الكتاب: فقه السنة المؤلف: سيد سابق (المتوفى: 1420هـ)
الذكر
هل تجب الصلاة والسلام عليه كلما ذكر اسمه
ذهب إلى وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر طائفة من العلماء، منهم الطحاوي والحليمي واستدلوا على ذلك بما رواه الترمذي وحسنه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل ان يغفر له، ورغم أنف رجل ادرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة “.
ولحديث أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي “.
وذهب آخرون إلى وجوب الصلاة عليه في المجلس مرة واحدة، ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس، بل تستحب.
لحديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة (1) يوم القيامة، فان شاء عذبهم، وان شاء غفر لهم ” رواه الترمذي وقال: حسن.
استحباب كتابة الصلاة والسلام عليه كلما ذكر اسمه
استحب العلماء الصلاة والسلام عليه – صلوات الله وسلامه عليه – كلما كتب اسمه، إلا أنه لم يرد في ذلك حديث يصح الاحتجاج به.
وذكر الخطيب البغدادي قال: رأيت بخط الامام أحمد بن حنبل رحمه الله كثيرا ما يكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة.
قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظا.
الجمع بين الصلاة والتسليم قال النووي: إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على احدهما فلا يقل: صلى الله عليه فقط، ولا عليه السلام فقط.
__________
(1) الترة: النقص.
الصلاة على الانبياء
تستحب الصلاة على الانبياء والملائكة استقلالا.
واما غير الانبياء فانه يجوز الصلاة عليهم تبعا باتفاق العلماء وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: ” اللهم صل على محمد النبي وازواجه أمهات المؤمنين إلخ “.
وتكره الصلاة عليهم استقلالا، فلا يقال: عمر صلى عليه وسلم.
صيغة الصلاة والسلام عليه (1)
وروى مسلم عن أبي مسعود الانصاري أن بشير بن سعد قال: أمرنا الله أن نصلي عليك يارسول الله.
كيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
والسلام كما قد علمتم.
” وروى ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة فانكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه.
قالوا له فعلمنا قال: قولوا، اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقدمين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة.
اللهم ابعثه مقاما يغبطه به الاولون.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
ما جاء في السفر
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا ” رواه أحمد، وصححه المناوي.
__________
(1) تقدم بعض الصيغ الواردة في ذلك.
الخروج لما يحبه الله:
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من خارج يخرج
من بيته إلا ببابه رايتان: راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك، حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله، اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان، حتى يرجع إلى بيته ” رواه أحمد والطبراني، وسنده جيد.
الاستشارة والاستخارة قبل الخروج:
ينبغي للمسافر أن يستشير أهل الخير والصلاح في سفره قبل خروجه.
لقوله تعالى ” وشاورهم في الامر “.
وقوله تعالى في وصف المؤمنين: ” وأمرهم شورى بينهم “.
قال قتادة: ما شاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم.
وأن يستخير الله تعالى: فعند أحمد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من سعادة ابن آدم استخارة الله، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله “.
قال ابن تيمية: ” ما ندم من استخار الخلق وشاور المخلوقين “.
وصفة الاستخارة:
أن يصلي ركعتين من غير الفريضة، ولو كانتا من السنن الراتبة، أو تحية المسجد، في أي وقت من الليل أو النهار، يقرأ فيهما بما شاء بعد الفاتحة، ثم يحمد الله ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بالدعاء الذي رواه البخاري، من حديث جابر رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الامور كلها (1) كما
__________
(1) قال الشوكاني: هذا دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمرا لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الاقدام عليه أو في تركه ضرر عظيم،
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم. ” ليسأل أحدكم ربه، حتى شسع نعله “.
يعلمنا السورة من القرآن يقول: ” إذا هم أحدكم بالامر، فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني استخيرك (1) بعلمك، وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الامر (2) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، (3) فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الامر شر لي، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال – عاجل أمري وآجله – فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به ” قال: ويسمي حاجته – أي يسمى حاجته عند قوله: ” اللهم ان كان هذا الامر “.
ولم يصح في القراءة فيها شئ مخصوص، كما لم يصح شئ في استحباب تكرارها.
قال النووي: ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسا، وإلا فلا يكون مستخيرا لله، بل يكون غير صادق في طلب الخيرة، وفي التبري من العلم والقدرة، وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة، ومن اختياره لنفسه “.
استحباب السفر يوم الخميس:
روى البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما كان يخرج، إذا أراد سفرا، إلا يوم الخميس.
استحباب الصلاة قبل الخروج: عن المطعم بن المقدام رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا ” رواه الطبراني وابن عساكر وسنده معضل، أو مرسل.
__________
(1) أستخيرك: أي أطلب منك الخيرة أو الخير.
(2) يسمى حاجته هنا.
(3) يجمع بينهما.
استحباب اتخاذ الاصحاب والرفقاء:
1 – روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة: أن يبيت الرجل وحده، أو يسافر وحده.
2 – وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب “.
استحباب توديع أهله وأقاربه وطلب الدعاء منهم، ودعائه لهم:
1 – روى ابن السني، وأحمد، عن أبي هريرة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ” من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه “.
2 – وروى أحمد عن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله إذا استودع شيئا حفظه “.
3 – ويروى عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا أراد أحدكم سفرا فليودع إخوانه، فإن الله تعالى جاعل في دعائهم خيرا “.
4 – والسنة أن يدعو الاهل والاصحاب والمودعون للمسافر بهذا الدعاء المأثور.
قال سالم: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول للرجل – إذا أراد سفرا – أدن مني اودعك، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا، فيقول: ” استودع الله دينك، وأمانتك (1) وخواتيم عملك “.
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع رجلا، أخذ بيده، فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر الحديث المتقدم. قال الترمذي: حسن صحيح.
__________
(1) قال الخطابي: الامانة – هنا – أهله، ومن يخلفه، وماله الذي عند أمينه، وذكر الدين هنا، لان السفر مظنة المشقة، فربما كان سببا لاهمال بعض أمور الدين.
5- وعن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أريد سفرا فزودني، فقال: ” زودك الله التقوى ” قال: زدني، قال: ” وغفر ذنبك “.
قال: زدني، قال: ” ويسر لك الخير حيثما كنت “.
قال الترمذي: حديث حسن.
6 – وعن أبي هريرة، أن رجلا قال: يا رسول الله صلى إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: ” عليك بتقوى الله عز وجل، والتكبير على كل شرف (1) ” فلما ولى الرجل قال: ” اللهم اطو (2) له البعد وهون عليه السفر “.
قال الترمذي: حديث حسن.
طلب الدعاء: من المسافر في موطن الخير: قال عمر رضي الله عنه: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن لي، وقال: ” لا تنسنا يا أخي من دعائك ” فقال: كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا.
رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.