تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْبَيْتِ

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْبَيْتِ

  • بواسطة

كتاب الإحكام في أصول الأحكام للآمدي

أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي (المتوفى: 631هـ)


الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ
لَا يَكْفِي فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْبَيْتِ، مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ خِلَافًا لِلشِّيعَةِ لِلدَّلِيلِ السَّابِقِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
احْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ:
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} أَخْبَرَ بِذَهَابِ الرِّجْسِ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ” بِإِنَّمَا “، وَهِيَ لِلْحَصْرِ فِيهِمْ، وَأَهْلُ الْبَيْتِ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَدَارَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْكِسَاءَ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَقَالَ: ” «هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» (1) ” وَالْخَطَأُ (2) . وَالضَّلَالُ مِنَ الرِّجْسِ فَكَانَ مُنْتَفِيًا عَنْهُمْ.


(1) قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ يَا أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَيُطَهِّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ الَّذِي يَكُونُ فِي أَهْلِ مَعَاصِي اللَّهِ تَطْهِيرًا، ثُمَّ ذَكَرَ كَثِيرًا مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَفِي الْكِسَاءِ أَوِ الْعَبَاءِ أَوِ الْمِرْطِ الَّذِي غَطَّى بِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا، أَوْ أَدَارَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ أَدْخَلَهُمْ فِيهِ، وَلَكِنَّ كُلَّ مِنْهَا لَمْ يَخْلُ مِنْ مَطْعَنٍ أَوْ أَكْثَرَ.
فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِيهَا مِنْدَلٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَمِنْدَلٌ هُوَ ابْنُ عَلِيٍّ الْعَنْزِيُّ، لَيَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مُتَشَيِّعٌ، وَالْأَعْمَشُ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ شِيعِيٌّ كَثِيرُ الْخَطَأِ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ.
وَالثَّانِيَةُ: مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ فِيهَا مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ الْمَكِّيُّ، ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ.
وَالثَّالِثَةُ: مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَفِيهَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَهُوَ شِيعِيٌّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لِاخْتِلَاطِهِ وَسُوءِ حِفْظِهِ. وَالرَّابِعَةُ: مِنْ طَرِيقِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَفِيهَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ: كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ. وَأُخْرَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَفِيهَا شَهْرٌ، وَفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْكُوفِيُّ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَفُضَيْلٌ كَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّشَيُّعِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ الْمَوْضُوعَاتِ، وَأُخْرَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَفِيهَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ أَبِي عُبَيْدٍ الْبَصْرِيِّ، وَمُصْعَبٍ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَسَعِيدٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: عِنْدَهُ عَجَائِبُ. وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَأُخْرَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَفِيهَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، وَأُخْرَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَفِيهَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَأُخْرَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَفِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَهُوَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَأُخْرَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَفِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ التَّمِيمِيُّ، وَهُوَ رَافِضِيٌّ يُخْطِئُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَ. الرِّوَايَةُ الْخَامِسَةُ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الْأَعْمَى، وَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ، وَأَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ. السَّادِسَةُ: مِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَفِيهَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو – هُوَ الْأَوْزَاعِيُّ – وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ يُدَلِّسُ تَدْلِيسَ التَّسَوِّيةِ وَأَحَادِيثُهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مُنْكَرَةٌ، هَذَا إِلَى نَحْوِهِ مِنَ الْآثَارِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى مَنْ رَوَاهَا أَنَّهُ رَافِضِيٌّ أَوْ شِيعِيٌّ مُتَّهَمٌ أَوْ ضَعِيفٌ. وَمَنْ أَرَادَ اسْتِقْصَاءَ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ، وَنَقْدَهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى دَوَاوِينِ السُّنَّةِ وَكُتُبِ الرِّجَالِ.
وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ فَغَايَتُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَأَنَّ الْآيَةَ تَشْمَلُهُمْ لَا أَنَّهَا نَازِلَةٌ فِيهِمْ، أَوْ خَاصَّةٌ بِهِمْ، فَإِنَّ سِيَاقَ الْآيَاتِ سَابِقِهَا وَلَاحِقِهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) الْخَطَأُ عَنِ اجْتِهَادٍ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ بِرِجْسٍ، بَلْ يُؤْجَرُ صَاحِبُهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَيُعْذَرُ فِي خَطَئِهِ

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ” «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثِّقْلَيْنِ، فَإِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي» (1) ” حَصْرُ التَّمَسُّكِ بِهِمَا فَلَا تَقِفُ الْحُجَّةُ عَلَى غَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ اخْتُصُّوا بِالشَّرَفِ وَالنَّسَبِ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِ الرِّسَالَةِ، وَمَعْدِنُ النُّبُوَّةِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى أَسْبَابِ التَّنْزِيلِ وَمَعْرِفَةِ التَّأْوِيلِ وَأَفْعَالِ الرَّسُولِ وَأَقْوَالِهِ ; لِكَثْرَةِ مُخَالَطَتِهِمْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ عَنِ الْخَطَأِ


(1) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَرَ ثُمَّ قَالَ: ” أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثِقْلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّذُرُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَقَالَ لَهُ حُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ وَمَنْ هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ، قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا حَثَّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ السُّنَّةَ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ، وَلَيْسَ فِيهِ حَثٌّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَكِنَّهُ حَثٌّ عَلَى صِلَتِهِمْ وَمُرَاعَاتِهِمْ كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُ زَيْدٍ بَعْدَ جَوَابِهِ السَّائِلَ.

عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْإِمَامَةِ، وَالْآيَةِ (1) الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا ; فَكَانَتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، بَلْ قَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ ضَرُورَةَ عِصْمَتِهِ عَنِ الْخَطَأِ كَمَا فِي أَقْوَالِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَفْعَالِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ أَنَّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَصْدِ دَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْهُنَّ وَامْتِدَادِ الْأَعْيُنِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِنَّ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلُ الْآيَةِ وَآخِرُهَا وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ” «هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» ” لَا يُنَافِي كَوْنَ الزَّوْجَاتِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْمُخَاطِبَةُ لَهُمْ بِأَهْلِ الْبَيْتِ.
وَالْخَبَرُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ” أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ” قَالَ: ” بَلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ” (2) .
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} الزَّوْجَاتِ لَقَالَ: (عَنْكُنَّ) .
قُلْنَا: إِنَّمَا قَالَ (عَنْكُمْ) لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا مَعَ الزَّوْجَاتِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا خَاطَبَهُنَّ بِأَهْلِ الْبَيْتِ أَدْخَلَ مَعَهُنَّ غَيْرَهُنَّ مِنَ الذُّكُورِ كَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَجَاءَ بِخِطَابِ التَّذْكِيرِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا اشْتَمَلَ عَلَى مُذَكَّرٍ وَمُؤَنَّثٍ غُلِّبَ جَمْعُ التَّذْكِيرِ، وَصَارَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ زَوْجِةِ إِبْرَاهِيمَ: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ – قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ – قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} فَكَانَ ذَلِكَ عَائِدًا إِلَيْهَا وَإِلَى مَنْ حَوَاهُ بَيْتُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى.


(1) الْآيَةِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْإِمَامَةِ.
(2) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا رَوِيَ مِنْ طَرِيقِهَا تَعْلِيقًا ص 246.

وَعَنِ الْخَبَرِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْآحَادِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (1) وَإِنْ كَانَ حُجَّةً وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّقْلَيْنِ الْكِتَابُ وَالْعِتْرَةُ، بَلِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: ” «كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّتِي» ” وَإِنْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرِوَايَتُهُمْ حُجَّةٌ، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُ بِحَالِهِ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ (2)
ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ” «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» (3) ، ” «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» ” (4) ، وَبِقَوْلِهِ: ” «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» “، وَبِقَولِهِ: ” «خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنِ الْحُمَيْرَاءِ» ” (5) وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.
وَعَنِ الْمَعْقُولِ ; أَمَّا اخْتِصَاصُهُمْ بِالشَّرَفِ وَالنَّسَبِ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ مَدَارِكِهَا، بَلِ الْمُعَوَّلُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ لِلنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَمَعْرِفَةِ الْمَدَارِكِ الشَّرْعِيَّةِ وَكَيْفِيَّةِ اسْتِثْمَارِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّرَفُ وَلَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ.
وَأَمَّا كَثْرَةُ الْمُخَالَطَةِ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَلِكَ مِمَّا يُشَارِكُ الْعِتْرَةُ فِيهِ الزَّوْجَاتِ وَمَنْ كَانَ يَصْحَبُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ مِنْ خَدَمِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا الْعِصْمَةُ فَلَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهَا لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الرِّجْسِ إِنَّمَا هُوَ نَفْيُ الظِّنَّةِ وَالتُّهْمَةِ عَنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنِ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.


(1) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ، فَهُوَ جَوَابٌ إِلْزَامِيٌّ.
(2) بَلْ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي سَفَرِهِ وَحَضَرِهِ، أَخْبَرُ بِحَالِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَكَذَا نِسَاؤُهُ بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا، فَإِنَّ بَعْدَهَا قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ) . الْآيَةَ.
(3) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ تَعْلِيقًا ص 232
(4) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ.
(5) ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي كِتَابِهِ ” الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ ” عَنِ ابْنِ حَجَرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَا أَعْرِفُ لَهُ إِسْنَادًا، وَلَا رَأَيْتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، إِلَّا فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ وَإِلَّا فِي الْفِرْدَوْسِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ، وَسُئِلَ الْمِزِّيُّ وَالذَّهَبِيُّ عَنْهُ، فَلَمْ يَعْرِفَاهُ.

وَعَلَى هَذَا فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَيْضًا حُجَّةً.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ خَالَفَهُ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ إِنَّ الْحُجَّةَ فِيمَا أَقُولُ مَعَ كَثْرَةِ مُخَالِفِيهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُنْكَرًا، فَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْإِنْكَارِ فِيمَا خُولِفَ فِيهِ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَظُهُورِ شَوْكَتِهِ ; فَتَرْكُهُ لِذَلِكَ يَكُونُ خَطَأً مِنْهُ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنِ الْعِصْمَةِ وَعَنْ وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *