كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين
المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)
المعتزلة
155 – القول في الوجه
وأما الوجه فإن المعتزلة قالت فيه قولين:
1 – قال بعضهم وهو أبو الهذيل: وجه الله هو الله.
2 – وقال غيره: معنى قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] ويبقى ربك من غير أن يكون يثبت وجهاً يقال أنه هو الله ولا يقال ذلك فيه.
156 – حكايات اختلاف الناس في الأسماء والصفات
قد ذكرنا قول من قال: أن الله لم يزل لا عالماً ولا قادراً ولا سميعاً ولا بصيراً وقول من قال: لم يزل الله عالماً قادراً حياً.
فأما الذين أنكروا أن يكون الله لم يزل عالماً وقالوا: لا يعلم ما يكون قبل أن يكون فإنهم افترقوا في القول: “لم يزل حياً” فرقتين:
1 – فرقة قالت: لم يزل الله حياً؟
2 – وفرقة أنكرت ذلك أيضاً وأنكرت أن يكون الله – سبحانه – لم يزل رباً إلهاً.
157 – اختلاف الذين قالوا: لا يعلم الله الشيء حتى يكون
وافترق الذين قالوا: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون على خمس عشرة مقالة:
1 – فقالت السكاكية: أن الله عالم في نفسه وأن الوصف له بالعلم من صفات ذاته غير أنه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشيء فإذا كان قيل عالم به
وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشيء ليس وليس يصح العلم بما ليس.
2 – وقال فريق آخر: أن الله لم يزل عالماً والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشيء حتى يكون كما أن الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال: أنه بصير بالشيء حتى يلاقيه ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال: الإنسان عاقل ولا يقال: عقل الشيء ما لم يرد عليه.
3 – وقال “شيطان الطاق”: أن الله لا يعلم شيئاً حتى يؤثر أثره ويقدره والتأثير عندهم التقدير والتقدير لإرادة فإذا أراد الشيء فقد علمه وإذا لم يرد فلم يعلمه ومعنى أراده عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك تلك الحركة علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.
4 – وقال قائلون: لا يعلم الشيء حتى يحدث الإرادة فإن أحدث الإرادة لأن يكون كان عالماً بأنه يكون وإن أحدث الإرادة لأن لا يكون كان عالماً بأنه لا يكون وإن لم يحدث إرادة لأن يكون ولا إرادة لأن لا يكون لم يكن عالماً بأنه يكون ولا عالماً بأنه لا يكون.
5 – ومن الروافض من يقول: معنى أن الله يعلم معنى أنه يفعل فإن قيل لهم فلم يزل عالماً بنفسه قال بعضهم: لم يكن يعلم نفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل وقال بعضهم: لم يزل يعلم نفسه فإن قيل لهم: فلم يزل يفعل قالوا: نعم ولم يقولوا بقدم الفعل.
6 – ومن الروافض من يقول أن الله تبدو له البدوات وأنه يريد أن يفعل ثم لا يفعل لما يحدث له من البداء.
7 – وقال بعض الروافض: ما علمه الله – سبحانه – أنه يكون وأطلع عليه أحداً من خلقه فلا يجوز أن يبدو له فيه وما علمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز أن يبدو له فيه.
8 – وقال بعضهم: جائز عليه البدء فيما علم أنه يكون وأخبر أنه يكون حتى لا يكون ما أخبر أنه.
9 – وقالت طائفة من أهل التشبيه أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها لأنه لو علم من يطيع ممن يعصي حال بين العاصي وبين المعصية.
158 – هل يعلم الشيء من غير أن يلابسه؟
واختلفوا أيضاً في باب آخر: هل يعلم الشيء من غير أن يلابسه أم لا؟
1 – فقال هشام بن الحكم الرافضي: أن الله – سبحانه – علم ما تحت الأرض بالشعاع المتصل الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما هناك بشعاعه ما دري ما هناك.
2 – وقال قائلون: أن الله يعلم الأشياء على المماسة وقد يعلم ما لا يماسه.
3 – وحكي عن هشام بن الحكم أنه قال أن العلم صفة لله وليس هي هو ولا غيره ولا بعضه وأنه لا يجوز أن يقال له محدث ولا يقال له قديم لأن الصفة لا توصف عنده وكذلك قوله في سائر صفاته من القدرة والإرادة والحياة وسائر ذلك أنها لا هي الله ولا هي غيره ولا هي قديمة ولا محدثة.
4 – وقال الجهم: أن علم الله محدث هو أحدثه فعلم به وأنه غير الله وقد يجوز عنده أن يكون الله -عز وجل- عالماً بالأشياء كلها قبل وجودها بعلم محدث بها.
وحكي عن الجهم خلاف هذا وأنه كان لا يقول أن الله يعلم الأشياء قبل أن تكون لأنها قبل أن تكون ليست بأشياء فتعلم أو تجهل وألزمه مخالفوه أن لله – سبحانه – علماً محدثاً.
وهذه حكاية أقاويل الناس في المحكم والمتشابه
159 – قول المعتزلة في المحكم والمتشابه
اختلفت المعتزلة في محكم القرآن ومتشابهه:
1 – فقال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد: المحكمات ما أعلم الله – سبحانه – من عقابه للفساق كقوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} [النساء: 93] وما أشبه ذلك من آي الوعيد وقوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] يقول: أخفى الله عن العباد عقابه عليها ولم يبين أنه يعذب عليها كما بين في المحكم منه.
2 – وقال أبو بكر الأصم: محكمات يعني حججاً واضحة لا حاجة لمن يتعمد إلى طلب معانيها كنحو ما أخبر الله – سبحانه – عن الأمم التي مضت ممن عاقبها وما يثبت عقابها وكنحو ما أخبر عن مشركي العرب أنه خلقهم من النطفة وأنه أخرج لهم من الماء فاكهة وأباً وما أشبه ذلك فهذا محكم كله فقال: قال الله – سبحانه -: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] أي الأصل الذي لو فكرتم فيه عرفتم أن كل شيء جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم حق من عند الله – سبحانه – {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] وهو كنحو ما أنزل الله من أنه يبعث الأموات ويأتي بالساعة وينتقم ممن عصاه أو ترك آية أو نسخها مما لا يدركونه إلا شبهة حتى يكون منهم النظر فيعلمون أن لله أن يعذبهم متى شاء وينقلهم إلى ما شاء.
3 – وقال الإسكافي في قول الله تعالى: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] قال: هي التي لا تأويل لها غير تنزيلها ولا يحتمل ظاهرها الوجوه المختلفة وأخر متشابهات وهي الآيات التي يحتمل ظاهرها في السمع المعاني المختلفة.
4 – وذهب بعض الناس في قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] إلى ما اشتبه على اليهود من قول الله -عز وجل- ألم وألمر وألر وألمص.
5 – وذهب بعضهم إلى اشتباه القصص التي في القرآن.
160 – الإختلاف في علم المتشابه
واختلفوا في تأويل قوله : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7].
1 – فقال قائلون: ليس يعلم تأويل المتشابه إلا الله ولم يطلع عليه أحداً.
2 – وقال قائلون: قد يعلمه الراسخون في العلم وأن هذا القول عطف واحتجوا بقول الشاعر:
لريح يبكي شجوه … والبرق يلمع في غمامه
قالوا: فالبرق معطوف على الريح.
161 – قول المعتزلة في القراءة
وأجمعت المعتزلة على أن قراءة القرآن غير المقروء واختلفوا هل القراءة حكاية للقرآن أم لا؟
1 – فمنهم من قال: هي حكاية.
2 – ومنهم من قال: لا.
162 – اختلافهم في جواز اللفظ بالقرآن
واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يلفظ القرآن أم لا؟
1 – فقال قائلون: يلفظ به كما يقرأ.
2 – وقال الإسكافي: لا يجوز ذلك بل يقرأ القرآن ولا يلفظ به.
163 – اختلافهم في وجه الإعجاز
واختلفوا في نظم القرآن هل هو معجز أم لا؟ على ثلاثة أقاويل:
1 – فقالت المعتزلة إلا النظام وهشاماً الفوطي وعباد بن سليمان: تأليف القرآن ونظمه معجز محال وقوعه بينهم كاستحالة إحياء الموتى منهم وإنه علم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 – وقال النظام: الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم.
3 – وقال هشام وعباد: لا نقول أن شيئاً من الأعراض يدل على الله – سبحانه – ولا نقول أيضاً: أن عرضاً يدل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعلا القرآن علماً للنبي صلى الله عليه وسلم وزعما أن القرآن أعراض.
وأجمعت المعتزلة بأجمعها أنه لا يجوز قول النبي إلا بحجة وبرهان وأنه لا تلزم شرائعه إلا من شاهد أعلامه وانقطع عذره ممن بلغه شرائع الرسول صلى الله عليه وسلم وأجمعوا جميعاً أن الناس محجوجون بعقولهم من بلغه خبر الرسول ومن لم يبلغه.
164 – هل يرتكب النبي كبيرة؟
وأجمعت المعتزلة على أنه لا يجوز أن يبعث الله نبياً يكفر ويرتكب كبيرة ولا يجوز أن يبعث نبياً كان كافراً أو فاسقاً.
165 – هل تكون بعثة النبي خاصة؟
وأجمعت المعتزلة على أنه جائز أن يبعث نبياً إلى قوم دون قوم وأجمعت أن الملائكة أفضل من الأنبياء.
166 – قولهم في معاصي الأنبياء
وأجمعت أن معاصي الأنبياء لا تكون إلا صغاراً واختلفوا هل يجوز أن يأتي النبي المعاصي؟ وهل يعلم أنها معاص في حال ارتكابها أم لا؟ على مقالتين:
1 – فقال قائلون: لا يجوز أن يعلم في حال ارتكابه المعاصي أن ما يأتيه معصية ويعتمد ذلك.
2 – وقال قائلون جائز أن يعتمد ويركبها وهو يعلم أنها معاص إلا أنها لا تكون إلا صغائر.
167 – قولهم في دلالة الأعراض
واختلفوا في دلالة الأعراض وأفعال العباد على مقالتين:
1 – فمنهم من زعم أنها تدل على حدوث الجسم.
2 – وأبي هشام وعباد أن يكون ذلك يدل على الله -عز وجل-.
168 – هل النبوة جزاء أم لا؟
واختلفت المعتزلة هل النبوة جزاء أم لا
1 – فقال قائلون: هي ثواب وجزاء.
2 – وقال قائلون: ليست بجزاء ولا ثواب.