المطلب السادس خروج الدابة

خروج الدابة وفيه أربع مسائل:

المسألة الأولى الأدلة على خروجها من الكتاب والسنة

خروج دابة من الأرض في آخر الزمان تكلم الناس وتسميهم مؤمنا وكافرا، وذلك عند فساد الناس وتركهم أوامر الله تعالى.
والكلام على هذه العلامة يشتمل على المسائل التالية:
المسألة الأولى: الأدلة على خروجها من الكتاب والسنة قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} النمل: 82 .
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن معنى تكلمهم: تجرحهم، بمعنى تكتب على جبين الكافر كافرا، وعلى جبين المؤمن مؤمنا. وروي عنه أيضا بمعنى تخاطبهم.
قال الحافظ ابن كثير: ” هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق. يخرج الله لهم دابة من الأرض فتكلم الناس على ذلك ” (2) .
وقال الألوسي (3) ” أي تكلمهم بأنهم لا يتيقنون بآيات الله تعالى الناطقة بمجيء الساعة ومباديها أو بجميع آياته التي من جملتها تلك الآيات ” (4) .


(1) سورة النمل، آية: 82.
(2) انظر: تفسير ابن كثير (3 / 351) .
(3) هو العلامة محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، شهاب الدين أبو الثناء، ولد في بغداد سنة 1217هـ، من كبار المفسرين، له مؤلفات مفيدة منها (روح المعاني، ودقائق التفسير) ، توفي سنة 1270 هـ.
الأعلام (7 / 176) ، جلاء العينين ص (27، 28) .
(4) انظر: روح المعاني (6 / 314) .


وأما الأدلة من السنة:
فمنها حديث أبي أمامة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثم تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير، فيقال: ممن اشتريت؟ فيقول اشتريته من أحد المخطمين» (1) .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال ستا: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة (2) أحدكم» (3) .
ومنها حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: «اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ” ما تذاكرون “؟ : قالوا: نذكر الساعة قال: ” إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (4) .
ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا» (5) .


(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5 / 268) ، وقال الهيثمي في المجمع (8 / 6) : رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير عمر بن عبد الرحمن بن عطية، وهو ثقة.
(2) ” خويصة أحدكم ” أي: الواقعة التي تخص أحدكم، يريد حادثة الموت التي تخص كل إنسان، وهي تصغير خاصة، وصغرت لاحتقارها في جنب ما بعدها من البعث والعرض والحساب. النهاية في غريب الحديث (2 / 37) .
(3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الفتن وأشراط الساعة (4 / 2267) .
(4) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الفتن وأشراط الساعة (4 / 2226) .
(5) تقدم تخريجه ص 142.


المسألة الثانية صفة الدابة

المسألة الثانية: صفة الدابة اختلف العلماء في صفة الدابة إلى عدة أقوال:

القول الأول: أنها فصيل ناقة صالح، قال القرطبي: ” أولى الأقوال أنها فصيل ناقة صالح وهو أصحها، والله أعلم ” (1) واستدل بحديث أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: ” لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية – يعني مكة – ثم تكمن زمنا طويلا، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها القرية، يعني مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض رأسها عن التراب فتركض الناس منها شتى ومعا، وتثبت عصابة من المؤمنين عرفوا أنهم لم يعجزوا الله فبدأت بهم، فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه، فتقول: يا فلان: الآن تصلي!؟ فتقبل عليه فتسمه في وجهه. . .» (2) .
ووجه الدلالة من هذا الحديث قوله: وهي ترغو والرغاء للإبل. وقال القرطبي في التذكرة: ” وقد قيل إن الدابة التي تخرج هي الفصيل الذي كان لناقة صالح عليه السلام، فلما قتلت الناقة هرب الفصيل بنفسه فانفتح له الحجر فدخل فيه ثم انطبق عليه، فهو فيه إلى وقت خروجه، حتى يخرج بإذن الله تعالى، ويدل


(1) تفسير القرطبي (13 / 235) .
(2) منحة المعبود ترتيب مسند الطيالسي (2 / 220) ، وأخرجه الحاكم (4 / 484) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو أبين حديث في ذكر دابة الأرض ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: (تركه أحمد) ، ويقصد الذهبي طلحة بن عمرو الحضرمي، وهو رجل ضعيف في سند الطيالسي والحاكم، قال عنه ابن معين: ليس بشيء، ضعيف. انظر: تهذيب التهذيب (5 / 23، 54) .


على هذا القول حديث حذيفة. . . “، ولقد أحسن من قال:
واذكر خروج فصيل ناقة صالح … يسم الورى بالكفر والإيمان (1)

القول الثاني: أنها دابة جمعت من خلق كل حيوان.

القول الثالث: أنها إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم حتى يتبين الصادق من الكاذب فيحيا من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، وقد رد القرطبي – رحمه الله تعالى – على هذا القول وبين أنه قول فاسد مخالف لظاهر الآية والأحاديث الصحيحة فقال – رحمه الله -: ” وإنما كان هذا القائل الأقرب لقوله تعالى: {تُكَلِّمُهُمْ} [النمل: 82] وعلى هذا فلا يكون في هذه الدابة آية خاصة خارقة للعادة، ولا تكون من العشر آيات المذكورة في الحديث؛ لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير، فلا آية خاصة بها، فلا ينبغي أن تذكر مع العشر، وترتفع خصوصية وجودها إذا وقع القول، ثم فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي على أهل الأرض أن يسموه باسم الإنسان أو بالعالم أو بالإمام إلى أن يسمى بدابة، وهذا خروج عن عادة الفصحاء، وعن تعظيم العلماء، وليس ذلك دأب العقلاء، فالأولى ما قاله أهل التفسير، والله أعلم بحقائق الأمور ” (2) .

القول الرابع: أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة (3) .

القول الخامس: أنها دابة مزغبة شعراء ذات قوائم، طولها ستون ذراعا، ويقال: إنها الجساسة (4) المذكورة في حديث تميم الداري رضي الله عنه والذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


(1) التذكرة (2 / 822) .
(2) تفسير القرطبي (13 / 236) ، والتذكرة له (2 / 818) .
(3) التذكرة للقرطبي (2 / 236) ، فتح القدير للشوكاني (4 / 151) .
(4) انظر التذكرة (2 / 819) ، وشرح النووي لمسلم (18 / 78) ، وفتح القدير للشوكاني (4 / 151) .


تقول فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وهي تحكي قصة اعتدادها بعد وفاة زوجها ابن المغيرة عند ابن عمها عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم: «فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي – منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم – ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ” ليلزم كل إنسان مصلاه “، ثم قال: ” أتدرون لم جمعتكم “؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ” إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال: حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر ثم أرفؤوا (1) إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قُبلُهُ من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟! فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه وما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك، ما أنت؟! قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرى ما قُبلُهُ من دبره من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة: قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة،


(1) أرفأت السفينة: إذا قربتها من الشط، والموضع الذي تشد فيه: المرفأة. النهاية في غريب الحديث (2 / 241) .


فقال: أخبروني عن نخل بَيْسان؟ (1) . قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثير الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زُغَر (2) ؟ قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال كيف صنع بهم؟ ، فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه. وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده سيف صلتا (3) يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها “. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: ” هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة “يعني المدينة ” ألا هل كنت حدثتكم ذلك “؟ فقال الناس: نعم. قال: ” فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر


(1) بيسان: بالفتح ثم السكون، وسين مهملة، مدينة بالأردن، بين حوران وفلسطين، وتوصف بكثرة النخل، تبعد عن القدس 127 كيلا، وقد هدمها اليهود وأقاموا مكانها مستعمرة.
معجم البلدان (1 / 527) ، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة ص (68) .
(2) عين زغر: بزاي معجمة مضمومة ثم غين معجمة مفتوحة ثم راء، وهي قرية بمشارف الشام، قيل: إن زغر اسم بنت لوط عليه السلام نزلت بهذه القرية فسميت باسمها، وعين زغر تغور في آخر الزمان، وهي من علامات القيامة. معجم البلدان (4 / 143) .
(3) صلتا: مسلولا.


الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل الشرق ما هو من قبل الشرق، ما هو من قبل الشرق، ما هو ” وأوما بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1) .
وسميت بالجساسة؛ لأنها تجس الأخبار للدجال (2) .

القول السادس: أنها الدابة، اسم جنس لكل ما يدب وليست حيوانا مشخصا معينا يحوي العجائب والغرائب، ولعل المقصود من هذا ما ذهب إليه بعض المتأخرين من أن الدابة نوع من الحشرات الموجودة الآن، وأنها ستكثر لأي سبب من الأسباب، فيكون هجومها على الناس على ضعفها وصغر حجمها وتحميلهم الأذى الكبير وعجزهم عن مقاومتها مع ما أوتوه من بسطة العلم والحيلة، آية من آيات الله، وبعضهم قال إنها الجراثيم الخطيرة التي تفتك بالإنسان، وهذه لا شك أنها تأويلات فاسدة وباطلة؛ لأنها تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن هذه الدابة (3) .

قال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله -: ” والآية صريحة بالقول العربي أنها (دابة) ، ومعنى الدابة في لغة العرب معروف واضح، لا يحتاج إلى تأويل، وقد بين الحديث بعض فعلها، ووردت أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها بخروج هذه الدابة الآية، وأنها تخرج آخر الزمان، ووردت آثار أخر في صفتها لم تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه والمبين آيات كتابه، فلا علينا أن ندعها.

ولكن بعض أهل عصرنا من المنتسبين إلى الإسلام، الذين فشا فيهم المنكر من القول، والباطل من الرأي، الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالغيب، ولا يريدون إلا أن يقفوا عند حدود المادة التي رسمها لهم معلموهم وقدوتهم من ملحدي


(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفتن والملاحم (4 / 2261 – 2262) .
(2) انظر: النهاية في غريب الحديث (1 / 272) .
(3) انظر: إتحاف الجماعة للتويجري (3 / 182) وما بعدها، فقد ذكر هذا القول ورد عليه فأجاد وأفاد رحمه الله تعالى.


أوربا الوثنيين الإباحيين، المتحللين من كل خلق ودين، فهؤلاء لا يستطيعون أن يؤمنوا بما نؤمن به، ولا يستطيعون أن ينكروا إنكارا صريحا، فيجمجمون ويحاورون ويداورون، ثم يتأولون فيخرجون الكلام عن معناه الوضعي الصحيح للألفاظ في لغة العرب، يجعلونه أشبه بالرموز، لما وقر في أنفسهم من الإنكار الذي يبطنون! .
بل إن بعضهم لينقل التأويل عن رجل هندي معروف أنه من طائفة تنتسب للإسلام، وهي له عدو مبين، وعبيد لأعدائه المستعمرين!! فانظر إليهم أنى يترددون ويصرفون؟ وأي نار يقتحمون؟ ذلك بأنهم بآيات الله لا يوقنون ” (1) أ. هـ.
فالواجب على كل مؤمن الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى سيخرج للناس دابة مخالفة لما يعتاده الناس تكلمهم وتختم على الكافر بالكفر وعلى المؤمن بالإيمان، وهذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين.

يقول العلامة عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله -: ” وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة، كما تكاثرت بذلك الأحاديث ولم يذكر الله ورسوله كيفية هذه الدابة، وإنما ذكر أثرها والمقصود منها، وأنها من آيات الله تكلم الناس كلاما خارقا للعادة حين يقع القول على الناس، وحين يمترون بآيات الله فتكون حجة وبرهانا للمؤمنين وحجة على المعاندين ” (2) .

المسألة الثالثة مكان خروج الدابة

المسألة الثالثة: مكان خروج الدابة اختلف العلماء في مكان خروج الدابة إلى عدة أقوال:

القول الأول: أنها تخرج من جبل الصفا أو من المسجد الحرام بمكة المكرمة.
قال القرطبي: ” واختلف من أي موضع تخرج، فقال عبد الله بن عمر: تخرج من جبل الصفا بمكة، يتصدع فتخرج منه، وقال عبد الله بن عمرو نحوه، قال:


(1) انظر: مسند الإمام أحمد بتحقيق الأستاذ أحمد محمد شاكر (15 / 82) .
(2) تفسير ابن سعدي (5 / 603) .


لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت ” (1) .
ومما يدل على خروجها من أعظم المساجد، ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن حذيفة بن أسيد – أراه رفعه – قال: «تخرج الدابة من أعظم المساجد، فبينا هم إذ دبت الأرض فبينا هم كذلك إذ تصدعت» . قال ابن عيينة (2) تخرج حين يسوي الإمام الجمع، وإنما جعل سابقا ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج (3) .
قال محمد صديق حسن خان: وهو المشهور (4) .

القول الثاني: أن لها خرجات، الأولى من أقصى البادية، ثم تختفي، ثم تخرج من بعض أودية تهامة، ويصدق عليها أنه من وراء مكة، وفي المرة الأخيرة تخرج من مكة. وهذا القول الأخير هو الذي يجمع بين الأقوال في خروجها.
يقول السخاوي – رحمه الله – ” وتخرج كما في بعض المرفوعات أو الموقوفات ثلاث خرجات من الدهر، فمرة من أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية، يعني مكة، ثم تكمن زمانا طويلا ثم تخرج مرة أخرى دون تلك فيعلو ذكرها في أهل البادية ويدخل ذكرها القرية، يعني مكة، ” (5) .
ويقول محمد صديق حسن خان بعد ذكره للأقوال في خروج الدابة: ويجمع بين هذه الأقوال بما جاء في الأحاديث المرفوعة والموقوفة كما قال السخاوي وغيره من أنها تخرج ثلاث خرجات (6) ثم ذكر كلام السخاوي السابق.


(1) تفسير القرطبي (13 / 263) .
(2) هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي، أبو محمد، محدث الحرم المكي، ولد سنة 107 هـ، وكان حافظا ثقة ثبتا إماما، قيل: حج سبعين سنة، توفي سنة 198هـ. تذكرة الحفاظ (1 / 242) .
(3) أخرجه الطبراني في الأوسط (2 / 176) ، وقال الهيثمي في المجمع (8 / 8) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
(4) الإذاعة (139) .
(5) القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة للسخاوي ص (40) .
(6) الإذاعة (139) .


المسألة الرابعة عمل الدابة

المسألة الرابعة: عمل الدابة عمل هذه الدابة كما جاءت به الأحاديث أنها تسم الناس المؤمن والكافر، حتى إنه جاء في بعض الروايات: فتلقى المؤمن فتسمه في وجهه، ويشترك الناس في الأقوال ويصطحبون في الأمصار، يعرف المؤمن الكافر وبالعكس.
قال ابن كثير: وعن ابن عباس: تكلمهم، تجرحهم، يعني تكتب على جبين الكافر كافر، وعلى جبين المؤمن مؤمن، ومنه تخاطبهم، وتخرجهم، وهذا القول ينتظم من مذهبين وهو قوي حسن جامع، والله تعالى أعلم (1) .
ويتلخص عمل الدابة في الأمور التالية:
1 – أنها دابة تكلم الناس.
2 – أنها تسم المؤمن بعلامة وتجلو وجهه حتى ينير.
3 – أنها تسم الكافر بعلامة قيل: هي خطم الأنف.
قال ابن الأثير: يعني تصيبه فتجعل له أثرا مثل أثر الخطام (2) .


(1) النهاية في الفتن والملاحم (1 / 208) .
(2) النهاية في غريب الحديث (2 / 50) ، وانظر المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (1 / 426، 427) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *