذكرهم أحياناً ، أو عندَ حدوث أمرٍ يحتاجُ إلى التَّذكير عنده ، ثم إنَّ الصحابة اجتمعوا على تعيين وقتٍ له كما سبق عن ابنِ مسعودٍ : أنَّه كان يُذَكِّرُ أصحابه كلَّ يوم خميس .
 
وفي ” صحيح البخاري ” ([99]) عن ابن عبَّاسٍ قال : حدِّث الناس كلَّ جمعة مرَّةً ، فإنْ أبيتَ فمرَّتين ، فإنْ أكثرت ، فثلاثاً ، ولا تُمِلَّ الناس .
 
وفي ” المسند ” ([100]) عن عائشة أنَّها وصَّت قاصَّ أهلِ المدينة بمثل ذلك . وروي عنها أنَّها قالت لعُبيد بن عُميرٍ : حدِّثِ النَّاسَ يوماً ، ودعِ النَّاس يوماً ، لا تُملَّهم ([101]) . وروي عن عمر بن عبد العزيز أنَّه أمر القاصَّ أنْ يقصَّ كلَّ ثلاثة أيام مرَّة . ورُوي عنه أنَّه قال له : روِّح الناسَ ولا تُثقِلْ عليهم ، ودَعِ القَصَصَ يوم السبت ويوم الثلاثاء .
 
وقد روى الحافظ أبو نعيم ([102]) بإسناده عن إبراهيم بن الجنيد ، حدثنا حرملة ابن يحيى قال : سمعتُ الشافعي – رحمة الله عليه – يقول : البدعة بدعتان : بدعةٌ محمودةٌ ، وبدعة مذمومةٌ ، فما وافق السنة فهو محمودٌ ، وما خالف السنة فهو مذمومٌ . واحتجَّ بقول عمر : نعمت البدعة هي .
 
ومراد الشافعي – رحمه الله – ما ذكرناه مِنْ قبلُ : أنَّ البدعة المذمومة ما ليس لها أصل منَ الشريعة يُرجع إليه ، وهي البدعةُ في إطلاق الشرع ، وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة ، يعني : ما كان لها أصلٌ مِنَ السنة يُرجع إليه ، وإنَّما هي بدعةٌ لغةً لا شرعاً ؛ لموافقتها السنة .
 
وقد روي عَنِ الشَّافعي كلام آخر يفسِّرُ هذا ، وأنَّه قال : والمحدثات ضربان : ما أُحدِثَ مما يُخالف كتاباً ، أو سنةً ، أو أثراً ، أو إجماعاً ، فهذه البدعة الضلال ، وما أُحدِث مِنَ الخير ، لا خِلافَ فيه لواحدٍ مِنْ هذا ، وهذه محدثة غيرُ مذمومة ([103]) .
 
وكثير من الأمور التي حدثت ، ولم يكن قد اختلفَ العلماءُ في أنَّها هل هي بدعةٌ حسنةٌ حتّى ترجع إلى السُّنة أم لا ؟ فمنها : كتابةُ الحديث ، نهى عنه عمرُ وطائفةٌ مِنَ الصَّحابة ، ورخَّص فيها الأكثرون ، واستدلوا له بأحاديث من السُّنَّة .
 
ومنها : كتابة تفسير الحديث والقرآن ، كرهه قومٌ من العُلماء ، ورخَّصَ فيه كثيرٌ منهم .
 
وكذلك اختلافُهم في كتابة الرَّأي في الحلال والحرام ونحوه ، وفي توسِعَةِ الكلام في المعاملات وأعمالِ القلوب التي لم تُنقل عَنِ الصحابة والتابعين . وكان الإمام أحمد يكره أكثر ذلك ([104]) .
 
وفي هذه الأزمان التي بَعُدَ العهد فيها بعُلوم السلف يتعيَّن ضبطُ ما نُقِلَ عنهم مِنْ ذلك كلِّه ، ليتميَّزَ به ما كان من العلم موجوداً في زمانهم ، وما حدث من ذلك بعدَهم ، فيُعْلَم بذلك السنةُ من البدعة .
 
وقد صحَّ عن ابن مسعود أنَّه قال : إنَّكم قد أصبحتُم اليومَ على الفطرة ، وإنَّكم ستُحدِثونَ ويُحدَثُ لكم ، فإذا رأيتم محدثةً ، فعليكم بالهَدْيِ الأوّل ([105]) . وابنُ مسعود قال هذا في زمن الخلفاء الراشدين .
 
وروى ابن مهدي ، عن مالك قال : لم يكن شيءٌ من هذه الأهواء في عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر وعمر وعثمان([106]) . وكأنَّ مالكاً يُشير بالأهواء إلى ما حدث من التفرُّق في أُصول الديانات من أمر الخوارج والروافض والمرجئة ونحوهم ممَّن تكلَّم في تكفير المسلمين ، واستباحة دمائهم وأموالهم ، أو في تخليدهم في النار ، أو في تفسيق خواصِّ هذه الأمة ، أو عكس ذلك ، فزعم أنَّ المعاصي لا تضرُّ أهلَها ، أو أنَّه لا يدخلُ النَّار مِنْ أهل التوحيدِ أحدٌ .
 
وأصعبُ من ذلك ما أُحدِث من الكلام في أفعال الله تعالى من قضائه وقدره ، فكذب بذلك من كذب ، وزعم أنَّه نزَّه الله بذلك عن الظلم .
 
وأصعبُ من ذلك ما أُحدِثَ مِنَ الكلام في ذات الله وصفاته ، ممَّا سكت عنهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  وأصحابه والتَّابعونَ لهم بإحسّانٍ ، فقومٌ نَفَوا كثيراً ممَّا ورَدَ في الكتاب والسُّنة من ذلك ، وزعموا أنَّهم فعلوه تنْزيهاً لله عمَّا تقتضي العقولُ تنْزيهه عنه ، وزعموا أنَّ لازِمَ ذلك مستحيلٌ على الله U ، وقومٌ لم يكتفوا بإثباته ، حتى أثبتوا بإثباتهِ ما يُظَنُّ أنَّه لازمٌ له بالنسبة إلى المخلوقين ، وهذه اللَّوازم نفياً وإثباتاً دَرَجَ صدْرُ الأمَّة على السُّكوت عنها .
 
ومما أُحدِث في الأمة بعْدَ عصر الصحابة والتابعين الكلامُ في الحلال والحرام بمجرَّدِ الرَّأي ، وردُّ كثيرٍ ممَّا وردت به السُّنة في ذلك لمخالفته للرَّأي والأقيسة
العقلية .
 
ومما حدث بعد ذلك الكلامُ في الحقيقة بالذَّوق والكشف ، وزعم أنَّ الحقيقة تُنافي الشريعة ، وأنَّ المعرفة وحدَها تكفي مع المحبَّة ، وأنَّه لا حاجةَ إلى الأعمالِ ، وأنَّها حجابٌ ، أو أنَّ الشَّريعة إنَّما يحتاجُ إليها العوامُّ ، وربما انضمَّ إلى ذلك الكلامُ في الذَّات والصَّفات بما يعلم قطعاً مخالفتُه للكتاب والسُّنة ، وإجماع سلف الأمة ، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم .

 


 
([1]) السنن ( 4607 ) ، والجامع الكبير ( 2676 ) .
 
([2]) في ” مسنده ” 4/146 .   
 
([3]) في ” سننه ” ( 43 ) و( 44 ) .
 
([4]) قال الحافظ ابن كثير في ” تحفة الطالب ” : 134 – 135 ( 46 ) : (( وصححه أيضاً الحافظ أبو نعيم الأصبهاني . وقال شيخ الإسلام الأنصاري : هو أجود في أهل الشام ، وأحسنه )) . 
 
([5]) في ” المستدرك ” 1/96 .
 
([6]) في ” مسنده ” 4/127 .
 
([7]) المسند 4/126 ، والسنن ( 43 ) .
 
([8]) في ” المستدرك ” 1/96 .
 
([9]) في ” سننه ” ( 42 ) .
 
([10]) التاريخ الكبير 8/188 ( 12449 ) .
 
([11]) قول دحيم ذكره ابن حجر في ” التقريب ” ( 7649 ) .
 
([12]) (( من غيرهم )) سقطت من ( ص ) .
 
([13]) النساء : 63 .
 
([14]) النحل : 125 .
 
([15]) صحيح البخاري 1/27 ( 68 ) و8/109 ( 6411 )، وصحيح مسلم 8/142 ( 2821 ) ( 82 ) و( 83 ) .
 
وأخرجه أيضاً : الطيالسي ( 255 ) ، والحميدي ( 107 ) ، وابن أبي شيبة ( 26515 ) ، وأحمد 1/377 و378 و427 و465 ، والترمذي ( 2855 ) ، والنسائي في ” الكبرى “
( 5889 ) ، وابن حبان ( 4524 ) من طرق ، عن أبي وائل ، بهذا الإسناد .
 
([16]) الصحيح 3/11 ( 866 ) ( 41 ) و( 42 ) .
 
([17]) في ” سننه ” ( 1107 ) ، وإسناده حسن من أجل سماك بن حرب .
 
([18]) في ” صحيحه ” 3/12 ( 869 ) ( 47 ) .
 
([19]) قال البغوي في ” شرح السنة ” عقيب الحديث ( 1077 ) : (( أي علامة ، فهي على وزن مَفْعِلة ، والميم زائدة ، كقولهم : مخلفة ، ومعناه : أنَّ هذا مما يستدل به على فقه الرجل )) .            
 
([20]) في ” مسنده ” 4/212 ، وإسناده حسن شهاب بن خراش وشعيب بن رزيق صدوقان حسنا الحديث .
 
([21]) في ” سننه ” ( 1096 ) .
 
([22]) في ” سننه ” ( 5008 ) ، وإسناده لا بأس به .
 
([23]) الأنفال : 2 .
 
([24]) الحج : 34 – 35 .
 
([25]) الحديد : 16 .
 
([26]) الزمر : 23 .
 
([27]) المائدة  : 83 .
 
([28]) في ” صحيحه ” 3/11 ( 867 ) ( 43 ) و( 44 ) .
 
([29]) صحيح البخاري 1/143 ( 540 ) و8/96 ( 6362 ) 9/118 ( 7294 ) ، وصحيح مسلم 7/92 ( 2359 ) ( 134 ) و7/93 ( 2359 ) و( 136 ) و7/94 ( 2359 )
( 137 ) .
 
([30]) المسند 4/268 و272، وإسناده حسن من أجل سماك بن حرب فهو صدوق حسن الحديث .
 
([31]) صحيح البخاري 8/14( 6023 ) و8/140 ( 6540 ) و8/144 ( 6563 ) ، وصحيح مسلم 3/86 ( 1016 ) ( 68 ) .
 
([32]) في ” مسنده ” 1/167 ، وفي سنده عبد الله بن سلمة وحديثه من قبيل الحسن ، والله أعلم .
 
([33]) كما في ” كشف الأستار ” ( 2477 ) ، وذكره الهيثمي في ” المجمع ” 9/17 ، وقال
: (( رواه البزار وإسناده حسن )) .
 
([34]) أخرجه : أحمد 5/412 ، وابن ماجه ( 4171 ) ، والطبراني في ” الكبير ” ( 3987 )
و( 3988 ) من حديث أبي أيوب الأنصاري قال : جاء رجل إلى النَّبيِّ فقال : عِظني وأوجز ، فقال : (( ثم إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غداً واجمع الإياس مما في يدي الناس )) بلفظ أحمد .
 
وورد أيضاً عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأنس بن مالك .
 
([35]) أخرجه : أحمد 3/318 ، ومسلم 4/79 ( 1297 ) ( 310 ) ، وأبو داود ( 1970 ) ، والترمذي ( 886 ) ، والنسائي 5/270 ، وابن خزيمة ( 2877 ) ، وأبو نعيم في ” المسند المستخرج ” ( 2995 ) و( 2997 ) ، والبيهقي 5/125 و130 من حديث جابر بن
عبد الله ، به . والروايات متباينة اللفظ متفقة المعنى .
 
([36]) في ( ص ) : (( جمع الناس بين مكة والمدينة في وادٍ يقال له : غدير خم )) .
 
([37]) في ” صحيحه ” 7/122 ( 2408 ) ( 36 ) .
 
([38]) صحيح البخاري 2/114 ( 1344 ) و4/240 ( 3596 ) و5/132 ( 4085 ) و8/112
( 6426 ) و8/151 ( 6590 ) ، وصحيح مسلم 7/67 ( 2296 ) ( 30 ) و( 31 ) .
 
([39]) في ” مسنده ” 4/154 .
 
وأخرجه : البخاري 5/120 ( 4042 ) بهذا اللفظ من حديث عقبة بن عامر .
 
([40]) في ” مسنده ” 2/172 و212 ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة ، ولجهالة عبد الرحمان بن مُريح .
 
([41]) في ( ص ) : (( علموا )) .
 
([42]) النساء : 131 .
 
([43]) عند الحديث الثامن عشر .
 
([44]) قبل هذا في ( ص ) : (( المسلمين في )) .
 
([45]) أخرجه : البيهقي في ” شعب الإيمان ” ( 7508 ) .
 
([46]) أخرجه : الطبراني في ” الكبير ” ( 7678 ) وإسناده ضعيف من أجل عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق وأبيه .
 
([47]) أخرجه : أحمد 6/402 ، والترمذي ( 1706 ) ، وقال الترمذي : (( حسن صحيح )) .
 
([48]) في ” صحيحه ” 4/79 ( 1298 ) ( 311 ) من حديث أم الحصين ، به . 
 
([49]) أخرجه : أحمد 5/251 و262 ، والترمذي ( 616 ) ، وقال الترمذي : (( حسن
صحيح )) .
 
([50]) أخرجه : الطبراني في ” الكبير ” ( 7535 ) و( 7617 ) و( 7622 ) وفي ” مسند
الشاميين ” ، له ( 543 ) و( 834 ) من حديث أبي أمامة ، به ، وهو صحيح .
 
([51]) مسند الإمام أحمد 2/361 – 362 ، وإسناده ضعيف لجهالة المتوكل أو أبي المتوكل الراوي عن أبي هريرة ، وفي السند بقية بن الوليد مدلس ويدلس تدليس التسوية وقد عنعن .
 
([52]) الصحيح 9/78 ( 7142 ) .
 
([53]) الصحيح 2/120 ( 648 ) ( 240 ) .
 
([54]) أخرجه : الطيالسي ( 1956 ) ، وأحمد 2/29 ، والبخاري 9/78 ( 7140 ) ، ومسلم 6/2 ( 1820 ) ، وابن أبي عاصم في ” السنة ” ( 1122 ) ، وابن حبان ( 6266 ) من حديث ابن عمر ، به .
 
([55]) أخرجه : الطيالسي ( 2380 ) ، وأحمد 2/242 ، والبخاري 4/217 ( 3495 ) ، ومسلم 6/2 ( 1818 ) ( 1 ) و( 2 ) ، والبيهقي 8/141 من حديث أبي هريرة ، به .
 
([56]) أخرجه : الطيالسي ( 2133 ) ، وابن أبي شيبة ( 32388 ) ، وأحمد 3/129 و183 ، والنسائي في ” الكبرى ” ( 5942 ) ، وأبو يعلى ( 3644 ) و( 4032 ) ، والبيهقي 8/144 من حديث أنس بن مالك ، به ، وهو حديث صحيح .
 
([57]) في ” المستدرك ” 4/75 – 76 .
 
([58]) أخرجه : ابن أبي عاصم في ” السنة ” ( 1517 ) و( 1518 ) .
 
([59]) في ” العلل ” 3/199 .
 
([60]) أخرجه : البزار ( 4017 ) ، وابن حبان ( 1610 ) و( 1611 ) ، وأبو نعيم في ” الحلية ” 4/217 ، والقضاعي في ” مسند الشهاب ” ( 479 ) من حديث أبي ذر ، به ، وهو حديث اختلف في رفعه ووقفه وتفصيل طرقه ورواياته في كتابي ” الجامع في العلل ” يسر الله إتمامه وطبعه بمنه وكرمه . =
 
=  ومفحص القطاة : هو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض ، كأنَّها تفحص عنه التراب ، أي : تكشفه . النهاية 3/415 .
 
([61]) أخرجه : أحمد 1/82 و94 ، والبخاري 5/203 ( 4340 ) و9/78 ( 7145 ) و9/109 ( 7257 ) ، ومسلم 6/15 ( 1840 ) ( 39 ) و6/116 ( 1840 ) ( 40 ) ، وأبو داود ( 2625 ) ، والنسائي 7/159 – 160 وفي ” الكبرى ” ، له ( 8722 ) من حديث علي بن أبي طالب ، به . 
 
([62]) مسند الإمام أحمد 3/213 ، وإسناده لا بأس به إن شاء الله .
 
([63]) في ” سننه ” ( 2865 ) ، وإسناده حسن . 
 
([64]) المسند 5/385 و399 و400 .
 
([65]) الجامع الكبير ( 3663 ) و( 3799 م ) ، وقال في الموضع الثاني : (( هذا حديث حسن )) على أنَّه أشار إلى الاختلاف في إسناده .
 
([66]) أخرجه : أحمد 5/220 و221 ، وأبو داود ( 4646 ) و( 4647 ) ، وابن أبي عاصم في
” الآحاد والمثاني ” ( 113 ) و( 139 ) و( 140 ) وفي ” السنة ” ، له ( 1181 )
و( 1185 ) ، وعبد الله بن أحمد في ” السنة ” ( 1402 ) و( 1403 ) و( 1404 )
و( 1405 ) و( 1407 ) ، والنسائي في ” الكبرى ” ( 8155 ) ، والطحاوي في ” شرح المشكل ” ( 3349 ) ، وابن حبان ( 6657 ) و( 6943 ) .
 
([67]) قال عبد الله بن أحمد في ” السنة ” ( 1400 ) : (( سمعت أبي يقول : … أما الخلافة فنذهب إلى حديث سفينة فنقول : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي في الخلفاء )) . 
 
([68]) في ” مسنده ” 4/273 ، وإسناده حسن . 
 
([69]) أخرجه : أبو نعيم في ” الحلية ” 5/257 .
 
([70]) انظر : البحر المحيط للزركشي 3/527 – 528 . 
 
([71]) في ” معالم السنن ” 4/278 .
 
([72]) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 31986 ) ، وأحمد 2/401 ، وابن أبي عاصم في ” السنة “
( 1250 ) ، وابن حبان ( 6889 ) من حديث أبي هريرة ، به .
 
وأخرجه أيضاً : ابن سعد في “طبقاته” 2/335 ، وأحمد 2/53 و95 وفي “فضائل الصحابة” ، له ( 313 ) ، والترمذي ( 3682 ) ، وابن حبان ( 6895 ) من حديث ابن عمر ، به ، وهو حديث قويٌّ بمجموع طرقه .
 
([73]) أخرجه : ابن أبي حاتم في ” تفسيره ” 4/1067 ( 5969 ) ، والآجري في ” الشريعة ” : 48 .
 
([74]) (( عزم )) سقطت من ( ص ) .
 
([75]) أخرجه : أبو نعيم في ” الحلية ” 5/298 . 
 
([76]) في ” معرفة الصحابة ” ( 5567 ) و( 5568 ) من حديث عبد الملك بن عياض الجذامي أبي عفيف ، عن عرزب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم  ، وقال أبو حاتم الرازي : (( عبد الملك أبو عفيف مجهول ، وشيخه لا يعرف )) . انظر : الإصابة 3/442 ، وجامع المسانيد 9/102 .
 
([77]) أخرجه : أبو عبيد في ” الأموال ” ( 273 ) ، وابن أبي شيبة ( 32004 ) ، وأحمد في
” فضائل الصحابة ” ( 537 ) ، وعبد الله بن أحمد في ” السنة ” ( 1307 ) ، والبيهقي 10/120 .
 
([78]) (( الناس )) سقطت من ( ص ) .
 
([79]) أخرجه : أبو نعيم في ” الحلية ” 4/320 .
 
([80]) أخرجه : أحمد في ” فضائل الصحابة ” ( 349 ) .
 
([81]) النساء : 59 .
 
([82]) أخرجه: سعيد بن منصور في “سننه” ( 657 ) ( ط . دار الصميعي ) ، والبيهقي 10/346 .
 
([83]) عبارة : (( حتى دخل الجنة )) لم ترد في ( ص ) .
 
([84]) أخرجه : أحمد 2/368 و450 ، والبخاري 5/7 ( 3664 ) و9/49 ( 7021 )
و( 7022 ) و9/170 ( 7475 ) ، ومسلم 7/112 ( 2392 ) ( 17 ) و7/113
( 2392 ) ( 17 ) و( 18 ) ، والنسائي في ” فضائل الصحابة ” ( 15 ) من حديث أبي هريرة ، به .
 
([85]) الصحيح 3/11 ( 867 ) ( 43 ) و( 44 ) و( 45 ) . 
 
([86]) في ” الجامع الكبير ” ( 2677 ) .
 
([87]) في ” سننه ” ( 209 ) و( 210 ) .
 
([88]) قال ابن حبان في ” المجروحين ” 2/221 : (( كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني … يروي عن أبيه ، عن جده بنسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب ، وكان الشافعي رحمه الله يقول : كثير بن عبد الله المزني ركن من أركان الكذب )) . 
 
([89]) في ” مسنده ” 4/105 ، وإسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي بن عبد الله .
 
([90]) تقدم عند الحديث الخامس .
 
([91]) أخرجه : مالك في ” الموطأ ” ( 301 ) برواية يحيى الليثي ، والبخاري 3/58 ( 2010 ) ، والبيهقي 2/493 .
 
([92]) أخرجه : البخاري 2/13 ( 924 ) و2/62 ( 1129 ) ، ومسلم 2/177 ( 761 )
و( 177 ) و( 178 ) من حديث عائشة ، به .
 
([93]) أخرجه : أحمد 5/159 و163 ، والدارمي ( 1784 ) ، وأبو داود ( 1375 ) ، وابن ماجه ( 1327 ) ، والترمذي ( 806 ) ، والنسائي 3/83 من حديث أبي ذر ، وقال الترمذي
: (( حسن صحيح ))  .
 
([94]) أخرجه : الشافعي في ” مسنده ” ( 424 ) بتحقيقي ، وأحمد 3/449 و450 ، والبخاري 2/10 ( 912 ) و( 913 ) ، وأبو داود ( 1087 ) من حديث السائب بن يزيد ، قال : إنَّ الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر
وعمر ، فلما كان خلافة عثمان كثر الناس أمر عثمان  رضي الله عنه  بأذان ثان فأذن فثبت الأمر على
ذلك … )) .
 
([95]) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 5441 ) .
 
([96]) أخرجه : الطيالسي ( 3 ) ، وأحمد 1/10 و13 ، والبخاري 6/89 ( 4679 ) ، والترمذي ( 3103 ) ، والنسائي في ” الكبرى ” ( 7995 ) من حديث زيد بن ثابت ، به .
 
([97]) أخرجه : البخاري 2/131 ( 1400 ) ، ومسلم 1/38 ( 20 ) ( 32 ) من حديث أبي هريرة ، به .
 
([98]) انظر : كشف الظنون 2/1909 ، وأبجد العلوم 2/536 .
 
([99]) الصحيح 8/91 ( 6337 ) .
 
([100]) مسند الإمام أحمد 6/217 .
 
([101]) أخرجه : ابن سعد في ” طبقاته ” 6/16 .
 
([102]) في ” الحلية ” 9/113 .
 
([103]) أخرجه : البيهقي في ” مناقب الشافعي ” 1/468 – 469 .
 
([104]) انظر : فتح الباري 13/311 .
 
([105]) أخرجه : المروزي في ” السنة ” ( 80 ) .
 
([106]) ذكره الحافظ ابن حجر في ” الفتح ” 13/311 . 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *