القول في البارئ إنه متكلم عند المعتزلة ، وقول المعتزلة في صفات الأفعال وفي صفات الذات

 

كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين

المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)


المعتزلة

110 – هل الله عالم … حقيقي؟

واختلفوا في القول: أن الله عالم حي قادر سميع بصير وهل يقال ذلك في الله على الحقيقة أم لا وهل يقال ذلك في الإنسان في الحقيقة أم لا؟ على ست مقالات:

1 – فقال أكثر المعتزلة: أن الله عالم قادر سميع بصير في الحقيقة ولم يمتنعوا أن يقولوا: أنه موصوف بهذه الصفات في حقيقة القياس.

2 – وقال عباد: لا أقول أن الله عالم في حقيقة القياس لأني لو قلت أنه عالم في حقيقة القياس لكان لا عالم إلا هو وكذلك قوله في قادر حي سميع بصير وكان يقول: القديم لم يزل في حقيقة القياس لأن القياس ينعكس لأن القديم لم يزل ومن لم يزل فقديم فلو كان البارئ عالماً في حقيقة القياس لكان لا عالم إلا هو.

3 – وحكي عن بعض الفلاسفة أنه لا يشرك بين البارئ وغيره في هذه الأسماء ولا

يسمى البارئ عالماً ولا يسميه قادراً ولا حياً ولا سميعاً ولا بصيراً ويقول أنه لم يزل.

4 – وقالل بعض أهل زماننا وهو رجل يعرف بابن الإيادي: أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير في المجاز والإنسان عالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة وكذلك في سائر الصفات.

5 – وقال الناشئ: البارئ عالم قادر حي سميع بصير قديم عزيز عظيم جليل كبير فاعل في الحقيقة والإنسان عالم قادر حي سميع بصير فاعل في المجاز وكان يقول: 

أن البارئ شيء موجود في الحقيقة والإنسان شيء موجود في المجاز وكان يزعم أن البارئ غير الأشياء والأشياء غيره في الحقيقة ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق في الحقيقة فاعل في المجاز وكان يقول: أن الاسم إذا وقع على المسميين فلا يخلو أن يكون وقع عليهما لاشتباههما كقولنا: 

جوهر وجوهر وماء وماء أو لاشتباه ما احتملته ذاتهما من المعنى كقولنا:

 متحرك ومتحرك وأسود وأسود أو لمضاف أضيفا إليه وميزا منه لولاه ما كانا كذلك نحو محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث أو لأنه في أحدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا: للصندل المجتلب من معدنه صندل وكتسميتنا للإنسان بهذا الاسم فإذا قلنا:

 أن البارئ عالم قادر سميع بصير فلا يجوز أن تكون وقعت هذه الأسماء عليه لمشابهته لغيره ولا يجوز أن تكون وقعت عليه لمعان قامت بذاته ولا يجوز أن تكون وقعت عليه لمضاف أضيف البارئ إليه لأنه لم يزل عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً قبل كون الأشياء فلم يبق إلا أن الأسماء وقعت عليه وهي فيه بالحقيقة وفي الإنسان بالمجاز وكان لا يستدل بالأفعال الحكمية على أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير لأن الإنسان قد تظهر منه الأفعال الحكمية وليس بعالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة.

6 – وقال أكثر أهل الكلام أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة والإنسان أيضاً يسمى بهذه الأسماء في الحقيقة.

111 – القول في البارئ إنه متكلم

اختلفت المعتزلة في ذلك فمنهم من أثبت البارئ متكلماً ومنهم من امتنع

أن يثبت البارئ متكلماً وقال: لو ثبته متكلماً لثبته متفعلاً والقائل بهذا الإسكافي وعباد بن سليمان.

وأنكرت المعتزلة بأسرها أن يكون الله – سبحانه – لم يزل مريداً للمعاصي وأنكروا جميعاً أن يكون الله لم يزل مريداً لطاعته.

وأنكرت المعتزلة بأسرها أن يكون الله لم يزل متكلماً راضياً ساخطاً محباً مبغضاً منعماً رحيماً موالياً معادياً جواداً حليماً عادلاً محسناً صادقاً خالقاً رازقاً بارئاً مصوراً محيياً مميتاً آمراً ناهياً مادحاً ذاماً. وزعموا بأجمعهم أن ذلك أجمع من صفات الله التي يوصف بها لفعله وزعموا أن ما يوصف به البارئ لنفسه كالقول: قادر حي وما أشبه ذلك لم يجز أن يوصف بضده ولا بالقدرة على ضده لأنه لما وصف بأنه عالم لم يجز أن يوصف بأنه جاهل ولا بالقدرة على أن يجهل وما وصف البارئ بضده أو بالقدرة على ضده فهو من صفات الأفعال وذلك أنه لما وصف بالإرادة وصف بضدها من الكراهية.

وزعموا أنه لما وصف بالبغض وصف بضده من الحب ولما وصف بالعدل وصف بالقدرة على ضده من الجور.

112 – قول المعتزلة في صفات الأفعال؟

واختلفت المعتزلة في صفات الأفعال كالقول: خالق رازق محسن جواد وما أشبه ذلك هل يقال: أن البارئ لم يزل غير خالق ولا رازق ولا جواد أم لا؟ على ثلاث فرق:

1 – فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنه لا يقال أن البارئ لم يزل خالقاً ولا يقال لم يزل غير خالق ولا يقال: لم يزل رازقاً ولا يقال لم يزل غير رازق وكذلك قولهم في سائر صفات الأفعال والقائل بهذا عباد بن سليمان.

2 – والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ لم يزل غير خالق ولا رازق فإذا قيل لهم: فلم يزل غير عادل قالوا: لم يزل غير عادل ولا جائر ولم يزل غير محسن ولا مسيء ولم يزل غير صادق ولا كاذب قالوا: لأنا إذا قلنا: لم يزل غير صادق وسكتنا أوهمنا أنه كاذب وكذلك إذا قلنا: لم يزل غير حليم

وسكتنا أوهم أنه سفيه ولكن نقيد فيما يقع عنده الإيهام فنقول: لم يزل لا حليماً ولا سفيهاً فأما ما لا يقع عنده الإيهام كالقول خالق رازق فإنا نقول لم يزل غير خالق ولا رازق والقائل بهذا الجبائي.

3 – والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن البارئ -عز وجل- لم يزل غير خالق ولا رازق ولا يقولون: لم يزل غير عادل ولا محسن ولا جواد ولا صادق ولا حليم لا على تقييد ولا على إطلاق لما في ذلك زعموا من الإيهام وهذا قول معتزلة البغداديين وطوائف من معتزلة البصريين.

113 – قول المعتزلة في صفات الذات

واختلفت المعتزلة هل يقال لله علم وقدرة أم لا؟ وهم أربع فرق:

1 – فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنا نقول للبارئ علماً ونرجع إلى أنه عالم ونقول له قدرة ونرجع إلى أنه قادر لأن الله – سبحانه – أطلق العلم فقال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] وأطلق القدرة فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15] ولم يطلقوا هذا في شيء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حي ولا سمع بمعنى سميع وإنما أطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط والقائل بهذا النظام وأكثر معتزلة البصريين وأكثر معتزلة البغداديين.

2 – والفرقة الثانية منهم يقولون: لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك أن الله قال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] أراد: من معلومه والمسلمون إذا رأوا المطر قالوا: هذه قدرة الله أي مقدوره ولم يقولوا ذلك في شيء من صفات الذات إلا في العلم والقدرة.

3 – والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن لله علماً هو هو وقدرة هي هو وحياة هي هو وسمعاً هو هو وكذلك قالوا في سائر صفات الذات والقائل بهذا القول أبو الهذيل وأصحابه.

4 – والفرقة الرابعة منهم يزعمون أنه لا يقال: لله علم ولا يقال: قدرة ولا يقال: سمع ولا بصر ولا يقال: لا علم له ولا لا قدرة له وكذلك قالوا في سائر صفات الذات والقائل بهذه المقالة العبادية أصحاب عباد بن سليمان.

114 – قول المعتزلة في “وجه الله”

واختلفوا هل يقال: لله وجه أم لا؟ وهم ثلاث فرق:

1 – فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن لله وجهاً هو هو والقائل بهذا القول أبو الهذيل.

2 – والفرقة الثانية: منهم يزعمون أنا نقول وجه توسعاً ونرجع إلى إثبات الله لأنا نثبت وجهاً هو هو وذلك أن العرب تقيم الوجه مقام الشيء فيقول القائل: لولا وجهك لم أفعل أي لولا أنت لم أفعل وهذا قول النظام وأكثر المعتزلة البصريين وقول معتزلة البغداديين.

3 – والفرقة الثالثة منهم ينكرون ذكر الوجه أن يقولوا لله وجه فإذا قيل لهم: أليس قد قال الله – سبحانه -: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] قالوا: نحن نقرأ القرآن فأما أن نقول من غير أن نقرأ القرآن أن لله وجهاً فلا نقول ذلك والقائلون بهذه المقالة العبَّادية أصحاب عبَّاد.

115 – القول في أن الله مريد

اختلفت المعتزلة في ذلك على خمسة أقاويل:

1 – فالفرقة الأولى منهم أصحاب أبي الهذيل.

يزعمون أن إرادة الله غير مراده وغير أمره وأن إرادته لمفعولاته ليست بمخلوقة على الحقيقة بل هي مع قوله لها كوني خلق لها وإرادته للإيمان ليست بخلق له وهي غير الأمر به وإرادة الله قائمة به لا في مكان. وقال بعض أصحاب أبي الهذيل: بل إرادة الله موجودة لا في مكان ولم يقل هي قائمة بالله تعالى.

2 – والفرقة الثانية منهم أصحاب بشر بن المعتمر يزعمون أن إرادة الله على ضربين إرادة وصف بها الله في ذاته وإرادة وصف بها وهي فعل من أفعاله وأن إرادته التي وصف بها في ذاته غير لاحقة بمعاصي العباد.

3 – والفرقة الثالثة منهم أصحاب أبي موسى المردار فيما حكى أبو الهذيل عن أبي موسى أنه كان يزعم أن الله أراد معاصي العباد بمعنى أنه خلي بينهم وبينها وكان أبو موسى يقول: خلق الشيء غيره والخلق مخلوق لا يخلق.

4 – والفرقة الرابعة منهم أصحاب النظام.

يزعمون أن الوصف لله بأنه مريد لتكوين الأشياء معناه أنه كونها وإرادته للتكوين هي التكوين والوصف له بأنه مريد لأفعال عباده معناه أنه آمر بها والأمر بها غيرها.

قال: وقد نقول: أنه مريد الساعة أن يقيم القيامة ومعنى ذلك أنه حاكم بذلك مخبر به وإلى هذا القول يميل البغداديون من المعتزلة.

5 – والفرقة الخامسة منهم أصحاب جعفر بن حرب يزعمون أن الله أراد أن يكون الكفر مخالفاً للإيمان وأراد أن يكون قبيحاً غير حسن والمعنى أنه حكم أن ذلك كذلك.

116 – القول في كلام الله عز وجل

هل الكلام جسم؟ وهل هو مخلوق؟

اختلفت المعتزلة في كلام الله – سبحانه – هل هو جسم أم ليس بجسم وفي خلقه على ستة أقاويل:

1 – فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن كلام الله جسم وأنه مخلوق وأنه لا شيء إلا جسم.

2 – والفرقة الثانية منهم يزعمون أن كلام الخلق عرض وهو حركة لأنه لا عرض عندهم إلا الحركة وأن كلام الخالق جسم وأن ذلك الجسم صوت مقطع مؤلف مسموع وهو فعل الله وخلقه وإنما يفعل الإنسان القراءة والقراءة حركة وهي غير القرآن وهذا قول النظام وأصحابه وأحال النظام أن يكون كلام الله في أماكن كثيرة أو في مكانين في وقت واحد وزعم أنه في المكان الذي خلقه الله فيه.

3 – والفرقة الثالثة من المعتزلة: يزعمون أن القرآن مخلوق لله وهو عرض وأبوا أن يكون جسماً وزعموا أنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد: إذا تلاه تال فهو يوجد مع تلاوته وكذلك إذا كتبه كاتب وجد مع كتابته وكذلك إذا حفظه حافظ وجد مع حفظه فهو يوجد في الأماكن بالتلاوة والحفظ والكتابة ولا يجوز عليه الانتقال والزوال وهذا قول أبي الهذيل وأصحابه وكذلك قوله في كلام الخلق أنه جائز وجوده في أماكن كثيرة في وقت واحد.

4 – والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن كلام الله عرض وأنه مخلوق وأحالوا أن يوجد في مكانين في وقت واحد وزعموا أن المكان الذي خلقه الله فيه محال انتقاله وزواله منه ووجوده في غيره وهذا قول جعفر بن حرب وأكثر البغداديين.

5 – والفرقة الخامسة منهم أصحاب معمر.

يزعمون أن القرآن عرض والأعراض عندهم قسمان: قسم منها يفعله الأحياء وقسم منها يفعله الأموات محال أن يكون ما يفعله الأموات فعلاً للأحياء والقرآن مفعول وهو عرض ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة لأنهم يحيلون أن تكون الأعراض فعلاً لله وزعموا أن القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه إن سمع من شجرة فهو فعل لها وحيثما سمع فهو فعل للمحل الذي حل فيه.

6 – والفرقة السادسة يزعمون أن كلام الله عرض مخلوق وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد وهذا قول الإسكافي.

117 – هل يبقى الكلام؟

واختلفت المعتزلة في كلام الله هل يبقى أم لا يبقى؟

1 – فمنهم من قال: هو جسم باق والأجسام يجوز عليها البقاء وكلام المخلوقين لا يبقى وقالت طائفة أخرى: كلام الله تعالى عرض وهو باق وكلام غيره يبقى.

2 – وقالت طائفة أخرى: كلام الله عرض غير باق وكلام غيره لا يبقى وقالت في كلامه تعالى أنه لا يبقى وأنه إنما يوجد في وقت ما خلقه الله ثم عدم بعد ذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *