قول الروافض في النسخ

 

كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين

المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)


الروافض

مقالات الروافض

19 – قول الروافض في النسخ

واختلفت الروافض في الناسخ والمنسوخ هل يقع ذلك في الإخبار أم لا؟
وهم فرقتان:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يزعمون أن النسخ قد يجوز أن يقع في الإخبار فيخبر الله – سبحانه – أن شيئاً يكون ثم لا يكون، وهذا قول أكثر أوائلهم وأسلافهم.
2 – والفرقة الثانية منهم: يزعمون أنه لا يجوز وقوع النسخ في الإخبار وأن يخبر الله – سبحانه – أن شيئاً يكون ثم لا يكون لأن ذلك يوجب التكذيب في أحد الخبرين.
 

20 – قول الروافض في الإيمان

واختلفت الروافض في الإيمان ما هو وفي الأسماء
وهم ثلاث فرق:
1 – فالفرقة الأولى منهم وهم جمهور الرافضة يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسوله وبالإمام وبجميع ما جاء من عندهم فأما المعرفة بذلك فضرورة عندهم فإذا أقر وعرف فهو مؤمن مسلم وإذا أقر ولم يعرف فهو مسلم وليس بمؤمن.
 
2 – والفرقة الثانية منهم: وهم قوم من متأخريهم من أهل زماننا هذا يزعمون أن الإيمان جميع الطاعات وأن الكفر جميع المعاصي ويثبتون الوعيد ويزعمون أن المتأولين الذين خالفوا الحق بتأويلهم كفار وهذا قول ابن جبرويه.
 
رأي علي بن ميثم:
 
3 – والفرقة الثالثة منهم: أصحاب علي بن ميثم يزعمون أن الإيمان اسم للمعرفة والإقرار ولسائر الطاعات فمن جاء بذلك كله كان مستكمل الإيمان ومن ترك شيئاً مما افترض الله عليه غير جاهد له فليس بمؤمن ولكن يسمى فاسقاً وهو من أهل الملة تحل مناكحته وموارثته ولا يكفرون المتأولين.
 
 
 

21 – قولهم في الوعيد

واختلفت الروافض في الوعيد[1]
وهم فرقتان[2]:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يثبتون الوعيد على مخالفيهم ويقولون أنهم يعذبون ولا يقولون بإثبات الوعيد فيمن قال بقولهم ويزعمون أن الله – سبحانه – يدخلهم الجنة وإن أخلهم النار أخرجهم منها ورووا في ذلك عن أيمتهم أن ما كان بين الله وبين الشيعة من المعاصي سألوا الله فيهم فصفح عنهم وما كان بين الشيعة وبين الأئمة تجاوزوا عنه وما كان بين الشيعة وبين الناس من المظالم شفعوا لهم إليهم حتى يصفحوا عنهم.
2 – والفرقة الثانية منهم: يذهبون إلى إثبات الوعيد وأن الله -عز وجل- يعذب كل مرتكب الكبائر من أهل مقالتهم كان أو من غير أهل مقالتهم ويخلدهم في النار.
 
 

22 – قولهم في خلق الشيء

 
واختلفت الروافض في خلق الشيء أهو الشيء أو غيره؟
وهم فرقتان:
1 – فالفرقة الأولى منهم: أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن خلق الشيء صفة للشيء لا هو الشيء ولا هو غيره لأنه صفة للشيء والصفة لا توصف وكذلك زعموا أن البقاء صفة للباقي لا هي هو ولا غيره وكذلك الفناء صفة للفاني لا هي هو ولا هي غيره.
2 – والفرقة الثانية منهم: يزعمون أن الخلق هو المخلوق وأن الباقي يبقى لا ببقاء وأن الفاني يفنى لا بفناء.
 

23 – قول الرافضة في تعذيب الأطفال

 
واختلفت الروافض في عذاب الأطفال في الآخرة.
وهم فرقتان:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يزعمون أن الأطفال جائز أن يعذبهم الله وجائز أن يعفو عنهم كل ذلك له أن يفعله.
2 – والفريق الثاني وهم أصحاب هشام بن الحكم فيما حكى زرقان عنه – فإن لم يكن هشام بن الحكم قاله فممن يقوله اليوم كثير – يزعمون أنه لا يجوز أن يعذب الله – سبحانه – الأطفال بل هم في الجنة.
 

24 – قولهم في ألم الأطفال في الدنيا

 
واختلفت الروافض في ألم الأطفال في الدنيا.
وهم ثلاث فرق:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يزعمون أن الأطفال يألمون في الدنيا وأن إيلامهم فعل الله بإيجاب الخلقة لأن الله خلقهم خلقة يألمون إذا قطعوا أو ضربوا.
2 – والفرقة الثانية منهم: يزعمون أن الأطفال يألمون في الدنيا وأن الألم الذي
 
يحل فيهم فعل الله لا بإيجاب الخلقة ولكن باختراع ذلك فيهم وكذلك قولهم في سائر المتولدات كالصوت الحادث عند الاصطكاك وذهاب الحجر الحادث عند دفعتنا للحجر وما أشبه ذلك.
3 – والفرقة الثالثة منهم: وهم القائلون بالإمامة والاعتزال يزعمون أن الآلام التي تحل في الأطفال منها ما هو فعل الله ومنها ما هو فعل لغيره وإن ما يفعله من الألم فإنما يفعله اختراعاً لا لسبب يوجبه.
وأجمعت الروافض على تصويب علي -رضوان الله عليه- في حربه من حارب وتخطئة من حارب عليا.
 

25 – قول الروافض في من حارب علي

 
واختلفت الروافض في محارب علي.
وهم فرقتان:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يقولون بإكفار من حارب علياً وتضليله ويشهدون بذلك على طلحة والزبير ومعاوية بن أبي سفيان وكذلك يقولون فيمن ترك الائتمام به بعد الرسول عليه السلام.
2 – والفرقة الثانية منهم: يزعمون أن من حارب علياً فاسق ليس بكافر إلا أن يكون حارب علياً عناداً للرسول صلى الله عليه وسلم ورداً عليه فهم كفار وكذلك يقولون في ترك الائتمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب بعده أنهم إن كانوا تركوا الائتمام به عناداً للرسول ورداً عليه فهم كفار وإن كانوا تركوا ذلك لا على طريق العناد والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم والرد عليه فسقوا ولم يكفروا.
 
 
 

26 – قول الروافض في التحكيم

 
واختلفت الروافض في التحكيم.
وهم فرقتان:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يزعمون أن علياً إنما حكم للتقية وأنه مصيب في تحكيمه للتقية وأن التقية تسعه إذا خاف على نفسه.
واعتلوا في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في تقية في أول الإسلام يكتم الدين.
2 – والفرقة الثانية منهم: يزعمون أن التحكيم صواب على أي وجه فعله على التقية أو على غير التقية.
 

27 – قولهم في جواز الخروج قبل ظهور الإمام

 
وأجمعت الروافض على إبطال الخروج وإنكار السيف ولو قتلت حتى يظهر لها الإمام وحتى يأمرها بذلك.
واعتلت في ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأمره الله -عز وجل- بالقتال كان محرماً على أصحابه أن يقاتلوا.
 
 
 

28 – قولهم في الصلاة خلف مخالفيهم

 
وأجمعوا على أنه لا يجوز الصلاة خلف الفاسقين وإنما يصلون خلف الفاسقين تقية ثم يعيدون صلاتهم.
 
 
 

29 – واختلفت الروافض في سباء نساء مخالفيهم

 
واختلفت الروافض في سبأ نساء مخالفيهم واخذ أموالهم إذا أمكنهم ذلك.
وهم فرقتان:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يستحلون ذلك ويستحبونه ويستحلون سائر المحظورات ويتأولون قول الله -عز وجل-: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93] وقوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 32].
2 – والفرقة الثانية منهم: يحرمون سباء نساء مخالفيهم وأخذ أموالهم بغير حق ولا يبيحون المحظورات ولا يستحلونها.
 
 
 

30 – قولهم في الجزء الذي لا يتجزأ

 
واختلفوا في الجزء الذي لا يتجزأ[3]
وهم فرقتان:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يزعمون أن الجزء يتجزأ أبداً ولا جزء إلا وله جزء وليس لذلك آخر إلا من جهة المساحة وأن لمساحة الجسم آخراً وليس لأجزائه آخر من باب التجزؤ والقائل بهذا القول هشام بن الحكم وغيره من الروافض.
2 – والفرقة الثانية منهم يقولون: إن لأجزاء الجسم غاية من باب التجزؤ وله أجزاء معدودة لها كل وجميع ولو رفع البارئ كل اجتماع في الجسم لبقيت أجزاؤه لا اجتماع فيها ولا يحتمل كل جزء منها التجزؤ.
 
 

31 – قولهم في حقيقية الجسم

 
واختلفت الروافض في الجسم ما هو؟
وهم ثلاث فرق:
1 – والفرقة الأولى منهم: يزعمون أن الجسم هو الطويل العريض العميق ولا يكون شيء موجود إلا ما كان جسماً طويلاً عريضاً عميقاً وأنكروا الأعراض وزعموا أن معنى الجسم الطويل العريض العميق أنه شيء موجود وأن البارئ لما كان شيئاً موجوداً كان جسماً.
2 – والفرقة الثانية منهم: يزعمون أن حقيقة الجسم أنه مؤلف مركب مجتمع وأن البارئ -عز وجل- لما لم يكن مؤتلفاً مجتمعاً لم يكن جسماً.
3 – والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه يحتمل الأعراض وأن أقل قليل الأجسام جزء لا يتجزأ وأن البارئ لما لم يحتمل الأعراض لم يكن جسماً.
 

32 – قولهم في المداخلة

 
واختلفت الروافض في المداخلة[4].
وهم فرقتان:
1 – والفرقة الأولى منهم: الهشامية وهم فيما حكى زرقان عن هشام يقولون بالمداخلة ويثبتون كون الجسمين اللطيفين في مكان واحد كالحرارة واللون ولست أحقق ما حكى زرقان من ذلك كما حكاه.
2 – والفرقة الثانية منهم: ينكرون المداخلة ويحيلون كون جسمين في مكان واحد ويزعمون أن الجسمين يتجاوران ويتماسان فإما أن يتداخلا حتى يكون حيزهما واحداً فذلك محال.
 
 

33 – قولهم في حقيقة الإنسان

 
واختلفت الروافض في الإنسان[5] ما هو.
وهم أربع فرق:
1 – فالفرقة الأولى منهم: يزعمون أن الإنسان اسم لمعنيين لبدن وروح فالبدن موات والروح هي الفاعلة الدراكة الحساسة وهي نور من الأنوار هكذا حكى زرقان عن هشام بن الحكم.
2 – والفرقة الثانية منهم: يزعمون أن الإنسان جزء لا يتجزأ ويحيلون أن يكون الإنسان أكثر من جزء لأنه لو كان أكثر من جزء لجاز أن يحل في أحد الجزأين إيمان وفي الآخر كفر فيكون مؤمناً وكافراً في حال واحد وذلك محال.
3 – وقد ذهب من أهل زماننا قوم من النظامية الذين يزعمون أن الإنسان هو الروح إلى قول الروافض.
4 – وذهب أيضاً قوم ممن يميل إلى قول أبي الهذيل إن الإنسان هو هذا الجسم المريء إلى القول بالإمامة والرفض.

34 – قولهم في الطفرة

واختلفت الروافض في الطفرة.
وهم فرقتان:
1 – فالفرقة الأولى منهم: أصحاب هشام بن الحكم فيما حكاه زرقان يقولون إن الجسم يكون في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث من غير أن يمر بالثاني.
2 – والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك ويحيلون أن يكون الجسم في مكان ثم يصير إلى مكان ثالث من غير أن يمر بالمكان الثاني.
 

35 – آراء في أمور مختلفة لهشام بن الحكم

 
وهذه حكاية مذاهب لهشام في أشياء من لطيف الكلام[6]:
 
 
كان هشام يقول إن الجن مأمورون ومنهيون لأنه قال: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ} [الرحمن: 33] وقال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [القمر: 34].
 
 
2 – وكان يقول في وسواس الشيطان أن الله – سبحانه – يقول: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس: 4, 5] قال: فعلمنا أنه يوسوس وليس يدخل أبدان الناس ولكن قد يجوز أن يكون الله – سبحانه – قد جعل الجو أداة للشيطان يصل بها إلى القلب من غير أن يدخل فيه.
 
 
قال: ويعلم ما يحدث في القلب وليس ذلك بغيب لأن الله – سبحانه – قد جعل عليه دليلاً مثل ذلك أن يشير الرجل إلى الرجل أن أقبل أو أدبر فيعلم ما يريد فكذلك إذا فعل الإنسان فعلاً يريد شيئاً من البر عرف الشيطان ذلك بالدليل فينهى الإنسان عنه.
 
 
3 – وقال هشام في الملائكة أنهم مأمورون منهيون لقول الله -عز وجل-: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 29] وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50].
 
4 – وكان هشام يقول في الزلازل أن الله – سبحانه – خلق الأرض من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضاً فإذا ضعفت طبيعة منها غلبت الأخرى فكانت الزلزلة وإن ضعفت أشد من ذلك كان الخسف[7].
5 – وكان يقول في السحر أنه خديعة ومخاريق[8] ولا يجوز أن يقلب الساحر إنساناً حماراً أو العصا حية. وحكى عنه زرقان أنه كان يجيز المشي على الماء لغير نبي ولا يجوز أن تظهر الأعلام على غير نبي
6 – وكان يقول في المطر: جائز أن يكون ماءً يصعده الله ثم يمطره على الناس وجائز أن يكون الله يخترعه في الجو ثم يمطره وكان يزعم أن الجو جسم رقيق.
 
 

36 – رجال الرافضة ومؤلفو كتبهم

هشام بن الحكم وهو قطعي وعلي بن منصور ويونس بن عبد الرحمن القمي والسكاك وأبو الأحوص داود بن راشد البصري[9].
ومن رواة الحديث: الفضل بن شاذان والحسين بن إشكيب والحسين بن سعيد.
وقد انتحلهم أبو عيسى الوراق وابن الراوندي وألفا لهم كتباً في الإمامة.
والتشيع غالب على أهل قم[10] وبلاد إدريس بن إدريس وهي طنجة[11] وما والاها والكوفة.
 
 
وحكى سليمن بن جرير الزيدي أن فرقة من الإمامية تزعم أن الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب يصنع بالإمامة ما أحب: إن شاء جعلها لنفسه وإن ولاها غيره كان ذلك جايزاً إن كان ذلك عدلاً وله في ذلك النيابة إذا نفى والتسليم إن شاء ورضي.
وأن فرقة أخرى قالت: إن الدين كله في يدي علي بن أبي طالب وأنه يسند إليه وأوجبوا قطع الشهادة على سريرته وأن الإمامة بعده في جماعة أهل البيت غير أنهم خالفوا الفرقة الأولى في شيئين:
أحدهما: أنهم يزعمون أن علياً تولى أبا بكر وعمر على الصحة وسلم بيعتهما.
والآخر: أنهم لا يثبتون العصمة لجماعة أهل البيت كما يثبت أولئك ولكنهم يرجون ذلك لهم وأن يصيروا جميعاً إلى ثواب الله ورحمته.

الزيدية من الشيعة

والصنف الثالث من الأصناف الثلاثة التي ذكرناها أن الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الزيدية[12].
وإنما سموا زيدية لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب[13].
وكان زيد بن علي بويع له بالكوفة في أيام هشام بن عبد الملك وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي وكان زيد بن علي يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولى[14] أبا بكر وعمر ويرى الخروج على أئمة الجور فلما ظهر بالكوفة في أصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن على أبي بكر وعمر فأنكر ذلك على من سمعه منه فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم: رفضتموني وبقي في شرذمة فقاتل يوسف بن عمر فقتل ودفن ليلاً وكان معه نصر بن خزيمة العبسي ثم إنه ظهر على قبره فنبش وصلب عرياناً وله قصة يطول شرحها ولو ذكرناها لطال بذكرها الكتاب.
ثم خرج ابنه يحيى بن زيد[15] بعده في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فوجه إليه نصر بن سيار صاحب خراسان بصاحب شرطته سلم بن أحوز المازني فقتله.
وقال يحيى بن زيد في أبيه زيد لما قتل بالكوفة:
خليلي عني بالمدينة بلغا … بني هاشم أهل النهى والتجارب
فحتى متى مروان يقتل منكم … خياركم والدهر جم والعجائب
وحتى متى ترضون بالخسف منهم … وكنتم أباة الخسف عند التجارب
لكل قتيل معشر يطلبونه … وليس لزيد بالعراقين طالب
وقال دعبل الخزاعي يرثي يحيى بن زيد:
قبور بكوفان وأخرى بطيبة … وأخرى بفخ نالها صلواتي[16]
وأخرى بأرض الجوزجان محلها … وأخرى بباخمرى لدى الغربات[17]
يعني بالقبور التي بأرض الجوزجان يحيى بن زيد ومن قتل معه.
والزيدية ست فرق[18]:

الجارودية[19]:

1 – فمنهم الجارودية أصحاب أبي الجارود.
وإنما سموا جارودية لأنهم قالوا بقول أبي الجارود.
يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية فكان هو الإمام من بعده وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الحسن من بعد علي هو الإمام ثم الحسين هو الإمام من بعد الحسين.
وافترقت الجارودية فرقتين:
فرقة زعمت أن علياً نص على إمامة الحسن وأن الحسن نص على إمامة الحسين ثم هي شورى في وبد الحسن وولد الحسين فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربه وكان عالماً فاضلاً فهو الإمام.
وفرقة زعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على الحسن بعد علي وعلى الحسين بعد الحسن ليقوم واحد بعد واحد.
وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق:
فزعمت فرقة أن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يمت وأنه يخرج ويغلب.
وفرقة أخرى زعمت أن محمد بن القاسم صاحب الطالقان حي لم يمت وأنه يخرج ويغلب.
وفرقة قالت مثل ذلك في يحيى بن عمر صاحب الكوفة.
 
 

السليمانية[20]:

2 – والفرقة الثانية من الزيدية السليمانية أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن الإمامة شورى وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين وأنها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر.
وحكى زرقان عن سليمان بن جرير أنه كان يزعم أن بيعة أبي بكر وعمر خطأ لا يستحقان عليها اسم الفسق من قبل التأويل وأن الأمة قد تركت الأصلح في بيعتهم إياهما.
وكان سليمان بن جرير يقدم على عثمان ويكفره عند الأحداث التي نقمت عليه ويزعم أنه قد ثبت عنده أن علي بن أبي طالب لا يضل ولا تقوم عليه شهادة عادلة بضلالة ولا يوجب علم هذه النكتة على الروايت الصحيحة عنده.

البترية[21]:

3 – والفرقة الثالثة من الزيدية البترية أصحاب الحسن بن صالح بن حي وأصحاب كثير النواء.
وإنما سموا بترية لأن كثيراً كان يلقب بالأبتر.
يزعمون أن علياً أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالإمامة وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ لأن علياً ترك ذلك لهما ويقفون في عثمان وفي قتلته ولا يقدمون عليه بإكفار. وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا ولا يرون لعلي إمامة إلا حين بويع.
وقد حكي أن الحسن بن صالح بن حي كان يتبرأ من عثمان -رضوان الله عليه- بعد الأحداث التي نقمت عليه.
 

النعيمية:

4 – والفرقة الرابعة من الزيدية النعيمية أصحاب نعيم بن اليمان.
يزعمون أن علياً كان مستحقاً للإمامة وأنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأمة ليست بمخطئة خطأ إثم في أن ولت أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما ولكنها مخطئة خطأً بيناً في ترك الأفضل وتبرءوا من عثمان ومن محارب علي وشهدوا عليه بالكفر.
5 – والفرقة الخامسة من الزيدية يتبرءون من أبي بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الأموات قبل يوم القيامة.

اليعقوبية[22]:

6 – والفرقة السادسة من الزيدية يتولون أبا بكر وعمر ولا يتبرءون ممن برئ منهما وينكرون رجعة الأموات ويتبرءون ممن دان بها وهم اليعقوبية أصحاب رجل يدعى يعقوب.
 

 
[1] ورد النسخ في الحديث ص 48 من هذا الكتاب.
 
[2] منهاج السنة النبوية: 1/ 214
 
[3]  الفرق بين الفرق: 50.
 
[4] الفرق بين الفرق: 50
 
[5] الفرق بين الفرق: 51.
 
[6] الملل والنحل: 1/ 149 – 151
 
[7] الفرق بين الفرق: 51
 
[8] مخاريق: يقولون مخرق الرجل مخرقة موه وكذب والأصل في هذه المادة: المخراق بزنة مفتاح وهو من لعب الصبيان خرقة تقتل ويضرب بعضهم بعضا وفيها يقول عمرو بن كلثوم:
كأن سيوفنا فينا وفيهم … مخاريق بأيدي لاعبينا
 
[9] منهاج السنة النبوية: 1/ 240 والمل والنحل: 1/ 155
 
[10] قم -بضم القاف وتشديد الميم- مدينة أول من مصرها طلحة بن الأحوص الأشعري أهلها كلهم شيعة إمامية والأصل في ذلك أن سعد بن عبد الله بن سعد بن مالك بن عامر الأشعري كان قد ربي بالكوفة فانتقل منها إلى قم وكان إماميا وهو الذي نقل التشيع إلى أهلها فلا يوجد بها سني قط معجم البلدان لياقوت الحموي.
 
[11] طنجة: بفتح الطاء وسكون النون مدينة أزلية آبارها ظاهرة بناؤها بالحجارة قائمة على البحر والمدينة العامرة اليوم على ميل من البحر ولي لها سور وهي على ظهر الجبل. ماؤها في قناة يجري إليها عن موضع لا يعرفون منبعه على الحقيقة وهي خصبة بينها وبين سبتة مسيرة يوم واحد. معجم البلدان لياقوت الحموي.
 
 
 
[12] الزيدية: المقالات والفرق: 11, 18 – 19, 40, 50, 71 – 74, 94 و 149 نروج الذهب 3/ 220 – 221 ويشمل أسماء فرق الزيدية فلا داعي لتكرارها عند ذكر كل فرقة مقاتل الطالبيين: 145 التنبيه والرد: 5, 33, 34 و 164 الفرق بين الفرق: 21 و 22 التبصير في الدين: 32 الملل والنحل: 1/ 124 – 130 الحور العين: 147 – 148, 150 – 152, 154 – 156, 185 – 196, 200. اعتقادات فرق المسلمين: 52, منهاج السنة النبوية: 1/ 8 البداية والنهاية: 7/ 41 أحدث سنة 122هـ الخطط المقريزية: 2/ 351.
 
[13] هو زيد بن علي بن الحسين سبط أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- يكنى بأبي الحسين كان المرجئة وأهل النسك لا يعدلون بزيد أحدا خرج أيام هشام بن عبد الملك وتابعه خلق وكان خروجه قبل الأجل المضروب بينه وبين أهل الأمصار فخرج إليه يوسف بن عمرو وكان مصرع الإمام زيد على يديه سنة 122هـ.
 
انظر: مروج الذهب: 3/ 220 – 221 مقاتل الطالبين: 127 – 151. البداية والنهاية: 7/ 41 وما بعدها وكذلك كتب التاريخ أحداث سنة 122هـ. وسواها
 
[14] يتولى: يعترف بالولاية ذلك لأن زيد بن علي بن الحسين رفض لعن أبي بكر وعمر كما فعل الغلاة من الشيعة الروافض وكان يقول عنهما: وزيرا جدي محمد صلى الله عليه وسلم.
 
[15] يحيى بن زيد: انظر مروج الذهب: 3/ 225 مقاتل الطالبين: 152 – 158 البداية والنهاية: 7/ 64. أحداث سنة 131هـ
 
[16] كوفان: عنى بها الشاعر الكوفة وفيها قتل أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه.
وطيبة: المدينة المنورة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها قتل جماعة من آل البيت منهم محمد بن عبد الله بن الحسن على يدي عيسى بن موسى الهاشمي.
وفخ: بفتح الأول وتشديد الثاني واد بمكة وفيه قتل الحسين بن علي بن الحسن … في ذي القعدة سنة 169هـ. “انظر معجم البلدان: كوفة طيبة وفخ”.
 
[17] الجوزجان: اسم كورة من كور بلخ بخراسان. باخمرا موضع بين الكوفة وواسط وهو إلى الكوفة أقرب وفي الموضعين قتل نفر من آل البيت.
الغربات: جمع غربة بالتحريك: وهي عند أهل الحجاز شجرة ضخمة شاكة خضراء يتخذ منها القطران. انظر معجم البلدان
 
[18] مروج الذهب: 3/ 220
 
[19] الجارودية: المقالات والفرق: 18, 81, 158 مروج الذهب: 3/ 220 التنبيه والرد: 23 الفرق بين الفرق: 21 التبصير في الدين: 23 الملل والنحل: 1/ 128 – 128 الحور العين: 155 – 156, 252, 261 اعتقادات فرق المسلمين: 52 منهاج السنة النبوية: 1/ 265 التعريفات: 73 الفرق الإسلامية: 18, 81, 158
 
[20] السليمانية: الفرق بين الفرق ك 21 التبصير في الدين: 33 الملل والنحل: 128 – 129 الحور العين: 155 اعتقادات فرق المسلمين: 52 منهاج السنة النبوية: 1/ 265. التعريفات: 121
 
[21] البترية: المقالات والفرق: 6 – 7, 10, 18, 73, 78 ,134 و 140 الفرق بين الفرق: 21 التبصير في الدين: 33 وذكرها باسم الأبترية الملل والنحل: 1/ 129 – 130 الحور العين: 150 – 151 و 155 منهاج السنة النبوية: 1/ 265 التعريفات: 42
 
[22] اليعقوبية: المقالات والفرق: 71 و 202 الحور العين: 145 و 242 اعتقادات فرق المسلمين: 84.
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *