تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » كتاب البيوع

كتاب البيوع

  • بواسطة

منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين

تأليف الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله


الأصل فيها الحل ؛ قال تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } [ البقرة : 275 ] . فجميع الأعيان – من عقار وحيوان وأثاث وغيرها – يجوز إيقاع العقود عليها ، إذا تمت شروط البيع .

فمن أعظم الشروط : الرضى ؛ لقوله تعالى : { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } [ النساء : 29 ] ، إلا أن يكون فيها غرر وجهالة ؛ لأن النبي عليه الصلاة السلام { نهى عن بيع الغرر } . رواه مسلم .

فيدخل فيه بيع الآبق والشارد ، وأن يقول : بعتك إحدى السلعتين ، أو بمقدار ما تبلغ الحصاة من الأرض ونحوه ، أو ما تحمل أمته أو شجرته ، أو ما في بطن الحامل ، وسواء كان الغرر في الثمن أو المثمن ، وأن يكون العاقد مالكا للشيء ، أو له عليه ولاية ، وهو بالغ عاقل رشيد .

ومن شروط البيع أيضا : أن لا يكون فيه ربا ، عن عبادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، سواء بسواء ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى } . رواه مسلم .

فلا يباع مكيل بمكيل من جنسه إلا بهذين الشرطين ، ولا موزون بجنسه إلا كذلك ، وإن بيع مكيل بمكيل من غير جنسه أو موزون بموزون من غير جنسه : جاز بشرط التقابض قبل التفرق ، وإن بيع مكيل بموزون أو عكسه جاز ، ولو كان القبض بعد التفرق ، والجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل ، كما { نهى النبي عليه الصلاة السلام عن بيع المزابنة – وهو شراء التمر بالتمر في رؤوس النخل } . متفق عليه ، و { رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق للمحتاج للرطب ولا ثمن عنده يشتري به بخرصها } . رواه مسلم .

ومن الشروط : أن لا يقع العقد على محرم شرعا ، إما لعينه كما { نهى النبي عليه الصلاة السلام عن بيع الخمر والميتة والأصنام } . متفق عليه . وإما لما يترتب عليه من قطيعة المسلم ، كما { نهى النبي عليه الصلاة السلام عن البيع على بيع المسلم ، والشراء على شرائه والنجش } . متفق عليه .

ومن ذلك : نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفريق بين ذوي الرحم في الرقيق .

ومن ذلك : إذا كان المشتري يعلم منه أنه يفعل المعصية بما اشتراه كاشتراء الجوز والبيض للقمار ، أو السلاح للفتنة ، وعلى قطاع الطريق . ونهى النبي عليه الصلاة السلام عن تلقي الجلب ، فقال : { لا تلقوا الجلب ، فمن تلقى فاشترى منه ، فإذا أتى سيده السوق : فهو بالخيار } . رواه مسلم ، وقال : { من غشنا فليس منا } . رواه مسلم .

ومثل الربا الصريح : التحيل عليه بالعينة ، بأن يبيع سلعة بمائة إلى أجل ثمّ يشتريها من مشتريها بأقل منها نقدا أو بالعكس ، أو بالتحيل على قلب الدين أو التحيل على الربا بالقرض ، بأن يقرضه مائة ويشترط الانتفاع بشيء من ماله ، أو إعطائه عن ذلك عوضا ، فكل قرض جر نفعا فهو ربا .

ومن التحيل : بيع حلي فضة معه غيره بفضة ، أو مد عجوة ودرهم بدرهم ، { وسئل النبي عليه الصلاة السلام عن بيع التمر بالرطب ؟ فقال : ” أينقص إذا جف ؟ قالوا : نعم . فنهى عن ذلك } . رواه الخمسة . و { نهى عن بيع الصبرة من التمر ، لا يعلم مكيلها ، بالكيل المسمى من التمر } . رواه مسلم .

وأما بيع ما في الذمة : فإن كان على من هو عليه جاز ، وذلك بشرط قبض عوضه قبل التفرق ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم { لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء } . روه الخمسة . وإن كان على غيره لا يصح ؛ لأنه من الغرر .

باب بيع الأصول والثمار

قال صلى الله عليه وسلم { من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع ، إلا أن يشترطها المبتاع } . متفق عليه ، وكذلك سائر الأشجار إذا كان ثمره باديا ، ومثله إذا ظهر الزرع الذي لا يحصد إلا مرة ، فإن كان يحصد مرارا فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع : للبائع .

و { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، نهى البائع والمبتاع ” ، وسئل عن صلاحها ؟ فقال : ” حتى تذهب عاهته } ، وفي لفظ : { حتى تحمار أو تصفار } ، و { نهى عن بيع الحب حتى يشتد } . رواه أهل السنن ، وقال : { لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ، بم تأخذ مال أخيك بغير حق ؟ } . رواه مسلم .

باب الخيار وغيره

إذا وقع العقد صار لازما ، إلا لسبب من الأسباب الشرعية .

فمنها : خيار المجلس ، قال النبي عليه الصلاة السلام { إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا ، وكانا جميعا ، أو يخير أحدهما الآخر ، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك : فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع ، فقد وجب البيع } . متفق عليه .

ومنها : خيار الشرط ، إذا شرط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة ، قال صلى الله عليه وسلم { المسلمون عند شروطهم ، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا } . رواه أهل السنن .

ومنها : إذا غبن غبنا يخرج عن العادة ، إما بنجش أو تلقي جلب أو غيرها .

ومنها : خيار التدليس ، بأن يدلس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن كتصرية اللبن في ضرع بهيمة الأنعام ، قال صلى الله عليه وسلم { لا تصروا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر } . متفق عليه ، وفي لفظ : { فهو بالخيار ثلاثة أيام } .

وإذا اشترى معيبا لم يعلم عيبه ، فله الخيار بين رده وإمساكه ، فإن تعذر رده تعين أرشه ، وإذا اختلفا في الثمن تحالفا ولكل منهما الفسخ .

وقال صلى الله عليه وسلم { من أقال مسلما بيعته أقال الله عثرته } . رواه أبو داود وابن ماجه .

باب السلم

يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بجميع صفاته التي يختلف بها الثمن ، وذكر أجله ، وأعطاه الثمن قبل التفرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { قدم النبي عليه الصلاة السلام المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين ، فقال : من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم ، إلى أجل معلوم } . متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم { من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّاها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله } . رواه البخاري .

باب الرهن والضمان والكفالة

وهذه وثائق بالحقوق الثابتة .

فالرهن : يصح بكل عين يصح بيعها ، فتبقى أمانة عند المرتهن ، لا يضمنها إلا إن تعدى أو فرط كسائر الأمانات ، فإن حصل الوفاء التام انفك الرهن ، وإن لم يحصل ، وطلب صاحب الحق بيع الرهن وجب بيعه والوفاء من ثمنه ، وما بقي من الثمن بعد وفاء الحق فلربه ، وإن بقي من الدين شيء يبقى دينا مرسلا بلا رهن .

وإن أتلف الرهن أحد فعليه ضمانه يكون رهنا .

ونماؤه تبع له ، ومؤنته على ربه ، وليس للمرتهن ولا للراهن الانتفاع به إلا بإذن الآخر ، أو بإذن الشارع في قوله صلى الله عليه وسلم { الظهر يركب بنفقته ، إذا كان مرهونا ، ولبن الدر يشرب بنفقته ، إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة } . رواه البخاري .

والضمان : أن يضمن الحق عن الذي عليه .

والكفالة : أن يلتزم بإحضار بدن الخصم ، قال صلى الله عليه وسلم { الزعيم غارم } ، فكل منهما ضامن ، إلا إن قام بما التزم به ، أو أبرأه صاحب الحق ، أو برئ الأصيل . . والله أعلم .

باب الحجر لفلس أو غيره

ومن له الحق فعليه أن ينظر المعسر ، وينبغي له أن ييسر على الموسر ، ومن عليه الحق فعليه الوفاء كاملا بالقدر والصفات . قال صلى الله عليه وسلم { مطل الغني ظلم ، وإذا أحيل بدينه على مليء فليحتل } . متفق عليه ، وهذا من المياسرة .

فالمليء : هو القادر على الوفاء الذي ليس مماطلا ، ويمكن تحضيره لمجلس الحكم ، وإذا كانت الديون أكثر من مال الإنسان ، وطلب الغرماء أو بعضهم من الحاكم أن يحجر عليه ، حجر عليه ومنعه من التصرف في جميع ماله ، ثمّ يصفي ماله ويقسمه على الغرماء بقدر ديونهم ، ولا يقدم منهم إلا صاحب الرهن برهنه ، وقال صلى الله عليه وسلم { من أدرك ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره } . متفق عليه .

ويجب على ولي الصغير والسفيه والمجنون أن يمنعهم من التصرف في مالهم الذي يضرهم ، قال تعالى : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴿5﴾} [ النساء : 5 ] .

وعليه ألا يقرب مالهم إلا بالتي هي أحسن : من حفظه ، والتصرف النافع لهم ، والصرف عليهم منه ما يحتاجون إليه .

ووليهم : أبوهم الرشيد ، فإن لم يكن جعل الحاكم الولاية لأشفق من يكون من أقاربه وأعرفهم وآمنهم ، ومن كان غنيا فليستعفف ، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ، وهو الأقل من أجرة مثله أو كفايته .

باب الصلح

قال النبي عليه الصلاة السلام { الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا } . رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حسن صحيح . وصححه الحاكم .

فإذا صالحه عن عين بعين أخرى ، أو بدين جاز ، وإن كان له عليه دين فصالحه عنه بعين ، أو بدين قبضه قبل التفرق جاز ، أو صالحه على منفعة في عقاره أو غيره معلومة ، أو صالحه عن الدين المؤجل ببعضه حالا ، أو كان له عليه دين لا يعلمان مقداره فصالحه على شيء صح ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم { لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبه على جداره } . رواه البخاري .

باب الوكالة والشركة والمساقاة والمزارعة

كان النبي عليه الصلاة السلام يوكل في كل حوائجه الخاصة وحوائج المسلمين المتعلقة به ، فهي عقد جائز من الطرفين تدخل في جميع الأشياء التي تصلح النيابة فيها : من حقوق الله كتفريق الزكاة والكفارة ونحوها ، ومن حقوق الآدميين كالعقود والفسوخ وغيرها .

وما لا تدخله النيابة من الأمور التي تتعين على الإنسان وتتعلق ببدنه خاصة – كالصلاة والطهارة والحلف والقسم بين الزوجات ونحوها – لا تجوز الوكالة فيها .
ولا يتصرف الوكيل في غير ما أذن له فيه نطقا أو عرفا .

ويجوز التوكيل بجعل أو غيره ، وهو كسائر الأمناء ، لا ضمان عليهم إلا بالتعدي أو التفريط ، ويقبل قولهم في عدم ذلك باليمين .

ومن ادعى الرد من الأمناء ، فإن كان بجعل : لم يقبل إلا ببينة ، وإن كان متبرعا قبل قوله بيمينه ، وقال صلى الله عليه وسلم { يقول الله تعالى : أنا ثالث الشريكين ، ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان خرجت من بينهما } . رواه أبو داود .

فالشركة بجميع أنواعها كلها جائزة ، ويكون الملك فيها والربح بحسب ما يتفقان عليه إذا كان جزءا مشاعا معلوما .

فدخل في هذا ” شركة العنان ” وهي : أن يكون من كل منهما مال وعمل ، ” وشركة المضاربة ” : بأن يكون من أحدهما المال ومن الآخر العمل ، و ” شركة الوجوه ” : بما يأخذان بوجوههما من الناس و ” شركة الأبدان ” : بأن يشتركا بما يكتسبان بأبدانهما من المباحات من حشيش ونحوه ، وما يتقبلانه من الأعمال ، و ” شركة المفاوضة ” : وهي الجامعة لجميع ذلك ، وكلها جائزة .

ويفسدها إذا دخلها الظلم والغرر لأحدهما ، كأن يكون لأحدهما ربح وقت معين وللآخر ربح وقتٍ آخر ، أو ربح إحدى السلعتين أو إحدى السفرتين ، وما يشبه ذلك ، كما يفسد ذلك المساقاة والمزارعة ، وقال رافع بن خديج : { كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على الماذيانات ، وأقبال الجداول ، وأشياء من الزرع ، فيهلك هذا ويسلم هذا ، ويسلم هذا ويهلك هذا ، ولم يكن للناس كراء إلا هذا ، فلذلك زجر عنه ، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به } . رواه مسلم . و { عامل النبي عليه الصلاة السلام أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع } . متفق عليه .

فالمساقاة على الشجر : بأن يدفعها للعامل ويقوم عليها بجزء مشاع معلوم من الثمرة . والمزارعة : بأن يدفع الأرض لمن يزرعها بجزء مشاع معلوم من الزرع . وعلى كل منهما ما جرت العادة به ، والشرط الذي لا جهالة فيه .

ولو دفع دابته إلى آخر يعمل عليها وما حصل بينهما جاز .

باب إحياء الموات

وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم لها مالك ، فمن أحياها بحائط أو حفر بئر أو إجراء ماء إليها أو منع ما لا تزرع معه ، ملكها بجميع ما فيها إلا المعادن الظاهرة ؛ لحديث ابن عمر : { من أحيا أرضا ليست لأحد فهو أحق بها } . رواه البخاري .

وإذا تحجر مواتا بأن أدار حولها أحجارا أو حفر بئرا لم يصل إلى مائها أو أقطع أرضا فهو أحق بها ، ولا يملكها حتى يحييها بما تقدم .

باب الجعالة والإجارة

وهما : جعل مال معلوم لمن يعمل له عملا معلوما ، أو مجهولا في الجعالة ومعلوما في الإجارة ، أو على منفعة في الذمة ، فمن فعل ما جعل عليه فيهما استحق العوض وإلا فلا ، إلا إذا تعذر العمل في الإجارة فإنه يتقسَّط العوض ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثمّ غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره } . رواه مسلم .

والجعالة أوسع من الإجارة ؛ لأنها تجوز على أعمال القُرَب ؛ لأن العمل فيها يكون معلوما أو مجهولا ، ولأنها عقد جائز بخلاف الإجارة .

وتجوز إجارة العين المؤجرة على من يقوم مقامه إلا بأكثر ضررا منه ، ولا ضمان فيهما بدون تعد ولا تفريط ، وفي الحديث : { أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه } . رواه ابن ماجه .

باب اللقطة

وهي على ثلاثة أضرب :

أحدها : ما تقل قيمته ، كالسوط والرغيف ونحوهما ، فيُملك بلا تعريف .

والثاني : الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل ، فلا تُملك بالالتقاط مطلقا .

والثالث : ما سوى ذلك ، فيجوز التقاطه ، ويملكه إذا عرّفه سنة كاملة ، وعن زيد بن خالد الجهني قال : { جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة السلام فسأله عن اللقطة ؟ فقال : اعرف عِفَاصَها ووكاءها ثمّ عرِّفها سنة ، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ، قال : فضالة الغنم ؟ قال : هي لك أو لأخيك ، أو للذئب ، قال فضالة : الإبل ؟ قال : ما لك ولها ؟ معها سقاؤها وحذاؤها ، ترد الماء ، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها } . متفق عليه .

والتقاط اللقيط والقيام به فرض كفاية ، فإذا تعذر بيت المال فعلى من علم بحاله .

باب المسابقة والمغالبة

وهي ثلاثة أنواع :

نوع يجوز بعوض وغيره : وهي مسابقة الخيل والإبل والسهام . ونوع يجوز بلا عوض ، ولا يجوز بعوض : وهي جميع المغالبات بغير الثلاثة المذكورة وبغير النرد والشطرنج ونحوهما ، فتحرم مطلقا ، وهو النوع الثالث لحديث : { لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل } . رواه أحمد والثلاثة .

وأما ما سواها : فإنها داخلة في القمار والميسر .

باب الغصب

وهو الاستيلاء على مال الغير بغير حق ، وهو محرم لحديث : { من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين } . متفق عليه ، وعليه رده لصاحبه ولو غرم أضعافه ، وعليه نفقته وأجرته مدة مقامه بيده ، وضمانه إذا تلف مطلقا ، وزيادته لربه .

وإن كانت أرضا فغرس أو بنى فيها : فلربه قلعه ، لحديث : { ليس لعرق ظالم حق } . رواه أبو داود .

ومن انتقلت إليه العين من الغاصب ، وهو عالم فحكمه حكم الغاصب .

باب العارية والوديعة

وهي إباحة المنافع ، وهي مستحبة في المعروف ، قال صلى الله عليه وسلم { كل معروف صدقة } .

وإن شرط ضمانها ضمنها ، وإن تعدى أو فرط فيها ضمنها ، وإلا فلا ، ومن أودع وديعة فعليه حفظها في حرز مثلها ، ولا ينتفع بها بغير إذن ربها .

باب الشفعة

وهي : استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه ، ببيع ونحوه ، وهي خاصة في العقار الذي لم يقسم ؛ لحديث جابر رضي الله عنه { قضى النبي عليه الصلاة السلام بالشفعة في كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة } . متفق عليه .

ولا يحل التحيل لإسقاطها ، فإن تحيل لم تسقط لحديث : { إنما الأعمال بالنيات } .

باب الوقف

وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنافع ، وهو من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر ، وسلم من الظلم لحديث : { إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له } . رواه مسلم . وعن ابن عمر قال : { أصاب عمر أرضا بخيبر ، فأتى النبي عليه الصلاة السلام يستأمره فيها ، فقال يا رسول الله ، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه ، قال : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ، قال : فتصدق بها عمر ، غير أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب ، فتصدق بها في الفقراء ، وفي القربى ، وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل ، والضيف . لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا ، غير متمول مالا } . متفق عليه .

وأفضله : أنفعه للمسلمين ، وينعقد بالقول والفعل الدال على الوقف . ويرجع في مصارف الوقف وشروطه إلى شرط الواقف حيث وافق الشرع ، ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه ، فيباع ويجعل في مثله أو بعض مثله .

باب الهبة والعطية والوصية

وهي من عقود التبرعات .

فالهبة : التبرع بالمال في حال الحياة والصحة .

والعطية : التبرع به في مرض موته المخوف .
والوصية : التبرع بعد الوفاة . فالجميع داخل في الإحسان والبر .

فالهبة : من رأس المال ، والعطية والوصية : من الثلث فأقل لغير وارث ، فإن زاد على الثلث ، أو كان لوارث : توقف على إجازة الورثة للراشدين .

وكلها يجب فيها العدل بين أولاده ، لحديث : { ” اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم } . متفق عليه .

وبعد تقبيض الهبة وقبولها لا يحل الرجوع فيها لحديث : { العائد في هبته كالكلب يقيء ثمّ يعود في قيئه } . متفق عليه ، وفي الحديث الآخر : { لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثمّ يرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطي ولده } . رواه أهل السنن . { وكان النبي عليه الصلاة السلام يقبل الهدية ويثيب عليها } .

وللأب أن يتملك من مال ولده ما شاء ، ما لم يضره ، أو يعطيه لولد آخر أو أن يكون بمرض موت أحدهما ، لحديث : { أنت ومالك لأبيك } .

وعن ابن عمر مرفوعا : { ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده } . متفق عليه . وفي الحديث : { إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث } . رواه أهل السنن ، وفي لفظ : { إلا أن يشاء الورثة } .

وينبغي لمن ليس عنده شيء يحصل منه إغناء ورثته أن لا يوصي ، بل يدع التركة كلها لورثته ، كما قال النبي عليه الصلاة السلام { إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } . متفق عليه . والخير مطلوب في جميع الأحوال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *