تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ الاختلاف في جواز انعقاد الإجماع عن الاجتهاد والقياس

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ الاختلاف في جواز انعقاد الإجماع عن الاجتهاد والقياس

  • بواسطة

كتاب الإحكام في أصول الأحكام للآمدي

أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي (المتوفى: 631هـ)


الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ
الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ إِلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ انْعِقَادِهِ عَنِ الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ، فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْوُقُوعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.
وَالْقَائِلُونَ بِثُبُوتِهِ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِجْمَاعَ مَعَ ذَلِكَ يَكُونُ حُجَّةً تَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ يَفْتَحُ بَابَ الِاجْتِهَادِ وَلَا يُحَرِّمُهُ.
وَذَهَبَتِ الشِّيعَةُ، وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ دُونَ الْخَفِيِّ.
وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ وَوُقُوعُهُ، وَأَنَّهُ حُجَّةٌ تَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ.
أَمَّا دَلِيلُ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ، فَهُوَ أَنَّا قَدْ وَحَّدْنَا الْخَلْقَ الْكَثِيرَ الزَّائِدَ عَلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ مُجْمِعِينَ عَلَى أَحْكَامٍ بَاطِلَةٍ لَا تَسْتَنِدُ إِلَى دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَلَا دَلِيلٍ ظَنِّيٍّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ تَصَوُّرِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ (1) ، فَجَوَازُ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنِ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ الظَّاهِرِ أَوْلَى، كَيْفَ وَأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا وُقُوعَ ذَلِكَ لَمَا لَزِمَ عَنْهُ لِذَاتِهِ مُحَالٌ عَقَلًا (2) ، وَلَا مَعْنَى لِلْجَائِزِ سِوَى هَذَا.
وَأَمَّا دَلِيلُ الْوُقُوعِ فَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاهُ لِدُنْيَانَا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ” إِنْ تُوَلُّوهَا أَبَا بَكْرٍ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ ضَعِيفًا فِي بَدَنِهِ “، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ” وَاللَّهِ لَا فَرَّقْتُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ: (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُو الزَّكَاةَ) . “
وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ قِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ لَحْمِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى إِرَاقَةِ الشَّيْرَجِ وَالدِّبْسِ السَّيَّالِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ وَمَاتَتْ قِيَاسًا عَلَى فَأْرَةِ السَّمْنِ، وَعَلَى تَأْمِيرِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي مَوْضِعٍ كَانُوا فِيهِ بِاجْتِهَادِهِمْ.


(1) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ تَعْلِيقًا ص 197، 224.
(2) لَلْنُفَاةِ أَنْ يَقُولُوا: إِنْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ عَقْلًا، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عَادَةً.

وَأَجْمَعُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ عَلَى حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ بِالِاجْتِهَادِ، حَتَّى قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَأَرَى أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِينَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: هَذَا حَدٌّ وَأَقَلُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ.
وَأَجْمَعُوا أَيْضًا بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ عَلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَمِقْدَارِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَمِقْدَارِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَعَدَالَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوَازُ وَالْوُقُوعُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً مُتَّبَعَةً لِمَا ثَبَتَ فِي مَسْأَلَةِ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ دَلِيلِ الْجَوَازِ مَعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ، وَبَيَانُهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَا مِنْ عَصْرٍ إِلَّا وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدًا إِلَى الْقِيَاسِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْقِيَاسَ أَمْرٌ ظَنِّيٌّ، وَقُوَى النَّاسِ وَأَفْهَامُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ فِي إِدْرَاكِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُحِيلُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ عَادَةً، كَمَا يَسْتَحِيلُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ أَمْزِجَتِهِمْ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ ; حَتَّى إِنَّ مُخَالِفَهُ يُبَدَّعُ وَيُفَسَّقُ وَالدَّلِيلُ الْمَظْنُونُ الثَّابِتُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى ضِدِّهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ إِسْنَادَ الْإِجْمَاعِ إِلَيْهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ مَعْصُومٌ عَنِ الْخَطَأِ، وَالْقِيَاسُ فَرْعٌ وَعُرْضَةٌ لِلْخَطَأِ، وَاسْتِنَادُ الْأَصْلِ وَمَا هُوَ مَعْصُومٌ عَنِ الْخَطَأِ إِلَى الْفَرْعِ وَمَا هُوَ عُرْضَةٌ لِلْخَطَأِ مُمْتَنِعٌ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الْمُجْتَهِدِ، فَلَوِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَنِ اجْتِهَادٍ أَوْ قِيَاسٍ لَحَرُمَتِ الْمُخَالَفَةُ الْجَائِزَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ دَلِيلِ الْوُقُوعِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِجْمَاعِ كَانَ عَنِ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ نُصُوصٍ ظَهَرَتْ لِلْمُجْمِعِينَ مِنْهَا مَا ظَهَرَ لَنَا وَذَلِكَ كَتَمَسُّكِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ،

وَبِاسْتِثْنَاءِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ قَوْلُهُ (إِلَّا بِحَقِّهَا) مِنْ قَوْلِهِ: ” «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ» ” وَكَاسْتِدْلَالِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ بِفِعْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالُوا: أَيُّكُمْ يَطِيبُ نَفْسًا أَنْ يَتَقَدَّمَ قَدَمَيْنِ قَدَّمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ لَنَا لِلِاكْتِفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ عَنْ نَقْلِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ وُقُوعَ الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ لِيَصِحَّ مَا ذَكَرُوهُ، وَوُجُودُ الْخِلَافِ بَعْدَهُ فِي الْقِيَاسِ غَايَتُهُ الْمَنْعُ مِنْ وُقُوعِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقِيَاسِ بَعْدَ ظُهُورِ الْخِلَافِ فِيهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا، كَيْفَ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؟ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي أَسْبَابِ تَزْكِيَتِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقُوا عَلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِنَاءً عَلَيْهِ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ الْقِيَاسَ إِذَا ظَهَرَ وَعُدِمَ الْمَيْلُ وَالْهَوَى، فَلَا يَبْعُدُ اتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ دَاعِيًا إِلَى الْحُكْمِ بِهِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لِتَفَاوُتِ أَفْهَامِهِمْ وَجِدِّهِمْ فِي النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ فَلَا يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ كَمَا لَا يَتَعَذَّرُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّ عَدَالَتَهُ مَظْنُونَةٌ بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَالْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِتَزْكِيَتِهِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ اتِّفَاقِ الْكَافَّةِ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ اخْتِلَافَ أَمْزِجَتِهِمْ مُوجِبٌ لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ، وَلَا دَاعِيَ لَهُمْ إِلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ كَمَا وُجِدَ الدَّاعِي لَهُمْ عِنْدَ ظُهُورِ الْقِيَاسِ إِلَى الْحُكْمِ بِمُقْتَضَاهُ.
وَعَنِ الثَّالِثِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْأُمَّةَ إِذَا اتَّفَقَتْ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْقِيَاسِ فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَسْبِقُهُ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ، وَبِذَلِكَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ ظَنِّيًّا فَإِذًا اسْتِنَادُ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ إِنَّمَا هُوَ إِلَى قَطْعِيٍّ لَا إِلَى ظَنِّيٍّ.
الثَّانِي: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِمَا وَافَقُوا عَلَيْهِ مِنَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ، بِنَاءً عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ كَوْنِهِ ظَنِّيًّا، وَالْإِجْمَاعُ الْمُسْتَنَدُ إِلَيْهِ قَطْعِيٌّ فَمَا هُوَ الْجَوَابُ فِي صُورَةِ الْإِلْزَامِ يَكُونُ جَوَابًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.

وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي هُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ هُوَ فَرْعًا لِلْإِجْمَاعِ، بَلْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ بِنَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْعِهِ.
قَوْلُهُمْ إِنَّ الْقِيَاسَ عُرْضَةٌ لِلْخَطَأِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ، فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ فِي جَوَابِ الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَعَنِ الْخَامِسِ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا انْعَقَدَ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُنْفَرِدِ بِاجْتِهَادِهِ كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ دُونَ اجْتِهَادِ الْأُمَّةِ.
قَوْلُهُمْ: الْأُمَّةُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إِنَّمَا أَجْمَعَتْ عَلَى نُصُوصٍ.
قُلْنَا: وَإِنْ أَمْكَنَ التَّشَبُّثُ بِمَا أَوْرَدُوهُ مِنَ النُّصُوصِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَمَا الْعُذْرُ فِيمَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَصٌّ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِالْقِيَاسِ وَإِلْحَاقِ صُورَةٍ بِصُورَةٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِيهَا نَصٌّ لَمَا عَدَلُوا عَنْهُ إِلَى التَّصْرِيحِ بِالْقِيَاسِ (1) وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنِ الْقِيَاسِ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ، فَلَوْ ظَهَرَ دَلِيلٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ وَرَأَيْنَا الْأُمَّةَ قَدْ حَكَمَتْ بِمُقْتَضَاهُ – وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ هُوَ الْمُسْتَنَدَ – فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ لِجَوَازِ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ غَيْرُهُ (2) لِتَكْثُرَ الْأَدِلَّةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، خِلَافًا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ.


(1) قَدْ يُقَالُ: لَمْ يَعْدِلُوا عَنِ النَّصِّ، وَإِنَّمَا ضَمُّوا إِلَيْهِ آخَرَ هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا ذُكِرَ بَعْدُ.
(2) أَيْ غَيْرُهُ مَعَهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ مِنَ التَّعْلِيلِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *