تحريم المساجد والسرج على المقابر

الكتاب: فقه السنة المؤلف: سيد سابق (المتوفى: 1420هـ)


تحريم المساجد والسرج على المقابر:

جاءت الاحاديث الصحيحة الصريحة بتحريم بناء المساجد في المقابر واتخاذ السرج عليها.
1 – روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ” 2 – روى أحمد واصحاب السنن إلا ابن ماجه، وحسنه الترمذي، عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.
3 – وفي صحيح مسلم عن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: ” إني أبرأ إلى الله أن يكون
__________
(1) السبتية: أي النعال المدبوغة بالقرظ.
(2) ” النمط ” ضرب من البسط له خمل رقيق.

لي منكم خليل، فان الله عز وجل قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك.
” 4 – وفيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد “.
5 – وروى البخاري ومسلم عن عائشة، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة – رأتاها بالحبشة فيها تصاوير – لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة “.
قال صاحب المغني: ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن المساجد والسرج ” رواه أبو داود والنسائي ولفظه: ” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم … الخ ” ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، ولان فيه تضييعا للمال في غير فائدة وافراطا في تعظيم القبور اشبه تعظيم الاصنام، ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ” يحذر مثل ما صنعوا.
متفق عليه.
وقالت عائشة: إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يتخذ مسجدا، ولان تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الاصنام لها والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الاصنام تعظيم الاموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عليها (1) .
__________
(1) قال معلقه: يشير إلى ما رواه البخاري عن ابن عباس من سبب اتخاذ قوم نوح للاصنام: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وحاصله أن هذه أسماء رجال صالحين اتخذ الناس لهم صورا بعد موتهم ليتذكروا بها فيقتدوابهم، فلما ذهب العلم زين لهم الشيطان عبادة صورهم وتماثيلهم بتعظيمها والتمسح بها والتقرب إليها، ومسحها: إمرار اليد عليها تبركا وتوسلا بها، وكذلك فعل الناس بقبور الصالحين، وسرى ذلك من الوثنيين إلى أهل الكتاب فالمسلمين، فالاصنام في ذلك سواء.

كراهية الذبح عند القبر نهى الشارع عن الذبح عند القبر تجنبا لما كانت تفعله الجاهلية، وبعدا عن التفاخر والمباهاة.
فقد روى أبو داود عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لاعقر في الاسلام ” قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة.
قال الخطابي: كان أهل الجاهلية يعقرون الابل على قبر الرجل الجواد، يقولون: نجازيه على فعله، لانه كان يعقرها في حياته، فيطعمها الاضياف، فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير: فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما في حياته قال الشاعر: عقرت على قبر النجاشي ناقتي بأبيض عضب أخلصته صياقله على قبر من لو أنني مت قبله لهانت عليه عند قبري رواحله ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر في القيامة راكبا، ومن لم يعقر عنه حشر راجلا، وكان على مذهب من يرى البعث منهم بعد الموت.

النهي عن الجلوس على القبر والاستناد إليه والمشي عليه:

لا يحل القعود على القبر ولا الاستناد إليه، ولا المشي عليه، لما رواه عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكثا على قبر. فقال: ” لا تؤذ صاحب هذا القبر. ” أو ” لاتؤذه “، رواه أحمد بإسناد صحيح.
وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لان يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر. ” رواه أحمد، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
والقول بالحرمة مذهب ابن حزم، لما ورد فيه من الوعيد، قال: وهو قول جماعة من السلف، منهم أبو هريرة.
ومذهب الجمهور: أن ذلك مكروه.
قال النووي: عبارة الشافعي في الام، وجمهور الاصحاب في الطرق كلها: أنه يكره الجلوس، وأرادوا به كراهة التنزيه، كما هو المشهور في استعمال الفقهاء، وصرح به كثير منهم، قال: وبه قال جمهور العلماء منهم

النخعي والليث وأحمد وداود، قال: ومثله في الكراهة الاتكاء عليه والاستناد إليه.
وذهب ابن عمر من الصحابة وأبو حنيفة ومالك إلى جواز القعود على القبر.
قال في الموطأ: إنما نهى عن القعود على القبور فيما نرى ” نظن ” للذاهب يقصد لقضاء حاجة الانسان من البول أو الغائط.
وذكر في ذلك حديثا ضعيفا.
وضعف أحمد هذا التأويل.
وقال: ليس هذا بشئ.
وقال النووي: هذا تأويل ضعيف أو باطل، وأبطله كذلك ابن حزم من عدة وجوه.
وهذا الخلاف في غير الجلو س لقضاء الحاجة، فاما إذا كان الجلوس لها، فقد اتفق الفقهاء على حرمته، كما اتفقوا على جواز المشي على القبور إذا كان هناك ضرورة تدعو إليه، كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بذلك.

النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه:

عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبني عليه.
رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.
ولفظه: ” نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها وأن يبني عليها وأن توطأ (1) ” وفي لفظ النسائي: ” أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه “.
والتجصيص معناه الطلاء بالجص، وهو الجير المعروف.
وقد حمل الجمهور النهي على الكراهة، وحمله ابن حزم على التحريم، وقيل: الحكمة في ذلك إن القبر للبلى لا للبقاء، وإن تجصيصه من زينة الدنيا، ولا حاجة للميت إليها.
وذكر بعضهم أن الحكمة في النهي عن تجصيص القبور كون الجص أحرق بالنار، ويؤيده ما جاء عن زيد بن أرقم أنه قال لمن أراد
أن يبني قبر ابنه ويجصصه: جفوت ولغوت، لا يقربه شئ مسته النار.
ولا بأس بتطيين القبر.
قال الترمذي: وقد رخص بعض أهل العلم – منهم الحسن البصري – في تطيين القبور.
وقال الشافعي: لا بأس به أن يطين القبر.
__________
(1) توطأ: تداس.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الارض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة وجعل عليه الحصباء.
رواه أبو بكر النجاد وسكت الحافظ عليه في التلخيص.
وكما كره العلماء تجصيص القبر، كرهوا بناءه بالآجر أو الخشب أو دفن الميت في تابوت إذا لم تكن الارض رخوة أو ندية، فإن كانت كذلك جاز بناء القبر بالآجر ونحوه وجاز دفن الميت في تابوت من غير كراهة.
فعن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الآجر، ويستحبون القصب ويكرهون الخشب.
وفي الحديث النهي عن الكتابة على القبور، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها.
قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث: الاسناد صحيح وليس العمل عليه.
فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم، وهو شئ أخذه الخلف عن السلف.
وتعقبه الذهبي: بأنه محدث ولم يبلغهم النهي.
ومذهب الحنابلة: أن النهي عن الكتابة الكراهة سواء أكانت قرآنا، أم كانت اسم الميت.
ووافقهم الشافعية إلا أنهم قالوا: إذا كان القبر لعالم أو صالح ندب كتابة اسمه عليه وما يميزه ليعرف.
ويرى المالكية: أن الكتابة إن كانت قرآنا حرمت.
وإن كانت لبيان اسمه أو تاريخ موته فهي مكروهة وقالت الاحناف: إنه يكره تحريما الكتابة على القبر إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره.
وقال ابن حزم: لو نقش اسمه في حجر لم نكره ذلك.
وفي الحديث: النهي عن زيادة تراب القبر على ما يخرج منه، وقد بوب على هذه الزيادة البيهقي فقال: ” باب لا يزاد على القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع “.
قال الشوكاني: وظاهره أن المراد بالزيادة عليه، الزيادة على ترابه.
وقيل: المراد بالزيادة عليه أن يقبر على قبر ميت آخر.
ورجح الشافعي المعنى الاول فقال: يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه.
وإنما استحب ذلك لئلا يرتفع القبر ارتفاعا كثيرا قال: فإن زاد فلا بأس.

دفن أكثر من واحد في قبر:

هدي السلف الذي جرى عليه العمل أن يدفن كل واحد في قبر، فإن دفن أكثر من واحد كره ذلك إلا إذا تعسر إفراد كل ميت بقبر لكثرة الموتى وقلة الدافنين أو ضعفهم.
فإنه في هذه الحالة يجوز دفن أكثر من واحد في قبر واحد.
لما رواه أحمد والترمذي وصححه: أن الانصار جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
فقالوا: يا رسول الله أصابنا جرح وجهد.
فكيف تأمرنا؟ فقال: ” احفروا وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر.
” قالوا: فأيهم نقدم؟ قال: ” أكثرهم قرآنا “.
وروى عبد الرزاق بسند حسن عن واثلة بن الاسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد،
فيقدم الرجل وتجعل المرأة وراءه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *