مختصر زاد المعاد لابن القيم
( فصل : في هَديِه صلى الله عليه وسلم في آداب السّفر )
صح عنه أنه قال : ‘ إذا همّ أحدكم بالأمر ، فليركع ركعتين ‘ الحديث فعوض أمته بهذا عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير ، والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي يفعلها إخوان المشركين يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب .
ولهذا سمي استقساماً ، فعوضهم بهذا الدعاء – الذي هو توحيد وتوكل ، وسؤال للذي لا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يصرف السيئات إلا هو – عن التطير والتنجيم ، واختيار المطالع ونحوه ،
فهذا الدعاء هو طالع أهل السعادة لا طالع أهل الشرك ( الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون) ‘ سورة الحجر : 96 ‘ .
وتضمن الإقرار بصفات كماله والإقرار بربوبيته ، والتوكل عليه ، واعتراف العبد بعجزه عن العلم بمصالح نفسه ، وقدرته عليها ، وإرادته لها .
ولأحمد عن سعد مرفوعاً : ‘ إن من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله ، وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله ‘ فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفاً بأمرين : التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله ، والرضى بما يقضي الله بعده .
وكان إذا ركب راحلته كبّر ثلاثاً ، ثم قال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ،
ثم يقول : ‘ اللهم إني أسألك في سفري هذا البرّ والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا السفر ، واطوِ عنّا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم اصحبنا في سفرنا ، واخلفنا في أهلنا ‘
وكان إذا رجع قال : ‘ آيبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون ‘ .
وذكر أحمد عنه أنه إذا دخل البلد قال : ‘ توباً توباً ، لربنا أوباً ، لا يغادر حوباً ‘ .
وكان إذا وضع رجله في الركاب لركوب دابته قال : ‘ بسم الله ‘ فإذا استوى على ظهرها قال : ‘ الحمد لله ‘ ، ثم يقول : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) .
وكان إذا ودع أصحابه في السفر يقول لأحدهم : ‘ أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ‘ ، وقال له رجل : إني أريد سفراً . قال : ‘ أوصيك بتقوى الله ، والتكبير على كل شرف ‘ .
وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا كبّروا ، وإذا هبطوا سبّحوا ، فوضعت الصلاة على ذلك .
وقال أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا شرَفاً من الأرض أو نشزاً قال : ‘ اللهم لك الشرف على كل شرف ، ولك الحمد على كل حال ‘ .
وكان يقول : ‘ لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس ‘ .
وكان يكره للمسافر وحده أن يسير بالليل ، وقال : ‘ لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل ‘ ، بل كان يكره السفر للواحد ، وأخبر أن ‘ الواحد شيطان والاثنان شيطانان ، والثلاثة ركب ‘ وكان يقول : ‘ إذا نزل أحدكم منزلا فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق .
فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه ‘ وكان يقول : ‘ إذا سافرتم في الخصب ، فأعطوا الإبل حظها من الأرض ، وإذا سافرتم في السّنَةِ ، فأسرعوا عليها السير ، وإذا عرَّستم ، فاجتنبوا الطريق ، فإنها طرق الدواب ، ومأوى الهوام بالليل ‘ .
وكان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو ،
وكان ينهى المرأة أن تسافر بغير محرم ولو مسافة بريد ، ويأمر المسافر إذا قضى نهمته من سفره أن يعجل الرجوع إلى أهله ، وينهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً إذا طالت غيبته عنهم ،
وإذا قدم من سفر تلقي بالولدان من أهل بيته ، وكان يعتنق القادم من سفر ، ويقبّله إذا كان من أهله .
قال الشعبي : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدموا من سفر تعانقوا ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين .
( فصل ) | ثبت عنه أنه علمهم خطبة الحاجة :
‘ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا – وفي لفظ – : وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل ، فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‘
ثم يقرأ الثلاث الآيات 🙁 يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن ) الآية ‘ سورة آل عمران : 102 ‘ ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) الآية ‘ سورة النساء : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ) الآية ‘ سورة الأحزاب : 70 ، 71 ‘ .
قال شعبة : قلت لأبي إسحاق : هذه في خطبة النكاح أو في غيره ؟ قال : في كل حاجة .
وقال : ‘ إذا أفاد أحدكم امرأة أو خادماً أو دابة ، فليأخذ بناصيتها ، وليدع الله بالبركة ، ويسمِّ الله عز وجل ، وليقل : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جُبلت عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جُبلت عليه ‘ .
وكان يقول للمتزوج : ‘ بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير ‘ .
وصح عنه أنه قال : ‘ ما من رجل رأى مُبتلى ، فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً . إلا لم يصبه ذلك البلاء كائناً ما كان ‘ .
وذكر عنه أنه ذكرت الطيرة عنده فقال : ‘ أحسنها الفأل ، ولا ترد مسلماً ، فإذا رأيت من الطيرة ما تكره ، فقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك ‘ .
( فصل ) |الرؤيا الصالحة من الله
وصح عنه : ‘ الرؤيا الصالحة من الله ، والرؤيا السوء من الشيطان ، فمن رأى رؤيا يكره منها شيئاً ، فلينفث عن يساره ، وليتعوذ بالله من الشيطان ، فإنها لا تضره ، ولا يخبر بها أحداً ، فإن رأى رؤيا حسنة ، فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب ‘
وأمر من رأى ما يكره أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه ، وأمره أن يصلي ، فأمره بخمسة أشياء :
أن ينفث عن يساره ،
وأن يستعيذ بالله من الشيطان ،
ولا يخبر بها أحداً ،
وأن يتحول عن جنبه الذي كان عليه ،
وأن يقوم يصلي ،
وقال : ‘ الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبّر ، فإذا عبّرت وقعت ، ولا يقصها إلا على وادّ أو ذي رأي ‘ ويذكر عنه أنه كان يقول للرائي : ‘ خيراً رأيت ‘ ثم يعبّرها .