كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين
المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)
الحسينية
ذكر قول الحسينية الحسين بن محمد النجار
261 – قوله في أفعال العباد
زعم الحسين بن محمد النجار وأصحابه وهم الحسينية أن أعمال العباد مخلوقة لله وهم فاعلون لها وأنه لا يكون في ملك الله – سبحانه! – إلا ما يريده وأن الله – سبحانه! – لم يزل مريداً أن يكون في وقته ما علم أنه يكون في وقته مريداً أن لا يكون ما علم أنه لا يكون.
262 – قوله في الاستطاعة
وأن الاستطاعة لا يجوز أن تتقدم الفعل وأن العون من الله – سبحانه! – يحدث في حال الفعل مع الفعل وهو الاستطاعة وأن الاستطاعة الواحدة لا يفعل بها فعلان وأن لكل فعل استطاعة تحدث معه إذا حدث وأن الاستطاعة لا تبقى وأن في وجودها وجود الفعل وفي عدمها عدم الفعل وأن استطاعة الإيمان توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان وهدى وأن استطاعة الكفر ضلال وخذلان وبلاء
وشر وأنه جائز كون الطاعة في حال المعصية التي هي تركها بأن لا تكون كانت المعصية التي هي تركها في ذلك الوقت وبأن لا يكون كان الوقت وقتاً للمعصية التي هي تركها.
وأن المؤمن مؤمن مهتد وفقه الله – سبحانه! – وهداه وأن الكافر مخذول خذله الله – سبحانه! – وأضله وطبع على قلبه ولم يهده ولم ينظر له وخلق كفره ولم يصلحه ولو نظر له وأصلحه لكان صالحاً.
263 – قوله في إيلام الأطفال
وأنه جائز أن يؤلم الله – سبحانه! – الأطفال في الآخرة وجائز أن يتفضل عليهم فلا يؤلمهم.
وأن الله – سبحانه – لو لطف بجميع الكافرين لآمنوا وهو قادر أن يفعل بهم من الألطاف ما لو فعله بهم لآمنوا وأن الله – سبحانه! – كلف الكفار ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجز حل فيهم ولا لآفة نزلت بهم.
وأن الإنسان لا يفعل في غيره وأنه لا يفعل الأفعال إلا في نفسه كنحو الحركات والسكون والإرادات والعلوم والكفر والإيمان وأن الإنسان لا يفعل ألماً ولا إدراكاً ولا رؤية ولا يفعل شيئاً على طريق التولد. وكان برغوث يميل إلى قوله ويزعم أن الأشياء المتولدة فعل الله بإيجاب الطبع وذلك أن الله – سبحانه – طبع الحجر طبعاً يذهب إذا دفع وطبع الحيوان طبعاً يألم إذا ضرب وقطع.
وكان يزعم أن الله – سبحانه – لم يزل جواداً بنفي البخل عنه وأنه لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل غير عاجز عن الكلام وأن كلام الله – سبحانه! – محدث مخلوق.
وكان يقول في التوحيد بقول المعتزلة إلا في باب الإرادة والجود وكان يخالفهم في القدر ويقول بالإرجاء.
وكان يزعم أنه جائز أن يحول الله – سبحانه! – العين إلى القلب ويجعل في العين قوة القلب فيرى الله – سبحانه! – الإنسان بعينه أي يعلمه بها وكان ينكر الرؤية لله -عز وجل- بالأبصار على غير هذا الوجه.
وكان يقول أن الميت يموت بأجله وكذلك المقتول يقتل بأجله.
وإن الله – سبحانه – يرزق الحلال ويرزق الحرام وأن الرزق على ضربين: رزق غذاء ورزق ملك.
264 – ذكر قول البكيرية
وهم أصحاب بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد.
والذي كان يذهب إليه في الكبائر التي تكون من أهل القبلة أنها نفاق كلها وأن مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة عابد للشيطان مكذب لله – سبحانه! – جاحد له منافق في الدرك الأسفل من النار مخلد فيها أبداً إن مات مصراً وأنه ليس في قلبه لله -عز وجل- إجلال ولا تعظيم وهو مع ذلك مؤمن مسلم وأن في الذنوب ما هو صغير وأن الإصرار على الصغائر كبائر.
265 – رأيه فيمن طبع الله على قلبه
وكان يزعم أن الإنسان إذا طبع الله – سبحانه! – على قلبه لم يكن مخلصاً أبداً وحكى عنه زرقان أن الإنسان مأمور بالإخلاص مع الطبع وأن الطبع الحائل بينه وبين الإخلاص عقوبة له وأنه مأمور بالإيمان مع الطبع الحائل بينه وبين الإيمان.
266 – رأي عبد الواحد بن زيد
وحكى زرقان عن عبد الواحد بن زيد أنه كان يقول أنه غير مأمور بالإخلاص وحكى بعض أصحابه عنه أنه كان ينكر الأمر بما قد حيل بينه وبينه.
وكان يزعم أن القاتل لا توبة له وكان يزعم أن الأطفال الذين في المهد لا يألمون ولو قطعوا وفصلوا ويجوز أن يكون الله – سبحانه! – لذذهم عندما يضربون ويقطعون.
267 – رأيه في علي وطلحة والزبير
وكان يقول في علي والطلحة والزبير أنهم مغفور لهم قتالهم وأنه كفر وشرك وزعم أن الله – سبحانه! – اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
وكان يزعم أن الله يرى يوم القيامة في صورة يخلقها وأنه يكلم عباده منها.
وكان يزعم أن الإنسان هو الروح وكذلك جميع الحيوان ولم يكن يجوز أن يحدث الله في جماد شيئاً من الحياة والعلم والقدرة.
وكان يزعم أن الله هو المخترع للألم عند الضربة وقد يجوز عنده أن يحدث الضربة ولا يحدث الله ألماً وكذلك قوله في باب التولد.
وحكي عنه أن الله بكل مكان.
وكان يقول: أن الاستطاعة قبل الفعل فيما حكى عنه زرقان.
وكان يحرم أكل الثوم والبصل لأنه حرام على الإنسان أن يقرب المسجد إذا أكلهما وكان يرى الوضوء من قرقرة البطن.
هذه حكاية قول قوم من النساك
وفي الأمة قوم ينتحلون النسك يزعمون أنه جائز على الله – سبحانه! – الحلول في الأجسام وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعله ربنا.
ومنهم من يقول: أنه يرى الله – سبحانه! – في الدنيا على قدر الأعمال فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن.
ومنهم من يجوز على الله – سبحانه! – المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا وجوزوا مع ذلك على الله – تعالى عن قولهم – أن نلمسه.
ومنهم من يزعم أن الله – سبحانه! – ذو أعضاء وجوارح وأبعاض لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً.
وكان في الصوفية رجل يعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه ويغتم ويحزن إذا عصوه.
وفي النساك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا وغيره مباحات لهم وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله – سبحانه! – ويأكلوا من ثمار الجنة ويعانقوا الحور العين في الدنيا ويحاربوا الشياطين.
ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين.
هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئاً وأن الله – سبحانه! – إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
وأن الله – سبحانه! – على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [الرحمن: 5] وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وكما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] وأن له عينين بلا كيف كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن: 27].
وأن أسماء الله لا يقال أنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن الله – سبحانه! – علماً كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] وكما قال: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11].
وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15].
وقالوا أنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال -عز وجل-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29] وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون.
وقالوا إن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله.
وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن سيئات العباد يخلقها الله وأن أعمال العباد يخلقها الله -عز وجل- وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا منها شيئاً.
وأن الله وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين.
وأن الله – سبحانه! – يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وأضلهم وطبع على قلوبهم.
وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله – سبحانه! – ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال.
ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق.
ويقولون: إن الله – سبحانه! – يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال الله -عز وجل-: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] وأن موسى عليه السلام سأل الله – سبحانه! – الرؤية في الدنيا وأن الله – سبحانه! – تجلى للجبل فجعله دكاً فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة.
ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر.
والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وما أصابهم لم يكن ليخطئهم والإسلام هو: أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على ما جاء في الحديث والإسلام عندهم غير الإيمان.
ويقرون بأنه الله – سبحانه – مقلب القلوب.
ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر وأن الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله -عز وجل- للعباد حق والوقوف بين يدي الله حق.
ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا
غير مخلوق ويقولون: أسماء الله هي الله ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله – سبحانه! – ينزلهم حيث شاء ويقولون: أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله – سبحانه! – يخرج قوماً من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولون كيف ولا لم لأن ذلك بدعة.
ويقولون: إن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشر وإن كان مريداً له.
ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله – سبحانه! – لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم.
ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله – سبحانه! – ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله -عز وجل-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين وأن لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله.
ويقرون أن الله – سبحانه! – يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر: 22] وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16].
ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام بر وفاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر.
ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك.
ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتولا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم يقتله.
ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم.
ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وأن الساحر كافر كما قال الله وأن السحر كائن موجود في الدنيا.
ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم.
ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان.
وأن من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله.
وأن الأرزاق من قبل الله – سبحانه! – يرزقها عباده حلالاً كانت أم حراما. ً
وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه.
وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم.
وأن السنة لا تنسخ بالقرآن.
وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء فعل بهم ما أراد.
وأن الله عالم بالعباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وأن الأمور بيد الله.
ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والإزراء على الناس والعجب.
ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب.
فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه.
وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير.
268 – ذكر قول أصحاب عبد الله بن سعيد القطان
فأما أصحاب عبد الله بن سعيد القطان فإنهم يقولون بأكثر ما ذكرناه عن
أهل السنة ويثبتون أن البارئ تعالى لم يزل حياً عالماً قادراً سميعاً بصيراً عزيزاً عظيماً جليلاً كبيراً كريماً مريداً متكلماً جواداً.
ويثبتون العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والعظمة والجلال والكبرياء والإرادة والكلام صفات لله تعالى – سبحانه! -.
ويقولون: إن أسماء الله – سبحانه! – وصفاته لا يقال هي غيره ولا يقال أن علمه غيره كما قالت الجهمية ولا يقال أن علمه هو هو كما قال بعض المعتزلة وكذلك قولهم في سائر الصفات ولا يقولون العلم هو القدرة ولا يقولون غير القدرة.
ويزعمون: أن الصفات قائمة بالله وأن الله لم يزل راضياً عمن يعلم أنه يموت مؤمناً ساخطاً على من يعلم أنه يموت كافراً وكذلك قوله في الولاية والعداوة والمحبة.
وكان يزعم أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقوله في القدر كما حكينا عن أهل السنة والحديث وكذلك قوله في أهل الكبائر وكذلك قوله في رؤية الله – سبحانه! – بالأبصار.
وكان يزعم أن البارئ لم يزل ولا مكان ولا زمان قبل الخلق وأنه على ما لم يزل عليه وأنه مستو على عرشه كما قال وأنه فوق كل شيء.
269 – ذكر قول زهير الأثري
فأما أصحاب زهير الأثري فإن زهيراً كان يقول أن الله – سبحانه! – بكل مكان وأنه مع ذلك مستو على عرشه وأنه يرى بالأبصار بلا كيف وأنه موجود الذات بكل مكان وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم أن يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] بلا كيف.
ويزعم أن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وأن القرآن يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد وأن إرادة الله – سبحانه! – ومحبته قائمتان بالله.
ويقول بالاستثناء كما يقول أصحاب الاستثناء من المرجئة الذين حكينا قولهم في الوعيد ويقول في القدر بقول المعتزلة.
ويزعم هو وسائر المرجئة أن الفساق من أهل القبلة مؤمنون بما معهم من الإيمان فاسقون بارتكاب الكبائر وأمرهم إلى الله – سبحانه – إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم.
270 – ذكر قول أبو معاذ التومني
أبو معاذ التومني فإنه يوافق زهيراً في أكثر أقواله ويخالفه في القرآن ويزعم أن كلام الله حدث غير محدث ولا مخلوق وهو قائم بالله لا في مكان وكذلك قوله في إرادته ومحبته.