تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فصل : فيما يقوله ويفعله مَنْ بُلي بالوسواس

فصل : فيما يقوله ويفعله مَنْ بُلي بالوسواس

  • بواسطة

مختصر زاد المعاد لابن القيم


 

( فصل : فيما يقوله ويفعله مَنْ بُلي بالوسواس ) 

عن عبد الله بن مسعود يرفعه : ‘ إن للملك بقلب ابن آدم لمّة ، وللشيطان لمّة ، فلمة الملك إيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، ورجاء صالح ثواب ، ولمّة الشيطان إيعاد بالشر ، وتكذيب بالحق ، وقنوط من الخير ، 
 
فإذا وجدتم لمّة الملك ، فاحمدوا الله ، واسألوه من فضله ، وإذا وجدتم لمة الشيطان ، فاستعيذوا بالله واستغفروه ‘ . 
 
وقال له عثمان بن أبي العاص : قد حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي ؟ قال : ‘ ذاك شيطان يقال له : خِنْزَب ، فإذا أحسسته ، فتعوذ بالله ، واتفل عن يسارك ثلاثاً ‘ . 
 
وشكا إليه الصحابة أن أحدهم يجد في نفسه ما لأن يكون حُمَمَةً أحبَّ إليه من أن يتكلم به ، فقال : ‘ الله أكبر ، الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ‘ 
 
وأرشد من بُلي بشيء من وسوسة التسلسل في الفاعلين إذا قيل له : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ أن يقرأ   ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم )  ‘ سورة الحديد : 3 ‘ 
 
وكذلك قال ابن عباس لأبي زميل وقد سأله : ما شيء أجده في صدري ؟ قال : ما هو ؟ قال : قلت : والله لا أتكلم به ، فقال : أشيء من شك ؟
 

قلت : بلى ، قال : ما نجا من ذلك أحد فإذا وجدت في نفسك شيئاً ، فقل : (هو الأول والآخر والظاهر ) الآية . 

 
فأرشدهم بالآية إلى بطلان التسلسل ببديهة العقل ، وأن سلسلة المخلوقات في ابتدائها تنتهي إلى أولٍ ليس قبله شيء ، كما تنتهي في آخرها إلى آخر ليس بعده شيء ، 
 
كما أن ظهوره : هو العلو الذي ليس فوقه شيء ، وبطونه هو : الإحاطة التي لا يكون دونه فيها شيء ، 
 
ولو كان قبله شيء يكون مؤثراً فيه ، لكان هو الرب الخلاق ، فلا بد أن ينتهي الأمر إلى خالق غني عن غيره ، 
 
وكل شيء فقير إليه ، قائم بنفسه ، 
 
وكل شيء قائم به ، موجود بذاته ، قديم لا أول له ، وكل ما سواه فوجوده بعد عدمه ، باقٍ بذاته ، وبقاء كل شيء به . 

 

 
 وقال صلى الله عليه وسلم : ‘ لا يزال الناس يتساءلون حتى يقول قائلهم : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا ، فليستعذ بالله ، ولينته ‘ . 
 
وقال تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ) الآية ‘ سورة فصلت : 26 ‘ . 
 
ولما كان الشيطان نوعين : نوعاً يُرى عياناً وهو الإنسي ، ونوعاً لا يُرى وهو الجني ، أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي من شر الإنسي بالإعراض والعفو والدفع بالتي هي أحسن ، وشر الجني بالاستعاذة ، وجمع بين النوعين في ( سورة الأعراف ) و ( المؤمنين ) و ( فصلت ) . 
 
  ( فما هو إلا الاستعاذة ضارعاً   أو الدفع بالحسنى هما خير مطلوب )  ( فهذا دواء الداء من شر ما يرى % وذاك دواء الداء من شر محجوب ) 

 

( فصل ) فيمن اشتد غضبه

 وأمر صلى الله عليه وسلم من اشتد غضبه أن يطفيء جمرة الغضب بالوضوء والقعود إن كان قائماً ، والاضطجاع إن كان قاعداً ، والاستعاذة بالله من الشيطان ، 
 
ولما كان الغضب والشهوة جمرتين من نار في قلب ابن آدم أمر أن يطفئهما بما ذكر ، كقوله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) الآية ‘ سورة البقرة : 44 ‘ ، 
 
وهذا إنما يحمل عليه شدة الشهوة ، فأمرهم بما يطفئوا به جمرتها ، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة ، وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغاته . 
 
 ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة ، وكان نهاية قوة الغضب القتل ، ونهاية قوة الشهوة الزنا ، قرن بينهما في سورة ‘ الأنعام ‘ و ‘ الإسراء ‘ و ‘ الفرقان ‘ . 
 
وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال : ‘ الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ‘ وإذا رأى ما يكره قال : ‘ الحمد لله على كل حال ‘ ، وكان يدعو لمن تقرب إليه بما يحب ، فلما وضع له ابن عباس وضوءه قال : ‘ اللهم فقهه في الدين ، وعلّمه التأويل ‘ . 
 
وقال لأبي قتادة لمّا دعّمَه بالليل لما مال عن راحلته : ‘ حفظه الله بما حفظت به نبيه ‘ وقال : ‘ من صنع إليه معروفٌ فقال لفاعله : جزاك الله خيراً .
 
 فقد أبلغ في الثناء ‘ وقال للذي أقرضه لما وفاه : ‘ بارك الله لك في أهلك ومالك ، إنما جزاء السلف الحمد والأداء ‘ 
 
وإذا أهديت إليه هدية كافأ بأكثر منها ، وإن لم يُردها اعتذر إلى مهديها ، كقوله للصعب ‘ إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ‘ . 
 
وأمر أمته إذا سمعوا نهيق الحمار : أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ، وإذا سمعوا صياح الديك : أن يسألوا الله من فضله . 
 
ويروى : أنه أمرهم بالتكبير عند الحريق ، فإنه يطفئه ، وكره لأهل المجلس أن يخلو مجلسهم من ذكر الله عز وجل ، وقال : ‘ من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ، ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله تِرة ‘ والتِرة : الحسرة . 
 
وقال : ‘ من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك ، وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك ‘ 
 
وفي سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا أراد أن يقوم من المجلس ، فسئل عنه ، فقال : ‘ ذلك كفارة لما يكون في المجلس ‘ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *