كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين
المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري
(المتوفى: 324هـ)
الروافض
مقالات الروافض
1 – قول الروافض في التجسيم
واختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق:
الهشامية[1]:
1 – فالفرقة الأولى الهشامية أصحاب هشام بن الحكم الرافضي.
يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحد طويل عريض عميق طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه لا يوفي بعضه على بعض ولم يعينوا طولاً غير الطويل وإنما قالوا: “طوله مثل عرضه” على المجاز دون التحقيق وزعموا أنه نور ساطع له قدر من الأقدار في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ورائحته هي مجسته وهو نفسه لون ولم يعينوا لوناً ولا طعماً هو غيره وزعموا أنه هو اللون وهو الطعم وأنه قد كان لا في مكان ثم حدث المكان بأن تحرك البارئ فحدث المكان بحركته فكان فيه وزعم أن المكان هو العرش.
وذكر أبو الهذيل[2] في بعض كتبه إن هشام بن الحكم قال له: إن ربه جسم ذاهب جاء فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى وأنه طويل عريض عميق لأن ما لم يكن كذلك دخل في حد التلاشي قال فقلت له: فأيما أعظم إلهك أم هذا الجبل وأومأت إلى أبي قبيس[3] قال: فقال: هذا الجبل يوفي عليه أي هو أعظم منه.
وذكر أيضاً “ابن الراوندي” أن هشام بن الحكم كان يقول: إن بين إلهه وبين الأجسام المشاهدة تشابهاً من جهة من الجهات لولا ذلك ما دلت عليه.
وحكي عنه خلاف هذا أنه كان يقول إن جسم ذو أبعاض [ … ] [4]لا يشبهها ولا تشبهه.
وحكى الجاحظ[5] عن هشام بن الحكم في بعض كتبه أنه كان يزعم أن الله جل وعز إنما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما وراء ما هناك لما دري ما هناك وزعم أن بعضه يشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه ولو زعم هشام أن الله تعالى يعلم ما تحت الثرى بغير اتصال ولا خبر ولا قياس كان قد ترك تعلقه بالمشاهدة وقال بالحق.
وذكر عن هشام انه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل زعم مرة انه كالبلورة وزعم مرة انه كالسبيكة وزعم مرة انه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام.
وزعم الوراق أن بعض أصحاب هشام أجابه مرة إلى أن الله -عز وجل- على العرش مماس له وأنه لا يفضل عن العرش ولا يفضل العرش عنه.
2 – والفرقة الثانية من الرافضة: يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام
وإنما يذهبون في قولهم أنه جسم إلى أنه موجود ولا يثبتون البارئ ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله -عز وجل- على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.
3 – والفرقة الثالثة من الرافضة: يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان ويمنعون أن يكون جسما.
الهشامية أيضا:
4 – والفرقة الرابعة من الرافضة: الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجواليقي.
يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم.
وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة سوداء[6] وأن ذلك نور أسود.
5 – والفرقة الخامسة من الرافضة: يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بأمر واحد وليس بذي صورة ولا أعضاء ولا اختلاف في الأجزاء وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.
6 – والفرقة السادسة من الرافضة: يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس.
وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج.
وهؤلاء قوم من متأخريهم فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.
2 – قول الرافضة في حملة العرش
واختلفت الرافضة في حملة العرش هل يحملون العرش أم يحملون البارئ -عز وجل- وهم فرقتان[7]:
اليونسية[8]:
فرقة يقال لها: اليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين يزعمون أن الحملة يحملون البارئ واحتج يونس في أن الحملة تطيق حمله وشبههم بالكركي[9] وأن رجليه تحملانه وهما دقيقتان. وقالت فرقة أخرى أن الحملة تحمل العرش والبارئ يستحيل أن يكون محمولاً.
واختلفت الروافض هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يظلم أم لا: فأبى ذلك قوم وأجازه آخرون.
3 – القول بأن الله عالم حي قادر [10]
واختلفت الروافض في القول إن الله – سبحانه – عالم حي قادر سميع بصير إله وهم تسع فرق:
الزرارية “التيمية”:
1 – فالفرقة الأولى منهم الزرارية أصحاب زرارة بن أعين الرافضي.
يزعمون أن الله لم يزل غير سميع ولا عليم ولا بصير حتى خلق ذلك لنفسه وهم يسمون التيمية ورئيسهم زرارة بن أعين.
السبابية:
2 – والفرقة الثانية منهم السبابية أصحاب عبد الرحمن بن سبابة.
يقفون في هذه المعاني ويزعمون أن القول فيها ما يقول جعفر كائناً قوله ما كان ولا يصوبون في هذه الأشياء قولاً.
3 – والفرقة الثالثة منهم: يزعمون أن الله -عز وجل- لا يوصف بأنه لم يزل إلهاً قادراً
ولا سميعاً بصيراً حتى يحدث الأشياء لأن الأشياء التي كانت قبل أن تكون ليست بشيء ولن يجوز أن يوصف بالقدرة لا على شيء وبالعلم لا بشيء.
وكل الروافض إلا شرذمة قليلة يزعمون أنه يريد الشيء ثم يبدو له فيه[11].
4 – والفرقة الرابعة من الروافض: يزعمون أن الله لم يزل لا حياً ثم صار حياً.
أصحاب شيطان الطاق[12]:
5 – والفرقة الخامسة من الروافض وهم أصحاب شيطان الطاق.
يزعمون أن الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها فأما قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئاً حتى يقدره ويثبته بالتقدير والتقدير عندهم الإرادة.
الهشامية أيضا:
6 – والفرقة السادسة من الرافضة أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أنه محال أن يكون الله لم يزل عالماً بالأشياء بنفسه
وأنه إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالماً وأنه يعلمها بعلم وأن العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه فيجوز أن يقال العلم محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف.
قال: ولو كان لم يزل عالماً لكانت المعلومات لم تزل لأنه لا يصح عالم إلا بمعلوم موجود قال: ولو كان عالماً بما يفعله لم يصح المحنة والاختبار.
وقال هشام في سائر صفات الله -عز وجل- كقدرته وحياته وسمعه وبصره وإرادته: أنها صفات لله لا هي الله ولا غير الله
وقد اختلف عنه في القدرة والحياة فمن الناس من يحكي عنه أنه كان يزعم أن البارئ لم يزل حياً قادراً ومنهم من ينكر أن يكون قال ذلك.
7 – والفرقة السابعة من الرافضة لا يزعمون أن البارئ عالم في نفسه كما قال شيطان الطاق ولكنهم يزعمون أن الله -عز وجل- لا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره
والتأثير عندهم الإرادة فإذا أراد الشيء علمه وإذا لم يرده لم يعلمه ومعنى أراد عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.
8 – والفرقة الثامنة من الرافضة يقولون إن معنى أن الله يعلم أنه يفعل
فإن قيل لهم: أتقولون إن الله لم يزل عالماً بنفسه؟ اختلفوا فمنهم من يقول: لم يزل لا يعلم بنفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول: لم يزل يعلم بنفسه فإن قيل لهم: فلم يزل يفعل؟ قالوا: نعم ولا نقول بقدم الفعل.
ومن الرافضة من يزعم أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها.
9 – والفرقة التاسعة من الرافضة يزعمون أن الله لم يزل عالماً حياً قادراً ويميلون إلى نفي التشبيه
ولا يقولون بحدث العلم ولا بما حكيناه من التجسيم وسائر ما أخبرنا به من التشبيه عنهم.
4 – قول الرافضة في جواز البداء على الله تعالى
وافترقت الرافضة: هل البارىء يجوز أن يبدو له إذا أراد شيئاً أم لا[13]؟
على ثلاث مقالات:
1 – فالفرقة الأولى منهم يقولون أن الله تبدو له البداوات وأنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يحدثه لما يحدث له من البداء
وأنه إذا أمر بشريعة ثم نسخها فإنما ذلك لأنه بدا له فيها وأن ما علم أنه يكون ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز عليه البداء فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز عليه البداء فيه.
2 – والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه جائز على الله البداء فيما علم أنه يكون حتى لا يكون
وجوزوا ذلك فيما أطلع عليه عباده وأنه لايكون كما جوزوه فيما لم يطلع عليه عباده.
3 – والفرقة الثالثة منهم يزعمون أنه لا يجوز على الله -عز وجل- البداء وينفون ذلك عنه تعالى.
[1] الهشامية: التنبيه: 26 الفرق بين الفرق: 22 و 49 – 52, 157 التبصير: 42 الملل والنحل: 1/ 149 – 151 منهاج السنة النبوية: 1/ 203 اعتقادات فرق المسلمين: 43, 63 الفرق الإسلامية: 44 – 45 الخطط المقريزية: 2/ 253 وعن اختلاف الروافض انظر منهاج السنة النبوية: 1/ 207 – 208
[2] أبو الهذيل: اسمه محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي كان شيخ المعتزلة في البصرة كان يحسن الجدال وصاحب حجة قوية يكثر من استعمال الأدلة والإلزامات اختلف في ميلاده فمن قائل: سنة 131هـ وسنة 134هـ و136هـ وكان الاختلاف في سنة وفاته أيضا فمن قائل: 226هـ أو 227هـ أو 235هـ و 239هـ انظر وفيات الأعيان برقم 578 العبر طبقات المعتزلة والفرق بين الفرق 92 شذرات الذهب ونكت الهمين في نكت العميان للصفدي: 227 – 279.
[3] أبو قبيس: بالتصغير جبل مشرف على مكة كناه آدم عليه السلام بذلك حين اقتبس منه هذه النار التي بأيدي الناس إلى اليوم من فرختين نزلتا من السماء على أبي قبيس فاحتكتا فأورتا نارا اقتبس منها آدم.
[4] هنا بياض في الأصل ولكن الشهرستاني ذكر في الملل والنحل: 1/ 149 ما يلي: وحكى الكعبي انه قال: هو جسم ذو أبعاض له قدر من الأقدار ولكن لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء
[5] الجاحظ: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري أبو عثمان الجاحظ كاتب فحل إلى جانب كونه بحرا من بحور العلم كان متكلما وشيخا من شيوخ المعتزلة له التصانيف المشهورة وكتبت حوله العديد من الدراسات والبحوث توفي سنة 250هـ في قول وفي آخر سنة 255هـ
[6] الوفرة: -بفتح أوله وسكون ثانيه- الشعر الذي يجتمع على الرأس للإنسان وغيره أو ما تدلى على الأذنين منه وقد يتجاوز شحمة الأذن
[7] عن اختلاف الروافض في حملة العرش انظر منهاج السنة النبوية 1/ 207
[8] اليونسية: الفرق بين الفرق: 22 – , 52 – 53, 158 التبصير: 43 الملل والنحل: 1/ 152 اعتقادات فرق المسلمين: 65 الفرق الإسلامية: 46, 81 – 82 الخطط المقريزية ك 2/ 253.
[9] الكركي: بضم الكاف الأولى وتشديد الياء طائر بحجم الأوز بتر الذنب رمادي اللون في خده لمعات سود قليل اللحم صلب العظم دقيق الرجلين وطويلهما جمعه كراكي.
وراجع الملل والنحل: 1/ 158 منهاج السنة النبوية: 1/ 207 – 208 بشأن الخلاف حول حملة العرش.
[10] انظر الانتصار: 20, 21 و 108, 126 ومنهاج السنة النبوية: 1/ 207 – 208
[11] يبدو هل: من البداء: ظهور الرأي بعد أن لم يكن. انظر الانتصار: 127. ومنهاج السنة النبوية: 1/ 207
[12] شيطان الطاق: الفرق بين الفرق: 53 باسم: الشيطانية وكذلك في التبصير: 43 اعتقادات فرق المسلمين: 64 – 65 والفرق الإسلامية: 46 منهاج السنة النبوية: 1/ 207 الخطط المقريزية: 2/ 253.
وشيطان الطاق: لقب لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول يلقبه الشيعة: مؤمن الطاق وسبب لقبه جلوسه في سوق الكوفة في طاق المحامل للصرف. وهو صاحب نوادر كان معاصرا لأبي حنيفة.
[13] البداء: الانتصار: 127 – 130.