كتاب الإحكام في أصول الأحكام للآمدي
أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي (المتوفى: 631هـ)
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ
اخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ جَاحِدِ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ إِنْكَارَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ مُوجِبٌ لِلتَّكْفِيرِ.
وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْإِجْمَاعِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ اسْمِ الْإِسْلَامِ كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، وَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ، أَوْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ كَالْحُكْمِ بِحِلِّ الْبَيْعِ وَصِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَجَاحِدُهُ كَافِرٌ لِمُزَايَلَةِ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا (2) .
(1) الْوَاقِعُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ يَسْتَدِلُّ بِأَحَادِيثِ الْآحَادِ الصَّحِيحَةِ، وَالَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا، وَاسْتِقْرَاءُ كُتُبِهِمْ يُثْبِتُ ذَلِكَ كَاسْتِدْلَالِهِمْ بِخَبَرِ: ” أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ “. . إِلَخْ، وَخَبَرِ: ” عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ “. . . إِلَخْ، وَخَبَرِ: ” مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا “. . . إِلَخْ. فِي مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ.
(2) إِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بِحِلِّ عَقْدِ بَيْعٍ جُزْئِيٍّ، وَصِحَّةِ عَقْدِ إِجَارَةٍ جُزْئِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، فَحُكْمُهُ بِعَدَمِ كُفْرِ مُنْكِرِهَا صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ حِلَّ عَقْدِ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَصِحَّةَ عُقُودِ الْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، فَحُكْمُهُ بِعَدَمِ كُفْرِ مُنْكِرِ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ. فَإِنَّ الْحُكْمَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ مِمَّا عُلِمَ مِنَ النُّصُوصِ يَقِينًا، وَثَبَتَ إِجْمَاعًا.