تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فصل : في هَديِه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى

فصل : في هَديِه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى

  • بواسطة

مختصر زاد المعاد لابن القيم


 

 ( فصل : في هَديِه صلى الله عليه وسلم في الأسماء والكنى ) 

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ‘ إن أخنع اسم عند الله عزَّ وجلّ رجل تسمى ملك الأملاك ، لا مالك إلا الله ‘ وثبت عنه : إن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، وأقبحها حرب ومرة ‘ 
 
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ‘ لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح ، فإنك تقول : أثمَّ هو ؟ فلا يكون ، فيقول : لا ‘ .
 
وثبت عنه أنه غيّر اسم عاصية ، وقال : ‘ أنتِ جميلة ‘ وكان اسم جويرة برة ، فغيّره باسم جويرية ، وقالت زينب بنت أم سلمة : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمى بهذا الاسم ، وقال : ‘ لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم ‘ 
 
وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح ، وغير اسم أصرم بزرعة ، وغير اسم حزن جدّ ابن المسيب بسهل ، فأبى ، وقال : السهل يُوطأ ويمتهن . 
 
وقال أبو داود : وغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحُباب وشهاب ، فسماه هشاماً ، وسمى حرباً سلماً ، وسمى المضطجع المنبعِث ، وأرضاً عَفْرة سماها خضرة وشِعب الضلالة سماه شعب الهدى ، وبنو مغوية سماهم بني رِشدة . 
 
 ولما كانت الأسماء قوالب للمعاني دالة عليها ، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب ، وأن لا يكون المعني معها بمنزلة الأجنبي المحض ، فإن الحكمة تأبى ذلك ، والواقع يشهد بخلافه ، بل للأسماء تأثير في المسميات ،
 
 وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح ، والخفة والثقل ، واللطافة والكثافة ، كما قيل :  ( وقلّ أن أبصرت عيناك ذا لقبٍ   إلا ومعناه إن فكرت في لقبه ) 
 
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ، وأمر إذا أبردوا إليه بريداً أن يكون حسن الاسم ، حسن الوجه ، وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة ، كما رأى أنه هو وأصحابه في دار عقبة بن رافع ، فأتوا برطب من رطب ابن طاب ، فأوله أن العاقبة لهم في الدنيا ، والرفعة في الآخرة ، وأن الدين الذي اختاره الله لهم قد أرطب وطاب . 
 
وتأول سهولة الأمر يوم الحديبية من مجيء سهيل ، وندب جماعة إلى حَلْبِ شاةٍ ، فقام رجل يحلبها ، فقال : ‘ ما اسمك ‘ ؟ قال : مرة . فقال : ‘ اجلس ‘ فقام آخر ، فقال : ‘ ما اسمك ‘ ؟ قال أظنه : حرب . قال : ‘ اجلس ‘ فقام آخر ، فقال : ‘ ما اسمك ‘ ؟ قال : يعيش . قال : ‘ احلبها ‘ .
 
وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء ، ويكره العبور فيها ، كما مرَّ بين جبلين ، فسأل عن اسمهما ، فقالوا : فاضح ومخزي . فعدل عنهما .

 

ولما كان بين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة ما بين قوالب الأشياء وحقائقها ، وما بين الأرواح والأجسام ، عَبَرَ العقل من كل منهما إلى الآخر ، كما كان إياس بن معاوية وغيره يرى الشخص ، فيقول : ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت . 
 
فلا يكاد يخطيء ، وضد هذا العبور من اسمه إلى مسماه ، كما سأل عمر رجلاً عن اسمه ، فقال : جمرة . 
 
فقال : واسم أبيك ؟ فقال : شهاب . قال : فمنزلك ؟ قال بحرة النار . 
 
قال : فأين مسكنك ؟ قال : بذات لظى . قال : اذهب فقد احترق مسكنك . 
 
قال : فذهب فوجد الأمر كذلك . 
 
كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن اسم سهيل إلى سهولة أمرهم ، وأمر أمته بتحسين أسمائهم ، وأخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها ، وتأمل كيف اشتق للنبي صلى الله عليه وسلم من وصفه اسمان مطابقان لمعناه وهما أحمد ومحمد ، فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة وشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد ،
 
 وكذلك تكنيته لأبي الحكم بأبي جهل ، وكذلك تكنية الله عز وجل لعبد العزى بأبي لهبٍ لما كان مصيره إلى ذات لهب ، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، واسمها يثرب ، سماها طيبة لما زال عنها من معنى التثريب .
 
 ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه قال صلى الله عليه وسلم لبعض العرب : ‘ يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسمكم واسم أبيكم ‘ فانظر كيف دعاهم إلى عبودية الله بذلك .
 
وتأمل أسماء الستة المتبارزين يوم بدر ، فالوليد له بداية الضعف ، وشيبة له نهايته ، وعتبة من العتب ، وأقرانهم علي وعبيدة والحارث ، العلو والعبودية والسعي الذي هو الحرث ،
 
 ولذلك كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه ، فإضافة العبودية إلى اسمه ‘ الله ‘ و ‘ الرحمن ‘ أحبُّ إليه من إضافتها إلى ‘ القادر ‘ و ‘ القاهر ‘ وغيرهما ، 
 
وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وربه إنما هو العبودية المحضة ، والتعلق بين الله وبين العبد بالرحمة المحضة ، فبرحمته كان وجوده وكماله ، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوفاً ورجاءً . 
 
ولما كان كل عبد متحركاً بالإرادة ، والهم مبدأ الإرادة ، وترتب على إرادته حرثه وكسبه ، كان أصدق الأسماء همام وحارث .
 
 ولما كان الملك الحق لله وحده ، كان أخنع اسم عند الله ، وأغضبه له اسم ‘ شاهان شاه ‘ أي ملك الملوك ، وسلطان السلاطين ، فإن ذلك ليس لأحدٍ غير الله عز وجل فتسمية غيره بهذا باطل ، والله لا يحب الباطل . 
 
وقد ألحق بعضهم بهذا قاضي القضاة ، ويليه في القبح سيد الناس ، لأن ذلك ليس لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
 
 ولما كان مسمى الحرب والمرارة أكره شيء للنفوس ، كان أقبح الأشياء حرباً ومرة . 
 
وعلى قياسه حنظلة وحزن وما أشبههما ولما كانت أخلاق الأنبياء أشرف الأخلاق ، كانت في أسمائهم أحسن الأسماء ، فندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التسمي بأسمائهم ، كما في سنن أبي داود والنسائي عنه : ‘ تسموا بأسماء الأنبياء ‘ ولو لم يكن فيه إلا أن الاسم يذكر بمسماه ، ويقتضي التعلق بمعناه ، لكفى به مصلحة .
 
وأما النهي عن تسمية الغلام بيسار ونحوه ، فهو لمعنى آخر أشار إليه في الحديث ، وهو قوله : ‘ فإنك تقول : أثم هو ؟ ‘ إلى آخره ، 
 
والله أعلم هل هي من تمام الحديث أو مدرجة ؟ فإن هذه الأسماء لما كانت قد توجب تطيراً ، 
 
وقد تقطع الطيرة على المتطيرين ، فاقتضت حكمة الرؤوف بأمته أن يمنعهم من أسباب توجب سماع المكروه أو وقوعه هذا إلى ما ينضاف إلى ذلك من تعليق ضد الاسم عليه بأن يسمى يساراً من هو من أعسر الناس ، ونجيحاً من لا نجاح معه ، ورباح من هو من الخاسرين ، فيكون قد وقع في الكذب عليه وعلى الله .
 
 وأمر آخر وهو أن يطالب بمقتضى اسمه ، فلا يوجد ، فيجعل ذلك سبباً لسبّه ، كما قيل :   ( سموك من جهلهم سديداً   والله ما فيك من سداد ) 
 
وهذا كما أن من المدح ما يكون ذماً موجباً لسقوط الممدوح عند الناس ، فإنه يمدح بما ليس فيه ، فتطالبه النفوس بما مدح به ، وتظنه عنده ، فلا تجده كذلك فينقلب ذماً ، ولو ترك لغير مدح لم تحصل تلك المفسدة ، وأمر آخر وهو اعتقاد المسمى أنه كذلك ، فيقع في تزكية نفسه كما نهى أن تسمى برة ، فعلى هذا تكره التسمية بالرشيد والمطيع والطائع وأمثال ذلك . 
 
 وأما تسمية الكفار بذلك ، فلا يجوز التمكين منه ولا دعاؤهم بشيء من ذلك .
 
وأما الكنية ، فهي نوع تكريم ، وكنى النبي صلى الله عليه وسلم صهيباً بأبي يحيى ، وعلياً بأبي تراب ، وكنى أخا أنس وهو صغير بأبي عمير ، وكان هدية تكنية من له ولد ، ومن لا ولد له ، ولم يثبت عنه أنه نهى عن كنية إلا الكنية بأبي القاسم ، فاختلف فيه ، فقيل : لا يجوز مطلقاً ، وقيل : لا يجوز الجمع بينها وبين اسمه ، وفيه حديث صححه الترمذي ، وقيل :

 

جوز الجمع بينهما ، لحديث علي : إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك ، وأكنيه بكنيتك ؟ قال : ‘ نعم ‘ صححه الترمذي . 
 
وقيل : المنع منه مختص بحياته .
 
والصواب أن التكني بكنيته ممنوع منه ، والمنع في حياته أشد ، والجمع بينهما ممنوع منه ، وحديث علي في صحته نظر ، والترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح .
 
 وقد قال علي : إنها رخصة له . وهذا يدل على بقاء المنع لمن سواه .
 
 وحديث عائشة : ‘ ما الذي أحل اسمي ، وحرم كنيتي ‘ غريب ، لا يعارض بمثله الحديث الصحيح .
 
 وكره قوم من السلف الكنية بأبي عيسى ، وأجازه آخرون ، فروى أبو داود عن زيد بن أسلم أن عمر ضرب ابناً له تكنى بأبي عيسى وأن المغيرة تكنى بأبي عيسى ، فقال عمر : أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بذلك ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وإنا لفي جلجلتنا . 
 
فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك .
 
ونهى عن تسمية العنب كرماً ، وقال : ‘ الكرم قلب المؤمن ‘ وهذا لأن هذه اللفظة تدل على كثرة الخير والمنافع ،
 
 وقال : ‘ لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء ، وإنهم يسمونها العتمة ‘ 
 
وقال : ‘ لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ‘ والصواب أنه لم ينه عن إطلاق هذا الاسم بالكلية ، وإنما نهى عن أن يهجر اسم العشاء ،
 
 وهذا محافظة منه على الاسم الذي سمى الله به العبادات ، فلا تهجر ، ويؤثر عليها غيرها ، كما فعله المتأخرون ونشأ به من الفساد ما الله به عليم ، وهذا لمحافظته على تقديم ما قدمه الله .
 
وبدأ في العيد بالصلاة ، ثم النحر وبدأ في أعضاء الوضوء بالوجه ، ثم اليدين ، ثم الرأس ، ثم الرجلين ، وقدم زكاة الفطر على صلاة العيد ، لقوله :  قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى   ‘ سورة الأعلى : 14 ، 15 ‘ ونظائره كثيرة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *