الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ هل يمكن ارتداد الأمة

كتاب الإحكام في أصول الأحكام للآمدي

أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي (المتوفى: 631هـ)


الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ
اخْتَلَفُوا فِي تَصَوُّرِ ارْتِدَادِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَلَا شَكَّ فِي تَصَوُّرِ ذَلِكَ عَقْلًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي امْتِنَاعِهِ سَمْعًا، وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ” «أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الْخَطَأِ» ” إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ فِعْلِ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ (1) .
فَإِنْ قِيلَ: حَالُ ارْتِدَادِهِمْ لَيْسَ هُمْ مِنْ أُمَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا تَكُونُ الْأَخْبَارُ مُتَنَاوِلَةً لَهُمْ.
قُلْنَا: الْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْخَطَأِ، وَإِذَا ارْتَدَّتِ الْأُمَّةُ صَدَقَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ قَدِ اتَّفَقَتْ عَلَى الرِّدَّةِ، وَالرِّدَّةُ مِنَ الْخَطَأِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.


(1) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ “. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ. فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا أَشْبَهَهُ يُعَارِضُ عُمُومَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ فِي إِجْمَاعِهَا فِي أَيِّ عَصْرٍ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ.
وَلَكِنَّ نُصُوصَ الشَّرِيعَةِ لَا تَتَنَاقَضُ، فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، وَذَلِكَ بِتَخْصِيصِ عُمُومِ أَحَادِيثِ عِصْمَةِ الْأُمَّةِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ، وَحَدِيثُ قَبْضِ الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا لَيِّنَةً عِنْدَهَا تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى رِدَّةِ الْأُمَّةِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *