تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » [فصل في ترتيب هَدْيِهِ مَعَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ حِينِ بُعِثَ بالدين إلى أن لقي الله عز وجل]

[فصل في ترتيب هَدْيِهِ مَعَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ حِينِ بُعِثَ بالدين إلى أن لقي الله عز وجل]

  • بواسطة

مختصر زاد المعاد لابن القيم


[فصل في ترتيب هَدْيِهِ مَعَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ حِينِ بُعِثَ بالدين إلى أن لقي الله عز وجل]

فصل

في ترتيب هَدْيِهِ مَعَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ حِينِ بُعِثَ بالدين إلى أن لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلُ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَقْرَأَ بِاسْمِ ربه الذي خلق، وذلك أول نبوته، ثم أنزل عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – قُمْ فَأَنْذِرْ} المدثر: 1 – 2

فأرسله بها، ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، فأنذر قومه، ثم أنذر من حوله من الْعَرَبَ قَاطِبَةً، ثُمَّ أَنْذَرَ الْعَالَمِينَ، فَأَقَامَ بِضْعَ عشرة سنة ينذر بغير قتال، ويؤمر بالصبر، ثم أذن له في الهجرة، ثم أذن لَهُ فِي الْقِتَالِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ من قاتله، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.


(1) سورة البقرة، الآية: 256.
(2) سورة المدثر، الآية: 1، 2.

ثُمَّ كَانَ الْكُفَّارُ مَعَهُ بَعْدَ الأمر بالجهاد ثلاثة: أهل هدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة، فأمره أن يفي لأهل الهدنة ما استقاموا، فإن خاف نبذ إليهم، وأمره أن يقاتل من نقض عهده، ونزلت (براءة) ببيان الأقسام الثلاثة، فأمره بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وأمره بجهاد الكفار والمنافقين، فجاهد الكفار بالسيف، والمنافقين بالحجة، وأمره بالبراءة من عهود الكفار، وجعلهم ثلاثة أقسام:

قسم أمره الله بقتالهم وهم الناقضون، وقسم لهم عهد موقت لم ينقضوه، فأمره بإتمامه إلى مدته،

وقسم لهم عهد مطلق أو لا عهد لهم، ولم يحاربوه، فأمره أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا انْسَلَخَتْ قَاتَلَهُمْ وهي المدة الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} التَّوْبَةِ: 2

وَهِيَ الْحُرُمُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} التوبة: 5

وأولها: العاشر من ذي الحجة يوم الأذان، وآخرها العاشر من ربيع الآخر، وليست الأربعة المذكورة في قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التَّوْبَةِ: 36]

فَإِنَّ تِلْكَ وَاحِدٌ فَرْدٌ، وَثَلَاثَةٌ سَرْدٌ: رَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَلَمْ يسير المشركين فيها، فإنه لا يمكن لأنها غير متوالية، وقد أمر بعد انسلاخ الأربعة بقتالهم، فقاتل الناقض، وَأَجَّلَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ، أَوْ لَهُ عَهْدٌ مُطْلَقٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ للموفي عهده إلى مدته،

فأسلموا كُلُّهُمْ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ،

وضرب على أهل الذمة الجزية، فاستقر أمرهم معه ثلاثة أقسام: محاربين، وأهل عهد، وأهل ذمة، ثم صار أهل العهد إلى الإسلام، فصاروا قسمين: محاربين، وأهل ذمة، فصار أهل الأرض ثلاثة أقسام: مسلم، ومسالم، وخائف محارب.

وأما سيرته في المنافقين، فأمره أن يقبل عَلَانِيَتَهُمْ، وَيَكِلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَأَنْ يُجَاهِدَهُمْ بالحجة، ويعرض عنهم، ويغلظ عليهم، ويبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم، ونهى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَى قُبُورِهِمْ، وأخبره أنه استغفر لهم أو لم يستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم.


(1) سورة التوبة، الآية: 2.
(2) سورة التوبة، الآية: 5.

فصل وأما سيرته مع أوليائه، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصْبِرَ نَفْسَهُ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وأن لا تعدو عيناه عنهم، وأن يعفو عنهم، ويستغفر لهم، ويشاورهم، ويصلي عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ بِهَجْرِ مَنْ عَصَاهُ وَتَخَلَّفَ عَنْهُ حتى يتوب كما هجر الثلاثة، وأمره أن يقيم الحدود فيهم على الشريف والوضيع.

وَأَمَرَهُ فِي دَفْعِ عَدُوِّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ أن يدفع بالتي هي أحسن، فيقابل الإساءة بالإحسان، والجهل بالحلم، والظلم بالعفو، والقطيعة بالصلة، وأخبر أنه إن فعل ذلك عاد العدو كأنه ولي حميم.

وأمره في دفع عدوه من شياطين الجن بالاستعاذة، وَجَمَعَ لَهُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ في (الأعراف) ، و (المؤمنين) ، و (حم السجدة)

وجمع في آية (الأعراف) مكارم الأخلاق كُلَّهَا، فَإِنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ لَهُ مَعَ الرَّعِيَّةِ ثلاثة أحوال: فعليهم حق يلزمهم له، ومن أمر يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِيطٍ وَعُدْوَانٍ يَقَعُ مِنْهُمْ فِي حَقِّهِ، فَأُمِرَ بِأَنْ يَأْخُذَ مما عليهم مما سمحت به أنفسهم وهو العفو

وأمر أن يأمرهم بالعُرف، وهو ما تعرفه العقول السليمة، والفطر المستقيمة، وأيضا يأمرهم بالعرف لا بالعنف، وأمره أن يقابل جهلهم بالإعراض، فهذه سيرته مع أهل الأرض جنهم وإنسهم، مؤمنهم وكافرهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *