كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين
المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)
مقالات الخوارج [1]
47 – جماع رأي الخوارج
أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- إن حكم وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا؟
وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا “النجدات”[2] فإنها لا تقول ذلك.
وأجمعوا على أن الله – سبحانه – يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات أصحاب نجدة.
وأول من أحدث الخلاف بينهم نافع بن الأزرق الحنفي[3].
والذي أحدثه البراءة من القعدة[4] والمحنة لمن قصد عسكره وإكفار من لم يهاجر إليه.
ويقال: إن أول من أحدث هذا القول عبد ربه الكبير.
ويقال: أن المبتدع لهذا القول رجل كان يقال له عبد الله بن الوضين.
قالوا: وقد كان نافع خالفه في أول أمره وبرئ منه فلما مات عبد الله صار نافع إلى قوله وزعم أن الحق كان في يده ولم يكفر نفسه بخلافه إياه حين خالفه ولا أكفر الذين خالفوا عبد الله قبل موته وأكفر من يخالفه فيما بعده.
و”الأزارقة”[5] لا تتبرأ ممن تقدمتها من سلفها من الخوارج في توليهم القعدة الذين لا يخرجون ولا تتبرأ أيضاً من سلفها من الخوارج في تركهم إكفار القعدة والمحنة لمن هاجر إليهم ويقولون: هذا تبين لنا وخفي عليهم والأزارقة تقول: أن كل كبيرة كفر وأن الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم وأن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً ويكفرون علياً -رضوان الله عليه- في التحكيم ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الأطفال.
وكانت الأزارقة عقدت الأمر لقطري بن الفجاءة وكان قطري إذا خرج في السرايا استخلف رجلاً من بني تميم على العسكر وكانت فيه فظاظة.
فشكت الأزارقة ذلك إليه فقال: لست أستخلفه بعد ثم إنه خرج في سرية وأصبح الناس في العسكر فصلى بهم ذلك الرجل الفجر فقالوا لقطري: ألم تزعم أنك لا تستخلفه وعاتبوه وكان في الذين عاتبوه عمرو القنا وعبيدة بن هلال وعبد ربه الصغير وعبد ربه الكبير فقال لهم: جئتموني كفاراً حلال دماؤكم فقام صالح بن مخراق فلم يدع في القرآن موضع سجدة إلا قرأها وسجد ثم قال: أكفاراً ترانا تب مما قلت فقال: يا هؤلاء إنما استفهمتكم فقالوا: لا بد من توبتك فخلعوه وصار قطري إلى طبرستان فغلب عليها.
وكان سبب الإختلاف الذي أحدثه نافع أن امرأة من أهل اليمن عربية ترى رأي الخوارج تزوجت رجلاً من الموالي على رأيها فقال لها أهل بيتها: فضحتنا
فأنكرت ذلك فلما أتى زوجها قالت له أن أهل بيتي وبني عمي قد بلغهم أمري وقد عيروني وأنا خائفة أن أكره على تزويج بعضهم فاختر مني إحدى ثلاث خصال: إما أن تهاجر إلى عسكر نافع حتى نكون مع المسلمين في حوزهم ودارهم وإما أن تخبأني حيث شئت وإما أن تخلي سبيلي فخلى سبيلها ثم إن أهل بيتها استكرهوها فزوجوها ابن عم لها لم يكن على رأيها فكتب ممن بحضرتها بأمرها إلى نافع بن الأزرق يسألونه عن ذلك فقال رجل منهم أنها لم يسعها ما صنعت ولا وسع زوجها ما صنع من قبل هجرتها لأنه كان ينبغي لهما أن يلحقا بنا لأنا اليوم بمنزلة المهاجرين بالمدينة ولا يسع أحداً من المسلمين التخلف عنا كما لم يسع التخلف عنهم فتابعه على قوله ذلك نافع بن الأزرق وأهل عسكره إلا نفراً يسيراً وبرئوا من أهل التقية وأحدثوا أشياء: من ذلك أنهم حرموا الرجم ومن ذلك أنهم قالوا: نشهد بالله أنه لا يكون في دار الهجرة ممن يظهر الإسلام إلا من رضي الله عنه واستحلوا خفر الأمانة التي أمر الله – سبحانه – بأدائها وقالوا: قوم مشركون لا ينبغي أن تؤدى الأمانة إليهم ولم يقيموا الحدود على من قذف المحصنين من الرجال وأقاموها على من قذف المحصنات من النساء وقالوا: ما كف أحد يده عن القتال مذ أنزل الله -عز وجل- البسط إلا وهو كافر.
والأزارقة يرون أن أطفال المشركين في النار وأن حكمهم حكم آبائهم وكذلك أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم.
وزعمت الأزارقة أن من قام في دار الكفر فكافر لا يسعه إلا الخروج.
48 – قول النجدية
وهذا قول النجدية:
ثم خرج نجدة بن عامر الحنفي من اليمامة في نفر من الناس وأقبل إلى الأزارقة يريدهم فاستقبلهم نفر من أهل عسكر نافع وأخبروه ومن معه بأحداث نافع التي أحدثها وأنهم برئوا منه وفارقوه عليها وأمروا نجدة بالمقام وبايعوه فمكث نجدة زماناً ثم إنه بعث بعثاً إلى أهل القطيف واستعمل عليهم ابنه فقتل وسبى وغنم فأخذ ابن نجدة وأصحابه عدة من نسائهم فقوموا كل واحدة منهن بقيمة على أنفسهم وقالوا: إن صارت قيمهن في حصتنا فذاك وإن لم تصر أدينا
الفضل فنكحوهن قبل أن يقسمن وأكلوا من الغنائم قبل أن تقسم ثم رجعوا إلى نجدة وأخبروه بذلك فقال نجدة: لم يسعكم ما صنعتم فقالوا: لم نعلم أنه لا يسعنا فعذرهم نجدة بجهالتهم فتابعه على ذلك أصحابه وعذروا بالجهالات إذا أخطأ الرجل في حكم من الأحكام من جهة الجهل وقالوا: الدين أمران أحدهما معرفة الله ومعرفة رسله عليهم السلام وتحريم دماء المسلمين وأموالهم وتحريم الغصب والإقرار بما جاء من عند الله جملة فهذا واجب وما سوى ذلك فالناس معذورون بجهالته حتى تقوم عليهم الحجة في جميع الحلال فمن استحل شيئاً من طريق الاجتهاد مما لعله محرم فمعذور على حسب ما يقول الفقهاء من أهل الاجتهاد فيه.
قالوا: ومن خاف العذاب على المجتهد في الأحكام المخطئ قبل أن تقوم عليه الحجة فهو كافر.
قالوا: ومن ثقل عن هجرتهم فهو منافق.
وحكي عنهم أنهم استحلوا دماء أهل المقام وأموالهم في دار التقية وبرئوا ممن حرمها وتولوا أصحاب الحدود والجنايات من موافقيهم.
وقالوا: لا ندري لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم فإن فعل فإنما يعذبهم في غير النار بقدر ذنوبهم ولا يخلدهم في العذاب ثم يدخلهم الجنة وزعموا أن من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة ثم أصر عليها فهو مشرك وأن من زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر فهو مسلم.
ويقال: أن أصحاب نجدة نقموا عليه أن رجلاً من بني وائل أشار عليه بقتل من تابعه من المكرهين فانتهره نجدة.
ونقم على نجدة عطية أنه أنفذه في غزو البر وغزو البحر ففضل من أنفذه في غزو البر ونقم عليه أصحابه أنه عطل حد الخمر وقسم الفيء وأعطى مالك بن مسمع وأصحابه وحكم بالشفاعة وكاتب عبد الملك بن مران فأعطاه الرضى واشترى بنت عثمان فاستتابه أصحابه ففعل.
ثم إن طائفة منهم ندموا على استتابته وقالوا له إن استتابتنا إياك خطأ لأنك إمام وقد تبنا فإن تبت من توبتك واستتبت الذين استتابوك وإلا نابذناك فخرج إلى الناس فتاب من توبته فاختلف أصحابه فطائفة منهم أكفروه على خلعه.
ونقموا على نجدة أيضاً أنه فرق الأموال بين الأغنياء وحرم ذوي الحاجة منهم فبرئ منه أبو فديك وكثير من أصحابه فوثب عليه أبو فديك فقتله.
وبويع له ثم إن أصحاب نجدة أنكروا ذلك على أبي فديك وتولوا نجدة وتبرءوا من أبي فديك وكتب أبو فديك إلى عطية بن الأسود وهو عامل نجدة بالحوير يخبره أنه أبصر ضلالة نجدة فقتله وأنه أحق بالخلافة منه فكتب عطية إلى أبي فديك أن يبايع له من قبله وأبى ذلك أبو فديك فبرئ كل واحد منهما من صاحبه وصارت الدار لأبي فديك وصاروا معه إلا من تولى نجدة فصاروا ثلاث فرق: النجدية والعطوية والفديكية.
العطوية[6]:
فأما عطية بن الأسود الحنفي وأصحابه الذين يسمون العطوية فإنه لم يحدث قولاً أكثر من أنه أنكر على نافع ما أحدثه من أقاويله ففارقه ثم أنكر على نجدة ما حكينا عنه ففارقه ومضى إلى سجستان.
[1] الخوارج: المقالات والفرق: 5, 8, 12, 14 – 15 85, 130 مروج الذهب: 2/ 405 وما بعد مقاتل الطالبين: 32, 56, 709 التنبيه والرد: 4 – 5, 7,47, 51 – 53, 78, 180 – 182 الفرق بين الفرق: 54 – 80 و 197 و 198 التبصير في الدين: 26, 46 – 60 الملل والنحل: 1/ 91 – 109 الحور العين: 147, 150, 152, 154, 170, 173, 175, 177, 178, 180, 186, 200, 202, 203, 212, 251, 156, 273 تلبيس إبليس: 86 – 93 اعتقادات فرق المسلمين: 46 – 51 البداية والنهاية: 5/ 509 وما بعدها. الفرق الإسلامية: 62 – 81 التعريفات: 102 الخطط المقريزية: 2/ 354 – 356 هذا إلى جانب كتب التاريخ: 37هـ وما بعدها والكتب والدراسات الخاصة بالخوارج وفرقهم
[2] النجدات: المقالات والفرق: 8, 142 ورد باسم النجدية التنبيه والرد: 51 – 52 و 179 الفرق بين الفرق: 63 – 65 التبصير في الدين: 50 الملل والنحل: 1/ 97 – 99 الحور العين: 150, 256 ووردت باسم النجدية في 170, 178, 275 اعتقادات فرق المسلمين: 47, الفرق الإسلامية: 66 – 67 الخطط المقريزية: 2/ 354
[3] نافع بن الأزرق بن قيس .. خرج بالبصرة أيام عبد الله بن الزبير وفي سنة 165 اشتدت شوكته فبعث إليه عبد الله بن الحارث مسلم بن عبس على رأس جيش كثيف فكانت بين الجمعين وقعة عظيمة قتل فيها أميرا الجيشين: مسلم ونافع وكان ذلك في جمادى الآخرة
[4] القعدة: جمع قاعدة وهم قوم يرون تزيين التحكيم وفيها قال أبو نواس:
فكأني وما أزين منها … قعدي يزين التحكيما
كل عن حمله السلاح إلى الحر … ب فأوصى المطيق ألا يقيما
والقعد “محركة” جمع قاعد وفي الأساس للزمخشري: القعدة قوم من الخوارج قعدوا عن نصرة علي – كرم الله وجهه- ومقاتلته وهم يرون التحكيم حقا … “.
[5] الأزارقة: المقالات والفرق: 85, 222 التنبيه والرد: 4, 51, 178 الفرق بين الفرق: 60 – 63 التبصير في الدين: 49 الملل والنحل: 1/ 95 – 97 الحور العين: 177 – 178 201, 275, اعتقادات فرق المسلمين: 46 الفرق الإسلامية: 46 – 66 الخطط المقريزية: 2/ 354
[6] العطوية: التبصير في الدين: 51, الحور العين: 170