تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ما مَلأ آدميٌّ وِعاءً شَرّاً مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أَكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فإنْ كَانَ لا مَحالَةَ ، فَثُلُثٌ لِطعامِهِ ، وثُلُثٌ لِشَرابِهِ ، وثُلُثٌ لِنَفسه

ما مَلأ آدميٌّ وِعاءً شَرّاً مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أَكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فإنْ كَانَ لا مَحالَةَ ، فَثُلُثٌ لِطعامِهِ ، وثُلُثٌ لِشَرابِهِ ، وثُلُثٌ لِنَفسه

  • بواسطة

جامع العلوم والحكم

في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

ابن رجب الحنبلي


الحديث السابع والأربعون

عَنِ المِقدامِ بنِ مَعدِ يكرِبَ قالَ : سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ r يَقولُ : (( ما مَلأ آدميٌّ وِعاءً شَرّاً مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أَكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فإنْ كَانَ لا مَحالَةَ ، فَثُلُثٌ لِطعامِهِ ، وثُلُثٌ لِشَرابِهِ ، وثُلُثٌ لِنَفسه )) رواهُ الإمامُ أحمَدُوالتِّرمِذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَهْ ، وقَالَ التِّرمِذيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ .

هذا الحديثُ خرَّجه الإمام أحمد ([1]) والترمذيُّ ([2]) من حديث يحيى بن جابر الطائي عن المقدام ، وخرَّجه النَّسائي ([3]) من هذا الوجه ومن وجه آخر من رواية صالح بن يحيى بن المقدام عن جدّه ([4]) ، وخرّجه ابنُ ماجه ([5]) من وجه آخر عنه وله طرق أخرى ([6]) .

وقد رُوي هذا الحديث مع ذكر سببه ، فروى أبو القاسم البغوي في
” معجمه ” من حديث عبد الرحمان بن المُرَقَّع ، قال : فتح رسولُ الله r خيبر وهي مخضرةٌ من الفواكة ، فواقع الناسُ الفاكهةَ ، فمغثتهمُ الحُمَّى ، فشَكَوْا إلى رسولِ الله r ، فقال رسولُ الله r : (( إنّما الحمى رائدُ الموت وسجنُ الله في الأرض ، وهي قطعةٌ من النار ، فإذا أخذتكم فبرِّدوا الماء في الشِّنان ، فصبُّوها عليكم بين الصَّلاتين )) يعني المغرب والعشاء ، قال : ففعلوا ذلك ، فذهبت عنهم ، فقال رسولُ الله r :
(( لم يخلُقِ الله وعاءً إذا مُلِئَ شرّاً من بطن ، فإن كان لابدَّ ، فاجعلوا ثُلُثاً للطَّعام ،

وثُلثاً للشَّراب ، وثُلثاً للرِّيح )) ([7]) .

وهذا الحديثُ أصلٌ جامعٌ لأصول الطب كُلِّها . وقد رُوي أنَّ ابنَ أبي
ماسويه ([8]) الطبيبَ لمَّا قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة ، قال : لو استعملَ الناسُ هذه الكلمات ، سَلِموا مِنَ الأمراض والأسقام ، ولتعطَّلت المارستانات ([9]) ودكاكين الصيادلة ، وإنَّما قال هذا ؛ لأنَّ أصل كلِّ داء التُّخَم ، كما قال بعضهم : أصلُ كُلِّ داء البردةُ ، وروي مرفوعاً ولا يصحُّ رفعه ([10]) .

وقال الحارث بن كَلَدَة طبيبُ العرب : الحِمية رأسُ الدواء ، والبِطنةُ رأسُ الداء ، ورفعه بعضهم ولا يصحُّ أيضاً ([11]) .

وقال الحارث أيضاً : الذي قتل البرية ، وأهلك السباعَ في البرية ، إدخالُ الطعام على الطعام قبل الانهضام .

وقال غيره : لو قيل لأهل القبور : ما كان سببُ آجالكم ؟ قالوا : التُّخَمُ ([12]) .

فهذا بعض منافع تقليلِ الغذاء ، وتركِ التَّمَلِّي من الطَّعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته .

وأما منافِعُه بالنسبة إلى القلب وصلاحه ، فإنَّ قلةَ الغذاء توجب رِقَّة القلب ، وقوَّة الفهم ، وانكسارَ النفس ، وضعفَ الهوى والغضب ، وكثرةُ الغذاء توجب ضدَّ ذلك .

قال الحسن : يا ابنَ آدم كُلْ في ثلث بطنك ، واشرب في ثلثٍ ، ودع ثُلُثَ بطنك يتنفَّس لتتفكر .

وقال المروذي : جعل أبو عبد الله : يعني : أحمدَ يُعظِّمُ أمر الجوع والفقر ، فقلت له : يُؤجر الرجل في ترك الشهوات ، فقال : وكيف لا يؤجر ، وابنُ عمر يقول : ما شبعت منذ أربعة أشهر ؟ قلت لأبي عبد الله : يجد الرجلُ مِنْ قلبه رقَّة وهو يشبع ؟ قال : ما أرى ([13]) .

وروى المروذي عن أبي عبد الله قول ابن عمر هذا من وجوه ، فروى بإسناده عن ابن سيرين ، قال : قال رجل لابن عمر : ألا أجيئك بجوارش ؟ قال : وأيُّ شيء هو ؟ قال : شيءٌ يَهضِمُ الطعامَ إذا أكلته ، قال : ما شبعتُ منذ أربعةِ أشهر ، وليس ذاك أني لا أقدر عليه ، ولكن أدركت أقواماً يجوعون أكثرَ مما يشبعون ([14]) .

وبإسناده عن نافع ، قال : جاء رجل بجوارش إلى ابن عمر ، فقال : ما هذا ؟ قال : جوارش : شيءٌ يُهضَمُ به الطعامُ ، قال : ما أصنع به ؟ إنِّي ليأتي عليَّ الشهرُ

ما أشبع فيه من الطعام ([15]) .

وبإسناده عن رجلٍ قال : قلتُ لابنِ عمر : يا أبا عبد الرحمان رَقَّتْ مضغتك ، وكَبِرَ سِنُّكَ ، وجلساؤك لا يعرفون لك حَقَّك ولا شَرَفَك ، فلو أمرتَ أهلك أنْ يجعلوا لك شيئاً يلطفونك إذا رجعتَ إليهم ، قال : وَيْحَكَ ، واللهِ ما شبعتُ منذ إحدى عشرة سنة ، ولا اثنتي عشرة سنة ، ولا ثلاث عشرة سنة ، ولا أربع عشرة سنة مرَّة واحدة ، فكيف بي وإنَّما بقي مني كظِمْءِ الحمار ([16]) .

وبإسناده عن عمرو بن الأسود العنسي أنَّه كان يدعُ كثيراً من الشبع مخافة الأشر ([17]) .

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب ” الجوع ” ([18]) بإسناده عن نافع ، عن ابنِ عمر ، قال : ما شبعتُ منذُ أسلمت .

وروى بإسناده ([19]) عن محمد بن واسع ، قال : مَنْ قلَّ طُعْمُه فهم ، وأفهم ، وصفا ، ورقَّ ، وإنَّ كَثرةَ الطَّعام ليُثقل صاحبه عن كثير مما يُريد .

وعن أبي عبيدة الخَوَّاص ، قال : حَتْفُكَ في شبعك ، وحَظُّك في جوعك ، إذا أنت شبعتَ ثقلتَ ، فنِمْتَ ، استمكن منك العدوُّ ، فجثم عليك ، وإذا أنت تجوَّعت كنت للعدو بمرصد ([20]) .

وعن عمرو بن قيس ، قال : إيَّاكُمْ والبِطنة فإنَّها تُقسِّي القلب ([21]) .

وعن سلمة بنِ سعيد قال : إنْ كان الرجلُ لَيُعيَّر بالبِطنة كما يُعير بالذنب يَعمَلُهُ ([22]) .

وعن بعض العلماء قال : إذا كنت بطيناً ، فاعدد نفسك زمناً حتى تخمص ([23]) .

وعن ابن الأعرابي قال : كانت العربُ تقول : ما بات رجلٌ بطيناً فتمَّ
عزمُه ([24]) .

وعن أبي سليمان الداراني قال : إذا أردتَ حاجةً من حَوائجِ الدُّنيا والآخرة ، فلا تأكل حتَّى تقضيها ، فإنَّ الأكلَ يُغير العقل ([25]) .

وعن مالك بن دينار قال : ما ينبغي للمؤمن أنْ يكونَ بطنه أكبرَ همه ، وأنْ تكونَ شهوته هي الغالبة عليه ([26]) .

قال : وحدثني الحسنُ بن عبد الرحمان ، قال : قال الحسن أو غيره : كانت بلية أبيكم آدم u أكلةً ، وهي بليتُكم إلى يوم القيامة ([27]) . قال : وكان يُقال : من ملك بطنه ، ملك الأعمالَ الصالحة كلها ([28]) ، وكان يُقال : لا تَسكُنُ الحِكمةُ معدة ملأى ([29]) .

وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال : كان يُقال : قِلة الطعام عونٌ على التسرُّع إلى الخيرات ([30]) .

وعن قثم العابد قال : كان يُقال : ما قلَّ طعمُ امرئٍ قطُّ إلا رقَّ قلبه ، ونديت عيناه ([31]) .

وعن عبد الله بن مرزوق قال : لم نَرَ للأشر مثل دوام الجوع ، فقال له أبو
عبد الرحمان العمري الزاهد : وما دوامه عندك ؟ قالَ : دوامُه أنْ لا تشبع أبداً . قالَ : وكيف يقدر من كانَ في الدنيا على هذا ؟ قال : ما أيسرَ ذلك يا أبا عبد الرحمان على أهل ولايته ومن وفَّقه لطاعته ، لا يأكل إلا دونَ الشبع هو دوامُ الجوع ([32]) .

ويشبه هذا قول الحسن لما عرض الطعامَ على بعض أصحابه ، فقال له : أكلتُ حتى لا أستطيع أنْ آكل ، فقال الحسن : سبحان الله ويأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل ؟! ([33]) .

وروى أيضاً بإسناده عن أبي عمران الجوني ، قال : كان يقال : من أحبّ أن يُنوَّرَ لهُ قلبُه ، فليُقِلَّ طُعمَه ([34]) .

وعن عثمان بن زائدة قال : كتب إليَّ سفيان الثوري : إنْ أردت أنْ يصحَّ
جسمك ، ويَقِلَّ نومك ، فأقلَّ من الأكل ([35]) .

وعن ابن السَّماك قال : خلا رجل بأخيه ، فقال : أي أخي ، نحن أهونُ على الله من أنْ يُجيعنا ، إنَّما يُجيع أولياءه .

وعن عبد الله بن الفرج قال : قلت لأبي سعيد التميمي : الخائف يشبعُ ؟ قالَ : لا ، قلت : المشتاق يشبع ؟ قالَ : لا .

وعن رياح القيسي أنه قُرِّبَ إليه طعامٌ ، فأكل منه ، فقيل لهُ : ازدد فما أراك شبعتَ ، فصاح صيحة وقال : كيف أَشبَعُ أيام الدنيا وشجرةُ الزقوم طعامُ الأثيم بين
يدي ؟ فرفع الرجلُ الطعام من بين يديه ، وقال : أنت في شيء ونحن في شيء ([36]) .

قال المروذي : قال لي رجل : كيف ذاك المتنعمُ ؟ يعني : أحمد ، قلتُ له : وكيف هو متنعم ؟ قال : أليس يجد خبزاً يأكل ، وله امرأة يسكن إليه ويطؤها ، فذكرتُ ذلك لأبي عبد الله ، فقال : صدق ، وجعل يسترجِعُ ، وقال : إنا لنشبع .

وقال بشر بنُ الحارث : ما شبعت منذ خمسينَ سنة ، وقال : ما ينبغي للرجل أنْ يشبع اليوم من الحلال ؛ لأنَّه إذا شبع من الحلال ، دعته نفسُه إلى الحرام ، فكيف من هذه الأقذار ؟ ([37])

وعن إبراهيم بن أدهم قال : من ضبط بطنه ، ضبط دينَه ، ومن ملك جُوعَه ، ملك الأخلاق الصالحة ، وإنَّ معصية الله بعيدةٌ من الجائع ، قريبةٌ من الشبعان ، والشبعُ يميت القلبَ ، ومنه يكونُ الفرحُ والمرح والضحك .

وقال ثابت البناني : بلغنا أنَّ إبليس ظهر ليحيى بن زكريا عليهما السّلام ، فرأى عليه معاليق من كلِّ شيءٍ ، فقال له يحيى : يا إبليس ، ما هذه المعاليقُ التي أرى عليك ؟ قال : هذه الشهواتُ التي أُصيبُ من بني آدم ، قال : فهل لي فيها شيءٌ ؟ قال : ربما شبعت ، فثقَّلناك عن الصَّلاة وعنِ الذِّكر ، قال : فهل غيرُ هذا ؟ قال :
لا ، قال : لله عليَّ أنْ لا أملأ بطني من طعام أبداً ، قال : فقال إبليس : ولله عليَّ أنْ لا أنصحَ مسلماً أبداً ([38]) .

وقال أبو سليمان الداراني : إنَّ النفس إذا جاعت وعطشت ، صفا القلب ورقَّ ، وإذا شبعت ورويت ، عمي القلبُ ([39]) ، وقال : مفتاحُ الدنيا الشبع ، ومفتاح الآخرة الجوع ، وأصلُ كلِّ خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله U ، وإنَّ الله ليُعطي الدنيا من يُحبُّ ومن لا يُحبُّ ، وإنَّ الجوع عنده في خزائن مُدَّخَرة ، فلا يُعطي إلا من أحبَّ خاصة ؛ ولأنْ أدعَ من عشائي لقمةً أحبُّ إليَّ من أن آكلها ثم أقوم من أوَّل الليل إلى آخره ([40]) .

وقال الحسن بن يحيى الخشني : من أراد أن تَغْزُرَ دموعه ، ويرِقَّ قلبه ، فليأكل ، وليشرب في نصف بطنه ، قال أحمد بن أبي الحواري : فحدثت بهذا أبا سليمان ، فقال : إنَّما جاء الحديث : (( ثلثٌ طعام وثلثٌ شراب )) ، وأرى هؤلاء قد حاسبوا أنفسَهم ، فربحوا سدساً ([41]) .

وقال محمد بن النضر الحارثي : الجوعُ يبعث على البرِّ كما تبعثُ البِطنة على
الأشر ([42]) .

وعن الشافعي ، قال : ما شبعتُ منذ ستَّ عشرةَ سنة إلا شبعة اطرحتها ؛ لأنَّ الشبع يُثقِلُ البدن ، ويُزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة ([43]) .

وقد ندب النَّبيُّ r إلى التقلل من الأكل في حديث المقدام ، وقال : (( حسبُ ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه )) ([44]) . وفي ” الصحيحين ” ([45]) عنه r أنَّه قال :
(( المؤمنُ يأكل في مِعًى واحدٍ ، والكافرُ يأكل في سبعة أمعاء )) والمراد أنَّ المؤمن يأكلُ بأدبِ الشَّرع ، فيأكل في مِعًى واحدٍ ، والكافر يأكل بمقتضى الشَّهوة والشَّرَهِ والنَّهم ، فيأكلُ في سبعة أمعاء .

وندب r مع التقلُّل منَ الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه ، فقال : (( طعامُ الواحدِ يكفي الاثنين ، وطعامُ الاثنين يكفي الثَّلاثة ، وطعامُ الثلاثة يكفي الأربعة )) ([46]) .

فأحسنُ ما أكل المؤمن في ثُلُثِ بطنه ، وشرِبَ في ثلث ، وترك للنَّفَسِ ثُلثاً ، كما ذكره النَّبيُّ r في حديث المقدام ، فإنَّ كثرة الشرب تجلِبُ النوم ، وتفسد الطعام . قال سفيان : كُلْ ما شئتَ ولا تشرب ، فإذا لم تشرب ، لم يجئك النوم ([47]) .

وقال بعض السَّلف : كان شبابٌ يتعبَّدون في بني إسرائيل ، فإذا كان عند
فطرهم ، قام عليهم قائم فقال : لا تأكلوا كثيراً ، فتشربوا كثيراً ، فتناموا كثيراً ،

فتخسروا كثيراً ([48]) .

وقد كان النَّبيُّ r وأصحابه يجوعون كثيراً ، ويتقلَّلون من أكل الشَّهوات ، وإنْ كان ذلك لِعدم وجود الطَّعام ، إلاَّ أنَّ الله لا يختارُ لرسوله إلا أكملَ الأحوال وأفضلها . ولهذا كان ابنُ عمر يتشبه بهم في ذلك ، مع قدرته على الطَّعام ، وكذلك كان أبوه من قبله .

ففي ” الصحيحين ” ([49]) عن عائشة ، قالت : ما شبع آلُ محمدٍ r منذ قَدِمَ المدينة من خبز بُرٍّ ثلاث ليال تباعاً حتى قُبض ، ولمسلم ([50]) : قالت : ما شبع
رسول الله r من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض .

وخرَّج البخاري ([51]) عن أبي هريرة قال : ما شَبِعَ رسول الله r من طعام ثلاثة أيام حتى قُبض .

وعنه قال : خرج رسول الله r من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ([52]) .

وفي ” صحيح مسلم ” ([53]) عن عمر أنَّه خطب ، فذكر ما أصابَ الناسُ من الدنيا ، فقال : لقد رأيتُ رسول الله r يظلُّ اليوم يلتوي ما يجد دَقَلاً يملأ به بطنه .

وخرَّج الترمذي ([54]) ، وابن ماجه ([55]) من حديث أنس عن النَّبيِّ r ، قال

: (( لقد أوذيت في الله وما يُؤذى أحد ، ولقد أُخِفْتُ في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليَّ ثلاث مِنْ بين يومٍ وليلةٍ وما لي طعامٌ إلا ما واراه إبط بلال )) .

وخرَّج ابنُ ماجه ([56]) بإسناده عن سليمان بن صُرَد ، قال : أتانا رسولُ الله   r ، فمكثنا ثلاث ليالٍ لا نَقدِرُ – أو لا يقدر – على طعام .

وبإسناده ([57]) عن أبي هريرة ، قال : أُتي رسول الله r بطعامٍ سُخْن ، فأكل ، فلما فرغ ، قال : (( الحمدُ لله ، ما دخل بطني طعامٌ سخن منذ كذا وكذا )) .

وقد ذم الله ورسوله من اتَّبع الشهواتِ ، قال تعالى : } فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاَّ مَنْ تَابَ { ([58]) .

وصحَّ عن النَّبيِّ r أنَّه قال : (( خيرُ القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يُستشهدون ، ويَنذِرُون ولا يُوفون ، ويظهر فيهم السِّمَنُ )) ([59]) .

وفي ” المسند ” ([60]) أنَّ النَّبيَّ r رأى رجلاً سميناً ، فجعل يومئُ بيده إلى بطنه ويقول : (( لو كان هذا في غير هذا ، لكان خيراً لك )) .

وفي ” المسند ” ([61]) عن أبي برزة ، عن النَّبيِّ r ، قال : (( إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم شهواتُ الغي في بطونكم وفروجكم ، ومُضلات الهوى )) .

وفي ” مسند البزار ” وغيره ([62]) عن فاطمة ، عن النَّبيِّ r ، قال : (( شرارُ أمتي الذين غذوا بالنَّعيم يأكلون ألوان الطعام ، ويلبسون ألوان الثياب ، ويتشدّقون في الكلام )) .

وخرَّج الترمذي ([63]) وابن ماجه ([64]) من حديث ابن عمر ، قال : تجشأ ([65]) رجلٌ عند النَّبيِّ r ، فقال : (( كفّ عنا جُشاءك ، فإنَّ أكثرهم شبعاً في الدنيا أطولُهم جوعاً يوم القيامة )) .

وخرَّجه ابنُ ماجه ([66]) من حديث سلمان أيضاً بنحوه ، وخرَّجه الحاكم ([67])


من حديث أبي جُحيفة وفي أسانيدها كلِّها مقال .

وروى يحيى بنُ منده في كتاب ” مناقب الإمام أحمد ” بإسنادٍ له عن الإمامِ أحمد أنَّه سئل عن قولِ النَّبيِّ r : (( ثُلث للطَّعام ، وثُلثٌ للشراب ، وثلث للنفس )) فقال : ثلث للطعام : هو القُوتُ ، وثلث للشراب : هو القوى ، وثلث للنفس : هو الروح ، والله أعلم .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *