تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » قول المتكلمين في الجسم

قول المتكلمين في الجسم

  • بواسطة

 كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين

المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)


في هذه الصفحة :

  1. قول المتكلمين في الجسم
  2. الإختلاف في الجوهر ومعناه
  3. هل الجواهر جنس واحد
  4. الإختلاف فيما يجوز على الجواهر
  5. قولهم في اليد وما يجوز عليها
  6. قولهم في اجتماع الجسم وتجزئته
  7. هل يجوز أن يحل الجسم الواحد حركتان

1 – قول المتكلمين في الجسم

اختلف المتكلمين في الجسم ماهو؟ على اثنتي عشرة مقالة:
1 – فقال قائلون: الجسم هو ما احتمل الأعراض كالحركات والسكون وما أشبه ذلك فلا جسم إلا ما احتمل الأعراض ولا ما يحتمل أن تحل الأعراض فيه إلا جسم.
وزعموا أن الجزء الذي لا يتجزأ جسم يحتمل الأعراض وكذلك معنى الجوهر أنه يحتمل الأعراض وهذا قول أبي الحسين الصالحي.
وزعم صاحب هذا القول أن الجزء محتمل لجميع أجناس الأعراض غير أن التأليف لا يسمى حتى يكون تأليف آخر ولكن أحدهما قد يجوز على الجزء ولا نسميه تأليفاً اتباعاً للغة.
قالوا: وذلك أن أهل اللغة لم يجيزوا مماسة لا شيء قالوا: فإنما سمي ذلك عند مجامعة الآخر له وإلا فحظه من ذلك قد يقدر الله – سبحانه – أن يحدثه فيه وإن لم يكن آخر معه إذا كان يقوم به ولا يقوم بأخيه. وشبهوا ذلك بالإنسان يحرك أسنانه فإن كان فيه شيء فذلك مضغ وإن لم يكن في فيه شيء لم يسم ذلك مضغاً.
2 – وقال قائلون: الجسم إنما كان جسماً للتأليف والاجتماع وزعم هؤلاء أن الجزء الذي لا يتجزأ إذا جامع جزءاً آخر لا يتجزأ فكل واحد منهما جسم في حال الاجتماع لأنه مؤتلف بالآخر فإذا افترقا لم يكونا ولا واحد منهما جسماً وهذا قول بعض البغداديين وأظنه عيسى الصوفي.

3 – وقال قائلون: معنى الجسم أنه مؤتلف وأقل الأجسام جزءان ويزعمون أن الجزأين إذا تألفا فليس كل واحد منهما جسماً ولكن الجسم هو الجزءان جميعاً وأنه يستحيل أن يكون التركيب في واحد والواحد يحتمل اللون والطعم والرائحة وجميع الأعراض إلا التركيب وأحسب هذا القول للإسكافي.
وزعموا أن قول القائل: “يجوز أن يجمع إليهما ثالث”، خطأ محال لأن كل واحد منهما مشغل لصاحبه وإذا أشغله لم يكن للآخر مكان لأنه إن كان جزءان مكانهما واحد فقد ماس الشيء أكثر من قدره ولو جاز ذلك جاز أن تكون الدنيا تدخل في قبضة فلهذا قال: “لا يماس الشيء أكثر من قدره” وهذا قول أبي بشر صالح بن أبي صالح ومن وافقه.
4 – وقال أبو الهذيل: الجسم هو ما له يمين وشمال وظهر وبطن وأعلى وأسفل وأقل ما يكون الجسم ستة أجزاء أحدهما يمين والآخر شمال وأحدهما ظهر والآخر بطن وأحدهما أعلى والآخر أسفل وأن الجزء الواحد الذي لا يتجزأ يماس ستة أمثاله وأنه يتحرك ويسكن ويجامع غيره ويجوز عليه الكون والمماسة ولا يحتمل اللون والطعم والرائحة ولا شيئاً من الأعراض غير ما ذكرنا حتى تجتمع هذه الستة الأجزاء فإذا اجتمعت فهي الجسم وحينئذ يحتمل ما وصفنا.
5 – وزعم بعض المتكلمين أن الجزأين اللذين لا يتجزأان يحلهما جميعاً التأليف وأن التأليف الواحد يكون في مكانين وهذا قول الجبائي.
6 – وقال معمر: الجسم هو الطويل العريض العميق وأقل الأجسام ثمانية أجزاء فإذا اجتمعت الأجزاء وجبت الأعراض وهي تفعلها بإيجاب الطبع وأن كل جزء يفعل في نفسه ما يحله من الأعراض وزعم أنه إذا انضم جزء إلى جزء حدث طول وأن العرض يكون بانضمام جزأين إليهما وأن العمق يحدث بأن يطبق على أربعة أجزاء أربعة أجزاء فتكون الثمانية الأجزاء جسماً عريضاً طويلاً عميقاً.
7 – وقال هشام بن عمر الفوطي: إن الجسم ستة وثلاثون جزءاً لا يتجزأ وذلك أنه جعله ستة أركان وجعل كل ركن منه ستة أجزاء فالذي قال أبو الهذيل: إنه جزء جعله هشام ركناً وزعم أن الأجزاء لا تجوز عليها المماسة وأن المماسات للأركان وأن الأركان التي كل ركن منها ستة أجزاء ليست الستة الأجزاء مماسة ولا مباينة ولا يجوز ذلك إلا على الأركان فإذا كان كذلك

فهو محتمل لجميع الأعراض من اللون والطعم والرائحة والخشونة واللين والبرودة وما أشبه ذلك.
8 – وقال قائلون: الجسم الذي سماه أهل اللغة جسماً هو ما كان طويلاً عريضاً عميقاً ولم يحدوا في ذلك عدداً من الأجزاء وإن كان لأجزاء الجسم عدد معلوم.
9 – وقال هشام بن الحكم: معنى الجسم أنه موجود وكان يقول: إنما أريد بقولي جسم أنه موجود وأنه شيء وأنه قائم بنفسه.
10 – وقال النظام: الجسم هو الطويل العريض العميق وليس لأجزائه عدد يوقف عليه وأنه لا نصف وقال عباد بن سليمان: الجسم هو الجوهر والأعراض التي لا ينفك منها وما كان قد ينفك منها من الأعراض فليس ذلك من الجسم بل ذلك غير الجسم وكان يقول: الجسم هو المكان ويعتل في البارئ تعالى أنه ليس بجسم بأنه لو كان جسماً لكان مكاناً ويعتل أيضاً بأنه لو كان جسماً لكان له نصف.
12 – وقال ضرار بن عمرو: الجسم أعراض ألفت وجمعت فقامت وثبتت فصارت جسماً يحتمل العراض إذا حل والتغيير من حال إلى حال وتلك الأعراض هي ما لا تخلو الأجسام منه أو من ضده نحو الحياة والموت اللذين لا يخلو الجسم من واحد منهما والألوان والطعوم التي لا ينفك من واحد من جنسها وكذلك الزنة كالثقل والخفة وكذلك الخشونة واللين والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذلك الصمد.
فأما ما ينفك منه ومن ضده فليس ببعض له عنده وذلك كالقدرة والألم والعلم والجهل.
وليس يجوز عنده أن تجتمع هذه الأعراض وتصير أجساداً بعد وجودها ومحال أن يفعل بها ذلك إلا في حال ابتدائها لأنها لا تخرج إلى الوجود إلا مجتمعة وقد يمكن أن يجتمع عنده كلها وهي موجودة ومحال أن يفترق كلها وهي موجودة لأنها لو افترقت مع الوجود لكان اللون موجوداً لا لملون والحياة موجودة لا لحي فإذا قلت له: فليس يجوز على هذا القياس عليها الافتراق قال مرة: افتراقها فناؤها وقال مرة: الافتراق يجوز على الجسمين فأما أبعاض الجسم مع الوجود فلا.
وقد يجوز عنده أن يفنى بعض الجسم وهو موجود على أن يجعل مكانه

ضده فإن لم يختلف الضدان يفنى مع البعض وليس يجوز عنده أن يفنى الأكثر ولا النصف على هذه الشريطة لأن الحكم فيما زعم للأغلب فإذا كان الأغلب باقياً كانت سمة الجسم باقية وإذا ارتفع الأغلب لم تبق السمة على الأقل وقد يجوز عنده أن يفني الله بعضه ويحدث ضده وهو متحرك فيكون الكل الذي منه البعض الحادث في حال وجود الحركة متحركاً بتلك الحركة وكذلك لو كان ساكناً ومحال أن تقع الحركة عنده على شيء من الأعراض وإنما تقع على الجسم الذي هو أعراض مجتمعة.
13 – وزعم سليمان بن جرير أن الاستطاعة هي أحد أبعاض الجسم كاللون والطعم وأنها مجاورة للجسم[1].

2 – الإختلاف في الجوهر ومعناه

واختلف الناس في الجوهر وفي معناه على أربعة أقاويل:
1 – فقالت النصارى: الجوهر هو القائم بذاته وكل قائم بذاته فجوهر وكل جوهر فقائم بذاته.
2 – وقال بعض المتفلسفة: الجوهر هو القائم بالذات القابل للمتضادات.
3 – وقال قائلون: الجوهر ما إذا وجد كان حاملاً للأعراض.
وزعم صاحب هذا القول أن الجواهر جواهر بأنفسها وأنها تعلم جواهر قبل أن تكون.
والقائل بهذا القول هو الجبائي.
4 – وقال الصالحي: الجوهر هو ما احتمل الأعراض وقد يجوز عنده ن يوجد الجوهر ولا يخلق الله فيه عرضاً ولا يكون محلاً للأعراض إلا أنه محتمل لها.

3 – قولهم في الجواهر

واختلفوا في الجواهر هل هي كلها أجسام أو قد يجوز وجود جواهر ليست بأجسام؟ على ثلاثة أقاويل:

1 – فقال قائلون: ليس كل جوهر جسماً والجوهر الواحد الذي لا ينقسم محال أن يكون جسماً لأن الجسم هو الطويل العريض العميق وليس الجوهر الواحد كذلك وهذا قول أبي الهذيل ومعمر وإلى هذا القول يذهب الجبائي.
2 – وقال قائلون: لا جوهر إلا جسم وهذا قول الصالحي.
3 – وقال قائلون: الجواهر على ضربين: جواهر مركبة وجواهر بسيطة غير مركبة فما ليس بمركب من الجواهر فليس بجسم وما هو مركب منها فجسم.

4 – هل الجواهر جنس واحد

واختلف الناس: هل الجواهر جنس واحد؟ وهل جوهر العالم جوهر واحد؟ على سبعة أقاويل:
1 – فقال قائلون: جوهر العالم جوهر واحد وأن الجواهر إنما تختلف وتتفق بما فيها من الأعراض وكذلك تغايرها بالأعراض إنما تتغاير بغيرية يجوز ارتفاعها فتكون الجواهر عيناً واحدة شيئاً واحداً وهذا قول أصحاب أرسطاطاليس.
2 – وقال قائلون: الجواهر على جنس واحد وهي بأنفسها جواهر وهي متغايرة بأنفسها ومتفقة بأنفسها وليست تختلف في الحقيقة والقائل بهذا هو الجبائي.
3 – وقال قائلون: الجوهر جنسان مختلفان أحدهما نور والآخر ظلمة وأنهما متضادان وأن النور كله جنس واحد والظلام كله جنس واحد وهم أهل التثنية وذكر عن بعضهم أن كل واحد منهما خمسة أجناس من سواد وبياض وحمرة وصفرة وخضرة.
4 – وقال قائلون: الجواهر ثلاثة أجناس مختلفة وهو المرقونية.
5 – وقال بعضهم: الجواهر أربعة أجناس متضادة من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وهم أصحاب الطبائع.
6 – وقال بعضهم: الجواهر خمسة أجناس متضادة أربع طبائع وروح.

7 – وقال قائلون: الجواهر أجناس متضادة منها بياض ومنها سواد وصفرة وحمرة وخضرة ومنها حرارة ومنها برودة ومنها حلاوة ومنها حموضة ومنها روائح ومنها طعوم ومنها رطوبة ومنها يبوسة ومنها صور ومنها أرواح وكان يقول: الحيوان كله جنس واحد وهذا قول النظام.

5 – الإختلاف فيما يجوز على الجواهر

واختلفوا في الجواهر هل يجوز على جميعها ما يجوز على بعضها؟ وهل يجوز أن يحل الجوهر الواحد ما يجوز أن يحل الجواهر جميعها وهل يجوز وجودها ولا أعراض فيها أم يستحيل ذلك؟
1 – فقال قائلون: يجوز على الواحد من الجواهر ما يجوز على جميعها من الأعراض من الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر وأجازوا حلول ذلك أجمع في الجزء الذي لا يتجزأ إذا كان منفرداً وأجازوا حلول القدرة والعلم والسمع والبصر مع الموت ومنعوا حلول الحياة مع الموت في وقت واحد قالوا لأن الحياة تضاد الموت ولا تضاد القدرة الموت لأن القدرة لو ضادت الموت لضاد العجز الحياة لأن ما ضاد شيئاً عندهم فضده مضاد لضده وزعموا أن الإدراك جائز كونه عندهم مع العمى ومنعوا كون البصر مع العمى لأن البصر عندهم مضاد للعمى وزعموا أن الحياة لا تضاد الجمادية وأنه جائز أن يخلق الله مع الجمادية حياة.
وجوزوا أن يعري الله الجواهر من الأعراض وأن يخلقها لا أعراض فيها والقائلون بهذا القول أصحاب أبي الحسين الصالحي وكان أبو الحسين يذهب إلى هذا القول وجوز أبو الحسين الصالحي أن يجمع الله بين الحجر الثقيل والجو أوقاتاً كثيرة ولا يخلق هبوطاً ولا ضد الهبوط وأن يجمع بين القطن والنار وهما على ما هما عليه ولا يخلق إحراقاً ولا ضد الإحراق وأن يجمع بين البصر الصحيح والمرئي مع عدم الآفات ولا يخلق إدراكاً ولا ضد الإدراك وأحالوا أن يجمع الله بين المتضادات وجوزوا أن يعدم الله قدرة الإنسان مع وجود حياته فيكون حياً غير قادر وأن يفني حياته مع وجود قدرته وعلمه فيكون عالماً قادراً ميتاً وجوزوا أن يرفع الله تعالى ثقل السموات والأرضين من غير أن ينقص شيئاً من أجزائهما حتى يكونا أخف من ريشة وأحال أن يوجد الله تعالى أعراضاً لا في

مكان وأحال أن يفني الله قدرة الإنسان مع وجود فعله فيكون فاعلاً بقدرة وهي معدومة.
2 – وقال قائلون: لا يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم ما يجوز على الأجسام ولا يجوز أن يتحرك الجوهر الواحد ولا أن يسكن ولا أن ينفرد ولا أن يماس ولا أن يجامع ولا أن يفارق وهذا قول هشام وعباد وأحال عباد أن يوجد حي لا قادر وأن يوجد الجسم مع عدم الأعراض كلها وأحال أن يوجد الفعل من الإنسان مع العجز بقدرة وقد عدمت.
3 – وقال قائلون: يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم إذا انفرد ما يجوز على الأجسام من الحركة والسكون وما يتولد عنهما من المجامعة والمفارقة وسائر ما يتولد عنهما مما يفعل الآدميون كهيئته فأما الألوان والطعوم والأراييح والحياة والموت وما أشبه ذلك فلا يجوز حلوله في الجوهر ولا يجوز حلول ذلك إلا في الأجسام وأن الجسم إذا تحرك ففي جميع أجزائه حركة واحدة تنقسم على الأجزاء وأحال قائلو هذا القول أن يعري الله الجوهر من الأعراض والقائل بهذا القول أبو الهذيل وكان يقول أن الإدراك يحل في القلب لا في العين وهو علم الاضطرار.
4 – وقال قائلون: يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم ما يجوز على الجسم من الحركة والسكون واللون والطعم والرائحة إذا انفرد وأحالوا حلول القدرة والعلم والحياة فيه إذا انفرد وجوزوا أن يخلق الله حياً لا قدرة فيه وأحالوا تعري الجوهر من الأعراض والقائل بهذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي.
5 – وأحال سائر أهل الكلام – غير صالح والصالحي – أن يجمع الله بين العلم والقدرة والموت والجمادية والحياة والقدرة.
فأما الجمع بين الحجر الثقيل والجو أوقاتاً كثيرة من غير أن يخلق انحداراً وهبوطاً بل يحدث سكوناً والجمع بين النار والقطن من غير أن يحدث احتراقاً بل يحدث ضد ذلك فقد جوز ذلك أبو الهذيل والجبائي وكثير من أهل الكلام وغلا أبو الهذيل في هذا الباب غلواً كبيراً حتى جوز اجتماع الفعل المباشر والموت واجتماع الإدراك والعمى واجتماع الخرس الذي هو منع عجز الكلام مع الكلام وجوز وجود أقل قليل المشي مع الزمانة كما جوز وجود أقل قليل الكلام مع الخرس ولم يجوز وجود العلم مع الموت ولا جوز وجود القدرة مع الموت ولا جوز وجود الإدراك مع الموت.

فأما وجود الإدراك مع العمى فقد جوز ذلك بعض المتكلمين وقد حكي أن أبا الهذيل كان ينكر أن توجد الإرادة بقدرة معدومة حتى يكون العجز مجامعاً لها. وكان الإسكافي ينكر كل الفعل المباشر الذي يحل في الإنسان بقوة معدومة وأن يكون مجامعاً لعجز الإنسان ويجيز أن يجامع الفعل المتولد العجز والموت ويجوز اجتماع النار والحطب أوقاتاً من غير أن يحدث الله – سبحانه – إحراقاً وأن يثبت الحجر أوقاتاً كثيرة من غير أن يحدث الله – سبحانه – فيه هبوطاً وينكر اجتماع الإدراك مع العمى والكلام والخرس والمشي والزمانة والعلم والموت والقدرة والموت ويحيل أن يفرد الله الحياة من القدرة حتى يكون الإنسان حياً غير قادر.

6 – قولهم في اليد وما يجوز عليها


واختلفوا هل يجوز أن يحل اليد علم وإدراك وقدرة على العلم أم لا يجوز ذلك؟
1 – فجوز ذلك بعض المتكلمين منهم الإسكافي وغيره وأنكره بعضهم وأحاله إلا أن تنقض بنية اليد وتحول عما هي عليه منهم الجبائي.
2 – وأنكر كثير من أهل الكلام ما حكينا من مجامعة الحجر الجو أوقاتاً من غير أن يحدث الله – سبحانه – انحداراً ومجامعة النار الحطب أوقاتاً من غير أن يحدث الله إحراقاً وكذلك أنكروا كون الإدراك مع العمى والكلام مع الخرس ووقوع الفعل ي بقدرة معدومة ووجود الزمانة مع المشي ووجود العلم مع الموت ويحيلون أن يفرد الحياة من القدرة حتى يكون الإنسان حياً غير قادر وهذا قول بعض البغداديين الخياط وغيره.

7 – قولهم في اجتماع الجسم وتجزئته


واختلف الناس في الجسم: هل يجوز أن يتفرق أو يبطل ما فيه من الاجتماع حتى يصير جزءاً لا يتجزأ أم لا يجوز ذلك وفيما يحل في الجسم على أربع عشرة مقالة.

1 – فقال أبو الهذيل: إن الجسم يجوز أن يفرقه الله – سبحانه – ويبطل ما فيه من الاجتماع حتى يصير جزءاً لا يتجزأ وأن الجزء الذي لا يتجزأ لا طول له ولا عرض له ولا عمق له ولا اجتماع فيه ولا افتراق وأنه قد يجوز أن يجامع غيره وأن يفارق غيره وأن الخردلة يجوز أن تتجزأ نصفين ثم أربعة ثم ثمانية إلى أن يصير كل جزء منها لا يتجزأ.
وأجاز أبو الهذيل على الجزء الذي لا يتجزأ الحركة والسكون والانفراد وأن يماس ستة أمثاله بنفسه وأن يجامع غيره ويفارق غيره وأن يفرد الله فتراه العيون ويخلق فينا رؤية له وإدراكاً له ولم يجز عليه اللون والطعم والرائحة والحياة والقدرة والعلم وقال: لا يجوز ذلك إلا للجسم وأجاز عليه من الأعراض ما وصفنا.
وكان الجبائي يثبت الجزء الذي لا يتجزأ ويقول: إنه يلقي بنفسه ستة أمثاله ويجيز عليه الحركة والسكون واللون والكون والمماسة والطعم والرائحة إذا كان منفرداً وينكر أن يحله طول أو تأليف وهو منفرد أو يحله علم أو قدرة أو حياة وهو منفرد.
وكان أبو الهذيل ينكر أن يكون الجسم طويلاً أو عريضاً أو عميقاً مؤتلفاً ويقول أنه يجتمع شيئان ليس كل واحد منهما طويلاً فيكون طويلاً واحداً.
2 – وقال هشام الفوطي بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ غير أنه لم يجز عليه أن يماس أو يباين أو يرى وأجاز على أركان الجسم ذلك والركن ستة أجزاء عنده والجسم من ستة أركان وقد حكينا ذلك فيما تقدم عند وصفنا أقاويل الناس في الجسم.
3 – وحكى النظام في كتابه الجزء أن زاعمين زعموا أن الجزء الذي لا يتجزأ شيء لا طول له ولا عرض ولا عمق وليس بذي جهات ولا مما يشغل الأماكن ولا مما يسكن ولا مما يتحرك ولا يجوز عليه أن ينفرد وهذا القول يذهب إليه عباد بن سليمان ويقول أن الجزء لا يجوز عليه الحركة والسكون والكون والإشغال للأماكن وليس بذي جهات ولا يجوز عليه الانفراد ويقول معنى الجزء أن له نصفاً وأن النصف له نصف.
4 – وحكى النظام أن قائلين قالوا: إن الجزء له جهة واحدة وكنحو ما يظهر من الأشياء وهي الصفحة التي تلقاك منها.
5 – وحكى النظام أيضاً أن قائلين قالوا: الجزء له ست جهات هي أعراض فيه

وهي غيره وهو لا يتجزأ وأعراضه غيره وعليه وقع العدد وهو لا يتجزأ من جهاته الأعلى والأسفل واليمين والشمال والقدام والخلف.
6 – وحكى أن آخرين قالوا: إن الجزء قائم إلا أنه لا يقوم بنفسه ولا يقوم بشيء من الأشياء أقل من ثمانية أجزاء لا تتجزأ فمن سأل عن جزء منها فإنما يسأل عن إفراده وهو لا ينفرد ولكنه يعلم والكلام على الثمانية وذلك أن الثمانية لها طول وعرض وعمق فالطول جزءان والطول إلى الطول بسيط له طول وعرض والبسيط إلى البسيط جهة لها طول وعرض وعمق.
7 – وحكي أن آخرين قالوا: تتجزأ الأجزاء حتى تنتهي إلى جزأين فإذا هئت[2] لقطعهما أفناهما القطع وإن توهمت واحداً منهما لم تجده في وهمك ومتى فرقت بينهما بالوهم وغير ذلك لم تجد إلا فناءهما هذا آخر ما حكاه النظام.
8 – وقال صالح قبة بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ وأحال أن يلقي الجزء ستة أمثاله أو مثليه وقال: يستحيل أن يلقى الجزء الواحد جزأين وجوز أن يحله جميع الأعراض إلا التركيب وحده.
9 – وجوز أبو الحسين الصالحي على الجزء الذي لا يتجزأ الأعراض كلها وأنه قد يحله المعنى الذي إذا جامع غيره سمي المعنى تركيباً ولكن لا نسميه تركيباً إتباعا للغة.
10 – وزعم ضرار وحفص الفرد والحسين النجار أن الأجزاء هي اللون والطعم والحر والبرد والخشونة واللين وهذه الأشياء المجتمعة هي الجسم وليس للأجزاء معنى غير هذه الأشياء وأن قل ما يوجد من الأجزاء عشرة أجزاء وهو أقل قليل الجسم وأن هذه الأشياء متجاورة ألطف مجاورة وأنكروا المداخلة.
11 – وقال معمر: أن الإنسان جزء لا يتجزأ وأجاز أن يحل فيه العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة ولم يجز أن يحل فيه المماسة والمباينة والحركة والسكون واللون والطعم والرائحة.
12 – وقال النظام: لا جزء لا وله جزء ولا بعض إلا وله بعض ولا نصف إلا وله نصف وإن الجزء جائز تجزئته أبدا ولا غاية من باب التجزؤ.

13 – وقال بعض المتفلسفة: إن الجزء يتجزأ ولتجزئته غاية في الفعل فأما في القوة والإمكان فليس لتجزئته غاية.
14 – وشك شاكون فقالوا: لا ندري أيتجزأ الجزء أم لا يتجزأ.
15 – وقال قائلون ممن أثبت الجزء الذي لا يتجزأ: للجزء طول في نفسه بقدره ولولا ذلك لم يجز أن يكون الجسم طويلاً أبداً لأنه إذا جمع بين ما لا طول له وبين ما لا طول له لم يحدث له طول أبداً.

8 – هل يجوز أن يحل الجسم الواحد حركتان


واختلفوا في الجزء الواحد: هل يجوز أن يحله حركتان أم لا؟ وهل يجوز أن يحله لونان وقوتان أم لا؟
1 – فقال قائلون: لا يجوز أن يحل الجزء الواحد حركتان وهذا قول أبي الهذيل وأكثر من يثبت الجزء الذي لا يتجزأ.
2 – وقال قائلون: الجزء الواحد قد يجوز أن يحله حركتان وذلك إذا دفع الحجر دافعان حل كل جزء منه حركتان معاً والقائل بهذا القول هو الجبائي.
3 – وقال أبو الهذيل: إنها حركة واحدة تنقسم على الفاعلين فهي حركة واحدة لأجزاء كثيرة فعلان متغايران وزعم أن الأعراض تنقسم بالمكان أو بالزمان أو بالفاعلين فزعم أن حركة الجسم تنقسم على عدد أجزائه وكذلك لونه فما حل هذا الجزء من الحركة غير ما حل الجزء الآخر وأن الحركة تنقسم بالزمان فيكون ما وجد في هذا الزمان غير ما يوجد في الآخر وأن الحركة تنقسم بالفاعلين فيكون فعل هذا الفاعل غير الفاعل الآخر.
4 – وأنكر الجبائي وغيره من أهل النظر أن تكون الحركة الواحدة تنقسم أو تتجزأ أو أن تتبعض أو أن يكون حركة أو لون أو قوة لأحد الأشياء وقال أن الجسم إذا تحرك ففيه من الحركات بعدد أجزاء المتحرك في كل جزء حركة وكذلك قوله في اللون وفي سائر الأعراض.
5 – وقد أنكر قوم أن يحل الجزء الواحد حركتان وطولان؟ وجوزوا أن يحله لونان منهم الإسكافي وجوز الإسكافي أن يحل الجزء الذي لا يتجزأ لونان وقوتان حتى جوز أن يحل الجزء الذي لا يتجزأ لون السماء بكمالها.

6 – وقال قائلون: قد يجوز أن يحله لونان وقوتان على ما يحتمل فأما لون السماء فلا يحتمله.
7 – وقال قائلون: محال أن يكون عرضان في موضع واحد وهما في الجسم على المجاورة وزعموا أن القوة والحركة عرضان في موضع واحد.
8 – وقال قائلون: لا يجوز أن يحل الجزء الواحد حركتان ولا يجوز أن يحله لونان وكذلك قالوا في سائر الأعراض ولا يجوز أن يحل الجزء الواحد الذي لا يتجزأ من جنس واحد عرضان.
9 – وقال قائلون: يجوز أن يحل الجزء الواحد قدرتان على مقدور واحد وأنكر ذلك غيرهم.
10 – وقال عباد بن سليمان أنه قد يجوز أن يجتمع في الجسم ألمان ولذتان وأنه قد يجوز أن يحله تأليفان وأكثر من ذلك فيكون هو بأحدهما مؤلفاً مع غيره وبالآخر مؤلفاً مع غيره.
11 – وأنكر قوم أن يحل الجزء الواحد عرضان.


[1] ذكر المؤلف أن عدد المقالات هو اثنتا عشرة مقالة ويبدو أن هذه زائدة عليها.

[2] هئت: هئت لك: رويت عن ابن عباس “رضي الله عنه” بالهمز وكسر الراء من الهيئة كأنها قالت: تهيأت لك وهيت لك: أقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *