كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين
المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)
المعتزلة
قول المعتزلة في التوحيد وغيره
قولهم في الأسماء والصفات
وهذا شرح قول المعتزلة في التوحيد وغيره
أجمعت المعتزلة على أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا بذي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدثهم ولا يوصف بأنه متناه ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ولا والد ولا مولود ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار ولا تدركه الحواس ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجري عليه الآفات ولا تحل به العاهات وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له لم يزل أولاً سابقاً متقدماً للمحدثات موجوداً قبل المخلوقات ولم يزل عالماً قادراً حياً ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأوهام ولا يسمع بالأسماع شيء لا كالأشياء عالم قادر حي لا كالعلماء القادرين الأحياء وأنه القديم وحده ولا قديم غيره ولا إله سواه ولا شريك له في ملكه ولا وزير
له في سلطانه ولا معين على إنشاء ما أنشأ وخلق ما خلق لم يخلق الخلق على مثال سبق وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء آخر ولا بأصعب عليه منه لا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضار ولا يناله السرور واللذات ولا يصل إليه الأذى والآلام ليس بذي غاية فيتناهى ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص تقدس عن ملامسة النساء وعن اتخاذ الصاحبة والأبناء.
فهذه جملة قولهم في التوحيد وقد شاركهم في هذه الجملة الخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الشيع وإن كانوا للجملة التي يظهرونها ناقضين ولها تاركين.
85 – القول في المكان
اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون: البارئ بكل مكان بمعنى إنه مدبر لكل مكان وأن تدبيره في كل مكان والقائلون بهذا القول جمهور المعتزلة أبو الهذيل والجعفران والإسكافي ومحمد بن عبد الوهاب الجبائي.
وقال قائلون: البارئ لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه وهو قول هشام الفوطي وعباد بن سليمان وأبي زفر وغيرهم من المعتزلة.
وقالت المعتزلة في قول الله -عز وجل-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] يعني استولى.
86 – القول في رؤية الله عز وجل
أجمعت المعتزلة على أن الله – سبحانه – لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة: نرى الله بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بقلوبنا وأنكر هشام الفوطي وعباد بن سليمان ذلك.
87 – القول في أن الله -عز وجل- عالم قادر
اختلفت الناس في ذلك فأنكر كثير من الروافض وغيرهم أن يكون البارئ لم يزل عالماً قادراً وأجمعت المعتزلة على أن الله لم يزل عالماً قادراً حياً.
واختلفت المعتزلة في البارئ -عز وجل- هل يقال: أنه لم يزل عالماً بالأجسام؟ وهل المعلومات معلومات قبل كونها؟ وهل الأشياء أشياء لم تزل أن تكون على سبع مقالات:
1 – فقال هشام بن عمرو الفوطي:
لم يزل الله عالماً قادراً وكان إذا قيل له: لم يزل الله عالماً بالأشياء؟ قال: لا أقول لم يزل عالماً بالأشياء وأقول: لم يزل عالماً أنه واحد لا ثاني له فإذا قلت: لم يزل عالماً بالأشياء ثبتها لم تزل مع الله -عز وجل-.
وإذا قيل له: إن فتقول أن الله لم يزل عالماً بأن ستكون الأشياء؟ قال: إذا قلت بأن ستكون فهذه إشارة إليها ولا يجوز أن أشير إلا إلى موجود وكان لا يسمى ما لم يخلقه الله ولم يكن شيئاً ويسمى ما خلقه الله وأعدمه شيئاً وهو معدوم.
2 – وكان أبو الحسين الصالحي يقول:
إن الله لم يزل عالماً بالأشياء في أوقاتها ولم يزل عالماً أنها ستكون في أوقاتها ولم يزل عالماً بالأجسام في أوقاتها وبالمخلوقات في أوقاتها.
ويقول: لا معلوم إلا موجود ولا يسمي المعدومات معلومات ولا يسمي ما لم يكن مقدوراً ولا يسمي الأشياء أشياء إلا إذا وجدت ولا يسميها أشياء إذا عدمت.
3 – وقال عباد بن سليمان:
لم يزل الله عالماً بالمعلومات ولم يزل عالماً بالأشياء ولم يزل عالماً بالجواهر والأعراض ولم يزل عالماً بالأفعال ولم يزل عالماً بالخلق ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالأجسام ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالمفعولات ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالمخلوقات وقال في أجناس الأعراض كالألوان والحركات والطعوم أنه لم يزل عالماً بألوان وحركات وطعوم وأجرى هذا القول في سائر أجناس الأعراض.
وكان يقول: المعلومات معلومات لله قبل كونها وإن المقدورات مقدورات قبل كونها وأن الأشياء أشياء قبل أن تكون وكذلك الجواهر جواهر قبل أن تكون وكذلك الأعراض أعراض قبل أن تكون والأفعال أفعال قبل أن تكون ويحيل أن تكون الأجسام أجساماً قبل كونها والمخلوقات مخلوقات قبل أن تكون والمفعولات مفعولات قبل أن تكون وفعل الشيء عنده غيره وكذلك خلقه غيره وكان إذا قيل له:
أتقول أن هذا الشيء موجود هو الذي لم يكن موجوداً قال: لا أقول ذلك وإذا قيل له: أتقول إنه غيره قال: لا أقول ذلك.
4 – وقال قائلون منهم ابن الراوندي أن الله – سبحانه – لم يزل عالماً بالأشياء على معنى أنه لم يزل عالماً أن ستكون أشياء وكذلك القول عنده في الأجسام والجواهر المخلوقات أن الله لم يزل عالماً بأن ستكون الأجسام والجواهر المخلوقات وكان يقول أن المعلومات معلومات لله قبل كونها وأن إثباتها معلومات لله قبل كونها رجوع إلى أن الله يعلمها قبل كونها وإثبات المعلوم معلوماً لزيد قبل كونه رجوع إلى علم زيد به قبل كونه وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما حكينا عنه أنه قاله في المعلومات وكذلك كل ما تعلق بغيره كالمأمور به إنما هو مأمور به لوجود الأمر والمنهي عنه لوجود النهي كان منهياً عنه وكذلك المراد لوجود إرادته كان مراداً فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل كونه وكذلك القول في المأمور والمنهي وسائر ما يتعلق بغيره وكان يزعم أن الأشياء إنما هي أشياء إذا وجدت ومعنى إنها أشياء أنها موجودات وكذلك كل اسم لأشياء لا تتعلق بغيرها وهو رجوع إليها وخبر عنها فلا يجوز أن تسمى به قبل وجودها ولا في حال عدمها.
5 – وقال قائلون من البغداديين:
نقول أن المعلومات معلومات قبل كونها وكذلك المقدورات مقدورات قبل كونها وكذلك الأشياء أشياء قبل كونها ومنعوا أن يقال أعراض.
6 – وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي:
أقول أن الله – سبحانه – لم يزل عالماً بالأشياء والجواهر والأعراض وكان يقول أن الأشياء تعلم أشياء قبل كونها وتسمى أشياء قبل كونها وأن الجواهر تسمى جواهر قبل كونها وكذلك الحركات والسكون والألوان والطعوم والأراييح والإرادات وكان يقول أن الطاعة تسمى طاعة قبل كونها وكذلك المعصية تسمى معصية قبل كونها وكان يقسم الأسماء على وجوه فما سمي به الشيء لنفسه فواجب أن يسمى به قبل كونه كالقول سواد إنما سمي سواداً لنفسه وكذلك البياض وكذلك الجوهر إنما سمي جوهراً لنفسه وما سمي به الشيء لأنه يمكن أن يذكر ويخبر عنه فهو مسمىً بذلك قبل كونه كالقول شيء فإن أهل اللغة سموا بالقول شيء كل ما أمكنهم أن يذكروه ويخبروا عنه وما سمي به الشيء للتفرقة بينه وبين أجناس أخر كالقول لون وما أشبه ذلك فهو مسمىً بذلك قبل كونه وما سمي به الشيء لعلة فوجدت العلة قبل وجوده فواجب أن يسمى بذلك قبل وجوده كالقول مأمور به إنما قيل مأمور به لوجود الأمر به فواجب أن يسمى مأموراً به في حال وجود الأمر وإن كان غير موجود في حال وجود الأمر وكذلك ما سمي به الشيء لوجود علة يجوز وجودها قبله وما سمي به الشيء لحدوثه ولأنه فعل فلا يجوز أن يسمى بذلك قبل أن يحدث كالقول مفعول ومحدث وما سمي به الشيء لوجود علة فيه فلا يجوز أن يسمى به قبل وجود العلة فيه كالقول جسم وكالقول متحرك وما أشبه ذلك وكان ينكر قول من قال الأشياء أشياء قبل كونها ويقول: هذه عبارة فاسدة لأن كونها هو وجودها ليس غيرها فإذا قال القائل: الأشياء أشياء قبل كونها فكأنه قال: أشياء قبل أنفسها.
7 – وقال قائلون:
لم يزل الله يعلم عوالم وأجساماً لم يخلقها وكذلك لم يزل يعلم أشياء وجواهر وأعراضاً لم تكن ولا تكون ولا نقول: لم يزل يعلم مؤمنين وكافرين وفاعلين ولكن نقول إن كل شيء يقدر الله أن يبتدئه بصفة من الصفات فهو يعلمه بتلك الصفة إذا كانت تلك الصفة مقدورة له إذ كان لم يزل مقدوراً له قالوا: ويستحيل أن يقال للإنسان مؤمن في حال كونه أو كافر فلما استحال أن يوصف به في حال كونه فمستحيل أن يوصف به قبل كونه ولما كان الله – سبحانه – قد يبتدئه جسماً طويلاً قيل جسم طويل مقدور وهذا قول الشحام وقد ناهض هؤلاء لأن الجسم في حال كونه موجود مخلوق وهم لا يقولون أنه موجود مخلوق قبل كونه.
وقال قائلون: لم يزل الله يعلم أجساماً لم تكن ولا تكون ويعلم مؤمنين لم يكونوا وكافرين لم يخلقوا ومتحركين وساكنين مؤمنين وكافرين ومتحركين وساكنين في الصفات قبل أن يخلقوا وقاسوا قولهم حتى قالوا: معلومون معذبون بين أطباق النيران في الصفات وأن المؤمنين مثابون ممدوحون منعمون في الجنان في الصفات لا في الوجود إذ كان الله قادراً أن يخلق من يطيعه فيثيبه ومن يعصيه فيعاقبه مقدور معلوم وبلغني عن أنيب بن سهل الخراز أنه كان يقول: مخلوق في الصفات قبل الوجود ويقول: موجود في الصفات.