منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين
تأليف الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله
وهو من سنن المرسلين ، وفي الحديث : { يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء } . متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم { تنكح المرأة لأربع : لمالها وحسبها وجمالها ودينها ، فاظفر بذات الدين تربت يمينك } . متفق عليه .
وينبغي أن يتخير صاحبة الدين والحسب ، الودود الولود الحسيبة .
وإذا وقع في قلبه خطبة امرأة فله أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها ، ولا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه المسلم ، حتى يأذن أو يترك ، ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة مطلقا ، ويجوز التعريض في خطبة البائن بموت أو غيره ، لقوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما غرضتم به من خطبة النساء } [ البقرة : 235 ] .
وصفة التعريض أن يقول : إني في مثلك لراغب ، أو لا تفوتي نفسك علي ، ونحوها .
وينبغي أن يخطب في عقد النكاح بخطبة ابن مسعود قال : ” علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ” ويقرأ ثلاث آيات لرواية أصحاب السنن . والثلاث الآيات سردها بعضهم ، وهي قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ آل عمران : 102 ] ،
والآية الأولى من سورة النساء ، وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [ الأحزاب 70 – 71 ] .
ولا يجب إلا بالإيجاب : وهو اللفظ الصادر من الولي ، كقوله : زوجتك أو أنكحتك . والقبول : هو اللفظ الصادر من الزوج أو نائبه ، كقوله : قبلت هذا الزواج ، أو قبلت ، ونحوه .
باب شروط النكاح
ولا بد فيه من رضى الزوجين ، إلا الصغيرة فيجبرها أبوها ، والأمة يجبرها سيدها .
ولا بد فيه من الولي ، قال صلى الله عليه وسلم { لا نكاح إلا بولي } حديث صحيح رواه الخمسة .
وأولى الناس بتزويج الحرة : أبوها وإن علا ، ثم ابنها وإن نزل ، ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها ، وفي الحديث المتفق عليه : { لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله ، وكيف إذنها ؟ قال أن تسكت } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { أعلنوا النكاح } . رواه أحمد . ومن إعلانه : شهادة عدلين ، وإشهاره وإظهاره ، والضرب عليه بالدف ونحوه .
وليس لولي المرأة تزويجها بغير كفء لها ، فليس الفاجر كفؤا للعفيفة ، والعرب بعضهم لبعض أكفاء ، فإن عدم وليها ، أو غاب غيبة طويلة ، أو امتنع من تزويجها كفؤا زوجها الحاكم ، كما في الحديث : { السلطان ولي من لا ولي له } . أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي .
ولا بد من تعيين من يقع عليه العقد ، فلا يصح : زوجتك بنتي ، وله غيرها حتى يميزها باسمها أو صفتها . ولا بد أيضا من عدم الموانع بأحد الزوجين ، وهي المذكورات في باب المحرمات في النكاح .
باب المحرمات في النكاح
وهن قسمان : محرمات إلى الأبد ، ومحرمات إلى أمد .
فالمحرمات إلى الأبد : سبع من النسب ، وهن : الأمهات وإن علون ، والبنات وإن نزلن ، ولو من بنات البنت ، والأخوات مطلقا وبناتهن ، وبنات الإخوة ، والعمات والخالات له أو لأحد أصوله ، وسبع من الرضاع نظير المذكورات ، وأربع من الصهر ، وهن أمهات الزوجات وإن علون ، وبناتهن وإن نزلن إذا كان قد دخل بهن ، وزوجات الآباء وإن علون ، وزوجات الأبناء ، وإن نزلن من نسب أو رضاع .
والأصل في هذا قوله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم } إلى آخرها ، [ النساء : 23 ، 24 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة ، أو من النسب } . متفق عليه .
وأما المحرمات إلى أمد : فمنهن قوله صلى الله عليه وسلم { لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها } . متفق عليه ، مع قوله تعالى : { وأن تجمعوا بين الأختين } [ النساء : 23 ] .
ولا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع ، ولا للعبد أن يجمع بين أكثر من زوجتين ، وأما ملك اليمين فله أن يطأ ما شاء .
وإذا أسلم الكافر وتحته أختان : اختار إحداهما ، أو عنده أكثر من أربع اختار أربعا ، وفارق البواقي .
وتحرم المحرمة حتى تحل من إحرامها ، والمعتدة من الغير حتى يبلغ الكتاب أجله ، والزانية على الزاني وغيره حتى تتوب ، وتحرم مطلقته ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره وتنقضي عدتها .
ويجوز الجمع بين الأختين بالملك ، ولكن إذا وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم الموطوءة بإخراج عن ملكه أو تزوج لها بعد الاستبراء .
والرضاع الذي يحرم : ما كان قبل الفطام ، وهو خمس رضعات فأكثر ، فيصير له الطفل وأولاده أولادا للمرضعة وصاحب اللبن ، وينتشر التحريم من جهة المرضعة وصاحب اللبن كانتشار النسب .
باب شروط في النكاح
وهي ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر ، وهي قسمان : صحيح كاشتراط أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ، ولا يخرجها من دارها أو بلدها ، أو زيادة مهر أو نفقة ونحو ذلك ، فهذا ونحوه كله داخل في قوله صلى الله عليه وسلم { إن أحق الشروط أن توفوا به : ما استحللتم به الفروج } . متفق عليه .
ومنها : شروط فاسدة كنكاح المتعة والتحليل والشغار ، ورخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة ثمّ حرمها ، و { لعن المحلل والمحلل له } ، { ونهى عن نكاح الشغار ، وهو أن يزوجه موليته على أن يزوجه موليته ولا مهر بينهما } . . . وكلها أحاديث صحيحة .
باب العيوب في النكاح
إذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيبا لم يعلم به قبل العقد – كالجنون والجذام والبرص ونحوها – فله فسخ النكاح .
وإذا وجدته عنينا : أجل إلى سنة ، فإن مضت وهو على حاله فلها الفسخ .
وإن عتقت كلها وزوجها رقيق خيرت بين المقام معه وفراقه ، لحديث عائشة الطويل في قصة عتق بريرة : { خيرت بريرة حين عتقت على زوجها } . متفق عليه .
وإذا وقع الفسخ قبل الدخول فلا مهر ، وبعده يستقر ، ويرجع الزوج على من غره .