الكتاب: فقه السنة المؤلف: سيد سابق (المتوفى: 1420هـ)
الذكر
الذكر عند الدين
1 – روى الترمذي وحسنه عن علي رضي الله عنه، أن مكاتبا جاءه.
فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني.
فقال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صبر (1) دينا إلا أداه الله عنك، قل: ” اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك “.
2 – وقال أبو سعيد: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا هو برجل من الانصار، يقال له أبو أمامة، فقال: ” يا أبا أمامة مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة؟ ” قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله.
قال: ” أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ ” قلت:
بلى يا رسول الله.
قال: ” قل إذا أصبحت وأذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، واعوذ بك من العجز والكسل، واعوذ بك من الجبن والبخل، واعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.
” قال، ففعلت ذلك فأذهب الله همي وقضى عني ديني.
ما يقول إذا نزل به ما يكره أو غلب على أمره
روى ابن السني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليسترجع احدكم في كل شئ حتى في شسع نعله فانها من المصائب “.
يسترجع: يقول إذا نزل به ما يسوءه حتى ولو انقطع الشسع: ” إنا لله وإنا إليه راجعون “.
والشسع: أحد سيور النعل التي تشد إلى زمامها.
وروى مسلم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شئ، فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان “.
__________
(1) جبل صبر: جبل لطي.
ما يقول له من نزل به الشك
1 – روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته “.
2 – وفي الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ” لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل:
آمنت بالله ورسله.
ما يقول عند الغضب روى البخاري ومسلم عن سليمان بن صرد قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستبان: أحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إني لاعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب عنه “.
من جوامع أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم
1 – قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك.
ونحن نذكر من هذه الادعية مالا غنى للمرء عنه … عن أنس رضي الله عنه قال، كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ” اللهم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذا ب النار “.
2 – وروى مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت (1) فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” هل كنت تدعو بشئ أو تسأله إياه؟ ” قال نعم.
كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الاخرة فعجله لي في الدنيا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، لا تطيقه أو لا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار “.
__________
(1) خفت: ضعف وهزل حتى صار مثل ولد الطائر.
3 – وروى أحمد والنسائي، أن سعدا سمع ابنا له يقول: اللهم إني أسألك الجنة وغرفها وكذا وكذا، واعوذ بك من النار وأغلالها وسلاسلها.
فقال سعد
لقد سألت الله خيرا كثيرا، وتعوذت به من شر كثير.
وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” سيكون قوم يعتدون في الدعاء.
بحسبك أن تقول: اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم اعلم، واعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم.
” ورويا عن ابن عباس قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ” رب اعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي وانصري على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا (1) لك مطواعا، لك (2) ، مخبتا أواها (3) إليك منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، (4) ، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني واهد قلبي، واسلل سخيمة (5) صدري ” وروى مسلم عن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: ” اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، زكها انت خير من زكاها، إنك وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها.
” وفي صحيح الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أتحبون أيها الناس أن تجتهدوا في الدعاء؟ ” قالوا: نعم يا رسول الله قال: ” قولوا: اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك “.
__________
(1) رهابا: كثير الرهبة والخوف.
(2) الاخبات: الخشوع.
(3) التأوه: شدة الحرقة ” والمنيب “: كثير الرجوع إلى الله.
(4) الحوبة: الاثم.
(5) السخيمة: الغلل والحقد.
وعند أحمد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ألظوا (1) بيا ذا الجلال والاكرام.
” وعنده أيضا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ” والميزان بيد الرحمن عزوجل، يرفع أقواما ويضع آخرين.
وعن ابن عمر رضى الله عنهما، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك وجميع سخطك.
” وروى الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علما، والحمد لله على كل حال، واعوذ بالله من حال أهل النار.
” روى مسلم: ان فاطمة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما.
فقال لها: ” قولي: اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شي، منزل التوراة والانجيل والقرآن، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شئ أنت آخذ بناصيته، أنت الاول فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ، وأنت الباطن فليس دونك شئ اقض عني الدين وأغنني من الفقر.
” وروى أيضا: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: ” اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى “.
روى الترمذي، وحسنه، والحاكم عن ابن عمر قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الكلمات لاصحابه ” اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما
تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل تأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا “.
__________
(1) ألظوا: أي الزموا هذه الدعوة وداوموا عليها.
الصلاة والسلام على رسول الله
قال الله تعالى: ” إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما “.
معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البخاري: قال أبو العالية: ” صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء “.
وقال أبو عيسى الترمذي، وروى عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: ” صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار “.
قال ابن كثير: والمقصود من هذه الاية، أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملا الاعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وان الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين، العلوي والسفلي جميعا.
وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، ونذكر بعضها فيما يلى.
1 – روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا “.
2 – وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ” قال الترمذي: ” حديث حسن ” اي أحقهم بشفاعته واقربهم مجلسا منه.
3 – وروى أبو داود باسناد صحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث كنتم “.
4 – وروى أبو داود والنسائي عن أوس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فان صلاتكم معروضة علي “.
فقالوا يارسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمت: أي: بليت؟.
قال: ” إن الله حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء “.
5 – وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه باسناد صحيح: – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مامن أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام “.
6 – روى الامام أحمد عن أبي طلحة الانصاري قال: ” أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر ” قالوا: يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر.
قال: ” أجل: أتاني آت من ربي عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها ” قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد.
7 – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من
سره أن يكال له بالمكيال الاوفى – إذا صلى علينا أهل البيت – فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد “.
رواه أبو داود والنسائي.
8 – عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: ” يا ايها الناس اذكروا الله.
اذكروا الله.
جاءت الراجفة (1) تتبعها الرادفة (2) جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه ” قلت: يارسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ” ما شئت “.
قلت: الربع؟ قال: ” ما شئت، فان زدت فهو خير لك ” قلت: النصف؟ قال: ” ما شئت، فان زدت فهو خير لك “.
قلت: فالثلثين؟ قال: ” ما شئت، فان زدت فهو خير لك “.
قلت: أجعل لك صلاتي كلها (3) قال: ” إذن تكفي همك ويغفر لك ذنبك ” رواه الترمذي.
__________
(1) الراجفة: النفخة الاولى.
(2) الرادفة: النفخة الثانية.
(3) أي: أجعل مجالسي كلها في الصلاة والسلام عليك.