كتاب الإحكام في أصول الأحكام للآمدي
أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي (المتوفى: 631هـ)
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمُوَافَقَةِ مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ، وَلَا بِمُخَالَفَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّفَاقُ كُلِّ أَهْلِ الْمِلَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ حُجَّةً بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَهِيَ مَعَ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا لَا إِشْعَارَ لَهَا بِإِدْرَاجِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ فِي الْإِجْمَاعِ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا إِلَّا عَلَى عِصْمَةِ أَهْلِ الْمِلَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ مُعْتَبَرًا فِي إِثْبَاتِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا إِبْطَالِهَا، وَإِذَا تَمَّ الْإِجْمَاعُ دُونَهُ، فَلَا اعْتِبَارَ بِمُخَالَفَتِهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَوِ اعْتُبِرَ فِيهِ إِجْمَاعُ كُلِّ أَهْلِ الْمِلَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمَا أَمْكَنَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، أَمَّا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلِعَدَمِ كَمَالِ الْمُجْمِعِينَ، وَأَمَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَلِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ وَلَا اسْتِدْلَالَ.
_________
(1) وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْهَاجَ السُّنَّةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.