تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » في هَديِه صلى الله عليه وسلم في السَّلام والاستِئذان وتشميت العاطِس

في هَديِه صلى الله عليه وسلم في السَّلام والاستِئذان وتشميت العاطِس

  • بواسطة

مختصر زاد المعاد لابن القيم


( فصل : في هَديِه صلى الله عليه وسلم في السَّلام والاستِئذان وتشميت العاطِس ) 

في ‘ الصحيحين ‘ عنه : ‘ إن أفضل الإسلام إطعام الطعام ، وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ‘ .
 
وفيهما : ‘ إن آدم لما خلقه الله قال له : اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلّم عليهم ، واستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك .
 
فقال : السلام عليكم . فقالوا : السلام عليكم ورحمة الله . فزادوه : ورحمة الله ‘ .
 
وفيهما : ‘ أنه أمر بإفشاء السلام ، وأنهم إذا أفشَوْ السلام تحابوا ، وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا ، ولا يؤمنوا حتى يتحابوا ‘ . 
 
وقال البخاري في ‘ صحيحه ‘ : قال عمار : ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار .
 
وقد تضمنت هذه الثلاث أصول الخير وفروعه ، فإن الإنصاف يوجب عليه أداء حقوق الله كاملة ، وأداء حقوق الناس كذلك ، ويعاملهم بما يحبّ أن يعاملوه به ، ويدخل فيه إنصافه من نفسه ، فلا يدّعي لها ما ليس لها ، ولا يخفيها بتدسِّيه لها بمعاصي الله .
 

والمقصود أن إنصافه من نفسه يوجب عليه معرفة ربه ، ومعرفة نفسه ، وأن لا يزاحمَ بها مالكها ، ولا يقسم إرادته بين مراد سيده ومرادها ، وهي قسمة ضيزى ، مثل قسمة الذين قالوا :  هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون   ‘ سورة الأنعام : 136 ‘ .

 
 فلينظر العبد لا يكون من أهل هذه القسمة وهو لا يشعر ، فإنه خلق ظلوماً جهولاً ، وكيف يطلب الإنصاف ممن وصفه الظلم والجهل ؟ ! وكيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق ، كما في الأثر : ابن آدم ما أنصفتني ، خيري إليك نازل ، وشرّك إلي صاعد . 

 

 
وفي أثر آخر : ابن آدم ما أنصفتني ، خلقتك وتعبدُ غيري ، وأرزقك . وتشكر سواي .
 
 ثم كيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه وظلمها أقبح الظلم وهو يظن أنه يكرمها ؟ ! | وبذل السلام يتضمن التواضع ، لا يتكبر على أحد ، والإنفاق من الإقتار لا يصدر إلا عن قوة ثقةٍ بالله وقوة يقين ، وتوكل ورحمة ، وزهد وسخاء نفس ، وتكذيب بوعد من يعده الفقر ، ويأمره بالفحشاء .

 

 
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بصبيان ، فسلم عليهم ، وذكر الترمذي أنه مرَّ بجماعة نسوة ، فألوى بيده بالتسليم ، وقال أبو داود عن أسماء بنت يزيد : مرَّ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فسلم علينا . 
 
وهي رواية حديث الترمذي ، والظاهر أن القصة واحدة ، وأنه سلّم عليهن بيده . 
 
وفي البخاري : أن الصحابة ينصرفون من الجمعة ، فيمرون على عجوز في طريقهم ، فيسلمون عليها ، فتقدم لهم طعاماً من أصول السلق والشعير ، وهذا هو الصواب في مسألة السلام على النساء يسلم على العجوز ، وذوات المحارم دون غيرهن .
 
وفي ‘ صحيح البخاري ‘ : ‘ يسلم الصغير على الكبير ، والمار على القاعد ، والراكب على الماشي ، والقليل على الكثير ‘ . وفي الترمذي : ‘ يسلم الماشي على القائم ‘ . 
 
وفي ‘ مسند البزار ‘ عنه : ‘ والماشيان أيهما بدأ فهو أفضل ‘ . وفي ‘ سنن أبي داود ‘ عنه : ‘ إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ‘ .
 
وكان من هديه السلام عند المجيء إلى القوم ، والسلام عند الانصراف عنهم ، وثبت عنه أنه قال : ‘ إذا قعد أحدكم فليسلم ، وإذا قام ، فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة ‘ وذكر أبو داود عنه : ‘ إذا لقي أحدكم صاحبه ، فليسلم عليه ، فإن حال بينهما شجرة أو جدار ، ثم لقيه ، فليسلم عليه أيضاً ‘ .
 
وقال أنس : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا لقيتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يميناً وشمالا ، وإذا التقوا من ورائها ، سلم بعضهم على بعض .
 
ومن هديه أن الداخل إلى المسجد يبتديء بركعتين ، ثم يجيء فيسلم ، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله ، فإن تلك حق الله ، والسلام عليهم حق لهم ، وحق الله تعالى في مثل هذا أولى بالتقديم بخلاف الحقوق المالية ، فإن فيها نزاعاً ، 
 
والفرق بينهما حاجة الآدمي ، وعدم اتساع المال لأداء الحقين . 
 
وعلى هذا فيُسنّ لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مرتبة .

 

إحداها : أن يقول عند دخوله : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله . ثم يصلي تحية المسجد ، ثم يسلم على القوم . وكان إذا دخل على أهله بالليل سلم تسليماً لا يوقظ النائم ، ويسمع اليقظان ، ذكره مسلم ،
 
 وذكر الترمذي عنه : ‘ السلام قبل الكلام ‘ ، ولأحمد عن ابن عمر مرفوعاً : ‘ السلام قبل السؤال ، فمن بدأ بالسؤال قبل السلام ، فلا تجيبوه ‘ ويُذكر عنه : ‘ لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام ‘ .
 
وكان إذا أتى باب قومٍ لم يستقبل الباب ، ولكن من ركنه الأيمن ، أو الأيسر ، فيقول : ‘ السلام عليكم ‘ . وكان يسلم بنفسه على من يواجهه ويحمل السلام للغائب ، ويتحمل السلام كما تحمّله من الله لخديجة ، وقال للصديقة الثانية : ‘ هذا جبريل يقرأ عليك السلام ‘ .
 
وكان من هديه انتهاء السلام إلى : ‘ وبركاته ‘ ، وكان من هديه أن يسلم ثلاثاً كما في البخاري وعن أنس ، ولعله في الكثير الذي لا تبلغهم المرة ، وإذا ظن أنه لم يحصل الإسماع بالأول والثاني .
 
ومن تأمل هديه علم أن التكرير أمر عارض .
 
وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، وإذا سلم عليه أحد رد عليه مثلها أو أحسن على الفور إلا لعذر مثل قضاء الحاجة ، ولم يكن يرد بيده ، ولا برأسه ، ولا بإصبعه إلا في الصلاة ، فإنه ثبت عنه الرد فيها بالإشارة .
 
وكان هديه في الإبتداء : ‘ السلام عليكم ورحمة الله ‘ ، ويكره أن يقول المبتديء : عليك السلام . وكان يرد على المسلم : ‘ وعليكم السلام ‘ بالواو ، ولو حذف الراد الواو ، فقالت طائفة : لا يسقط به .

 

فرض الرد ، لأنه مخالف للسنّة ، ولأنه لا يعلم هل هو رد أو ابتداء تحية .
 
 وذهبت طائفة إلى أنه رد صحيح ، نص عليه الشافعي ، واحتج له بقوله تعالى : قالوا سلاما قال سلام  ‘ سورة الذاريات : 25 ‘ . 
 
أي : سلام عليكم لا بد من هذا ، ولكن حسن الحذف في الرد لأجل الحذف في الإبتداء ، واحتج له برد الملائكة على آدم المتقدم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *